تحقيق – نورة العطوي

جاء الأمر السامي بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي الأمر عند تقديم الخدمات لها أو إنهاء الإجراءات الخاصة بها – ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب – تأكيدا على عزم الدولة في المضي قدماً بخطوات جادة عنوانها التمكين والإنصاف بأن تتولى المرأة شؤونها الشخصية بنفسها، بدءاً بتمكينها من حقوقها في التعليم والعمل والعلاج واستخراجها لجميع وثائقها الرسمية دون حاجتها لتوقيع أو موافقة ولي أمرها.

وشدد الأمر السامي على الجهات المعنية بضرورة مراجعة الإجراءات المعمول بها لديها ولدى الأجهزة المرتبطة بها ذات الصلة بالتعامل مع الطلبات والخدمات المقدمة للمرأة، وحصر جميع الاشتراطات التي تتضمن طلب الحصول على موافقة ولي أمر المرأة لإتمام أي إجراء، أو الحصول على أي خدمة مع إيضاح أساسها النظامي والرفع عنها في مدة لا تتجاوز 3 أشهر من تاريخ صدور الأمر.

أهلية كاملة

بداية أكدت د. سهيلة زين العابدين – عضو بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان – أن خادم الحرمين حفظه الله أراد بهذا الأمر السامٍ أن يعطي للمرأة كامل اهليتها التي جاءت بها الشريعة الاسلامية فيما أبدت أسفها لمتابعتها بعض القراءات الخاطئة للأمر السامي إذ تم اخراجه من معناه واهدافه من خلال الاصرار على وجود بعض الاستثناءات رغم ما يتصف به الأمر السامي من مرونة وشمولية، متسائلة من أين جاء البعض بهذه الاستثناءات وما قيمة الأمر إذا لم يكن يتضمن إسقاط ولاية الرجل عن المرأة التي فرضها المخلوق ولم يفرضها الخالق جل شأنه؟ مؤكدة بأنه من الأهمية إن تكون قراءتنا بالفهم الصحيح للإسلام، وبعدم اجتثاث النصوص من سياقها ودلالاتها وتنقية فهمها من الموروثات الثقافية والفكرية.

وعن قراءتها للأمر السامي قالت: هناك دلالة صريحة على ما جاء في الشريعة الاسلامية بعدم فرض الولاية على المرأة الراشدة والبالغة ومن المعلوم أن الشرع لم يفرض ولاية الرجل على المرأة البالغة الرشيدة، فالولاية على القاصر والمعتوه والمجنون، والمرأة كاملة الأهلية مثلها مثل الرجل في القصاص والحدود والتعزيرات ولم يسقط عنها حد أو تعزير لأنوثتها، مبينة بأنه جاء في الامر السامي «مالم يكن هناك سند نظامي طبقا لإحكام الشريعة الاسلامية» ما يعني أن السند النظامي لابد أن يكون متوافقا مع الشريعة الاسلامية ومن هنا نطالب كافة الجهات الحكومية مراجعة هذه الأنظمة بحيث أنه اذا كانت مخالفة لسند شرعي يساندها تلغى وهذا هو تعديل جميع الانظمة والقوانين التي لا تتفق مع الشريعة الاسلامية مع الفهم الصحيح للآيات القرآنية واستبعاد الاحاديث الموضوعة والضعيفة.

وقالت لا يوجد حاليا في انظمتنا شروط تتطلب موافقة ولي الأمر عند اجراء عمليات جراحية وقد سبق وان أجريت شخصيا عمليات جراحية خطيرة لم يطلب مني توقيع ولي الامر كذلك عند الاجراءات البنكية أو في النظام القضائي وعقود البيع والشراء لم يطلب أو يشترط موافقة ولي الأمر وهذه الأنظمة موجودة حاليا وتتمتع بها كثير من السيدات ومن هنا لا يمكن القول بأن الأمر السامي يوجه بتعديل انظمة هي حتما موجوده وأنما يوجه بتعديل أنظمة غير موجودة.

انتهاء عصر الاجتهاد الشخصي

فيما ترى د. هتون الفاسي – أستاذة مشاركة في تاريخ المرأة وكاتبة – أنه أمر استثنائي يدشن لحقبة جديدة من التعاطي مع قضايا المرأة السعودية. حقبة جديدة تتصف بالحزم والعزم لتخليص السعودية من جذور السمعة التي ترافقها خارجياً وداخلياً بأن حقوق النساء فيها لا تُرام.

وقالت إن هذا الأمر السامي ينقلنا إلى مسار الحقوق والقانون وانتهاء عصر الاجتهاد الشخصي.

وأضافت أرى أن القرار يعني أن وصول المملكة إلى موقع عضوية لجنة حقوق المرأة المعنية بتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين بين عامي 2018 و2022 بالأمم المتحدة، كان عن جدارة تأخذها المملكة بجدية لمراجعة ملف المرأة في السعودية للانتهاء من التباساته التي دوما ًما تُحرج السعودية في الخارج، وأيضا أنا سعيدة بأن المملكة تأمر أخيراً بنشر ثقافة الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها المملكة وتوضيح تحفظاتها التي لا تتعارض مع أهداف الاتفاقيات، وتوضيح ما التزمت به المملكة، وسعيدة أيضاً بأن هذا الأمر منضبط بجدول زمني مما يعني أنه لن يُترك على عواهنه لكني بالمقابل، اؤكد انه لا يعُقل أن تبقى المرأة رهينة التفسيرات والاجتهادات البشرية التي يمكن أن تضيق عليها، في حين ينبغي أن نكون قد وصلنا إلى مرحلة يتساوى فيها جميع المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، كما أرى أن الأمر فيما يتعلق بالمواصلات يحتاج لحل أكثر حسماً مما تقدم، وألا يقتصر على خدمات وزارة العمل بتوفير المواصلات، كما يتبقى ضرورة رفع التقييد على سفر المرأة البالغة العاقلة الراشدة، فالشق كبير والإصلاح في هذا الشأن لا يكفيه مجرد السماح بتجديد الجواز، بل يجب أن يمتد إلى أن يُقضى فيه بما يقضى فيه للرجل البالغ العاقل الراشد، كما إننا لا يمكن أن نتقدم خطوة بعد من دون أن ننهي أزمة تحديد سن رشد المرأة البالغة العاقلة الراشدة ببلوغها سن الثامنة عشرة وضرورة أن تضاف هذه المادة الخاصة في النظام الأساسي وقوانين الدولة.

نشر الوعي

من جهتها ترى د. سامية العمودي – مؤسس ورئيس أول وحدة للتمكين الصحي والحقوق بجامعة الملك عبدالعزيز – أن الأمر السامي فتح ملف ولاية الأمر على المرأة وهذا انجاز وكسر لتابوت الاقتراب من هذا الملف، كما جاء الأمر السامي تأكيدا على عدم المطالبة بموافقة ولي الأمر على القضايا التي كانت متروكة لاجتهادات الأفراد والجامعات والشركات ومنها حق تأجير السكن للمرأة واستقلاليتها، ونجد أن عبارة «ما لم يكن هناك سند نظامي « وتعني بأنه سيتم الرفع بها خلال ثلاثة أشهر وبما يؤكد أنها قابلة للدراسة وهناك توجه لتعديلها، وفيما يتعلق بتوجيه هيئة حقوق الإنسان بنشر الوعي بحقوق المرأة فأنه يعد اعتراف بالحقوق وأهميتها كما أن توجيه الهيئة بنشر الوعي بالاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية السيداو يعد ايضا يعني اعتراف ببنودها المهمة مثل الحق في حرية التنقل.

وذكرت أن التوجيه جاء لتعزيز الاجتهادات لبعض الاطباء والطبيبات وبعض المستشفيات لتمكين المرأة من حقوقها الصحية مثل حق التوقيع على العمليات وعدم وجود شرط موافقة ولي الأمر في النظام ومن هنا كانت مبادرتنا في انشاء أول وحدة لتمكين المرأة من حقوقها الصحية، فيما ترى أن هذا القرار السامي سيتلوه في خلال أشهر الكثير من استعادة حقوق المرأة المسلمة.

أهداف الرؤية

وقالت فاطمه القحطاني – كاتبة إعلامية -ان القرار التاريخي مؤشر لأنظمة جديدة وفعاله للمرأة السعودية، مضيفة انه ليس غريبا أو جديدا انما هو مستمد من الشريعة الإسلامية التي تأمر بتكريم المرأة واحترام كيانها والعناية بها وبأولادها، فالمرأة مثلها مثل الرجل في الحقوق والواجبات، إلا اننا في زمن طغت فيه العادات والتقاليد على أمور الشرع فطغت بعض الفرضيات الخاطئة بحق المرأة ويمارس عليها التسلط والتقهقر وهضم الحقوق، مؤكدة على أن الدولة أكرمت المرأة بما يكفل حقوقها، ولها الحق بممارستها فهي شريك في التنمية والبناء وهذا يأتي امتدادا لحرص المملكة على تعزيز دور المرأة في المجتمع خاصة في ظل المرحلة الحالية، وأهمية مشاركتها في رؤية 2030، إذ إن من أهداف الرؤية رفع ومساهمة مشاركة المرأة بما لا يقل عن 35% خلال المرحلة المقبلة سواء في القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية وغيرها ولدينا سيدات مجتمع ناجحات وعالمات وسيدات اعمال وقد بلغت الاستثمارات والأرصدة 60 بليون ريال تتركز في المصارف والشركات والعقارات.

نقله نوعية

فيما ذكرت بيان زهران – محامية – أن صدور الأمر السامي يمثل نقله نوعية حيال حماية وإنفاذ حقوق المرأة كما أن له عدة محاور مهمة لتمكين النساء ومراجعة السياسات التنظيمية وفرض تحقيق المصلحة على الصعيد الدولي والوطني.

وقالت: يتضح مدى حرص القيادة الرشيدة على رفع أي ضرر وتعسف تعاني منه المرأة في كافة جوانب حياتها الأسرية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية سواء من خلال انتفاعها بالخدمات أو إنهاء الإجراءات المقدمة لها من خلال المواقع الرسمية للجهات الحكومية المختلفة

موضحة بأن الأمر السامي الحكيم جاء مشتملا على عدة بنود من أولها عدم اعتبار أي قيد إلا ما كان له مستند نظامي، وثانياً التأكيد على الجهات المعنية بضرورة مراجعة الإجراءات المعمول بها لديها ولدى الأجهزة المرتبطة بها بالتعامل مع الطلبات والخدمات المقدمة للمرأة وحصر جميع الاشتراطات التي تتضمن طلب الحصول على موافقة ولي أمر المرأة لإتمام أي إجراء أو الحصول على أي خدمة مع إيضاح أساسها النظامي والرفع عنها في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ صدور هذا الأمر السامي ومعنى ذلك أن أي إجراء خاص بالمرأة يتطلب موافقة الولي دون سند صحيح يعتبر لاغياً بقوة الأمر السامي الكريم وهو أعلى سلطة تشريعية لا يجوز لمصدر نظامي أدنى منه معارضته بل وألزم الأمر جميع الجهات إيضاح المستند ومصدره.

وأضافت أن الأمر الآخر متعلق برفع تلك المستندات النظامية التي تتطلب وجود أي موافقة ولي أمر للمرأة لتمحيصها ومراجعتها وبالتالي فإن القواعد النظامية المتعلقة بتلك الحقوق ستكون خاضعة للمناقشة والتعديل لتصبح أكثر وضوحاً وشفافيةً بموجب أساس ومستند شرعي ونظامي معلن وواضح ويسهل الوصول والاطلاع عليه وفق منظومة قانونية منسجمة مع المبادئ التي ارستها الشريعة الإسلامية والنظام الأساسي للحكم والمواثيق الدولية وصادقت المملكة عليها بما لا يتعارض مع أحكام الشرع الحنيف.

دعم وتحفيز

من جهتها اوضحت د. نوف الغامدي – مستشارة تنمية اقتصادية وإقليمية – ان القرار يدعم مسيرة المرأة السعودية ويعزز من نجاحاتها على جميع المستويات، ويكمل سلسلة الدعم التي تتبناها الدولة وبالفعل فقد تم تطبيق هذه القرارات منذ شهور عدة من خلال القنوات المختلفة التي تتعاطى معها المرأة السعودية ومن خلال التعاملات الإلكترونية وتعاملاتها مثل إصدار السجلات الالكترونية وبطاقة الأحوال والبنوك والمستشفيات والفنادق وغيرها ونتمنى ان يتم تعميم هذه القرارات على جميع الدوائر الحكومية والغاء إذن السفر وغيرها من القوانين التي تؤخر تقدم المرأة.

واعتبرت الغامدي أن القرار اعلان لجميع أطياف المجتمع بأن المرأة تتقدم ولن تعيقها الأصوات السلبية، فالمرأة السعودية بصماتها كبيرة على جميع المستويات وتستحق التكريم والدعم والتشجيع من وطنها وخادم الحرمين – حفظة الله – بهذه القرارات يؤكد ان القيادة تقف خلف سيدات المجتمع وتحترم إنجازاتهن.

إزالة العوائق النظامية

فيما أشارت د. حنان القحطاني – مبتعثة بكندا – أن القرار يعتبر من اهم القرارات بالنسبة لها مشيرة إلى أن دلالته تأتي بالتأكيد على حرص الحكومة الرشيدة بتوفير كافة الخدمات وتسهيلها لكافة أفراد المتجمع كما يتناسب مع كل فئة.

وقالت فيما يتعلق بالتمكين الصحي يأتي هذا القرار من اهم التسهيلات سواء في الحالات الطارئة او العادية لما قد واجهنا من حالات تأخر فيها تقديم ما يلزم في انتظار موافقة ولي الامر والتي في بعض الأحيان لا نحصل عليها في الوقت المناسب مما يترتب عليه تأثر الحالة على الصحية للمواطنة.

وقالت عالية ال فريد – كاتبة وعضو الجمعية الوطنية لحقوق الانسان في المنطقة الشرقية – بأن المرأة السعودية بإنجازاتها اليوم وما وصلت اليه وحققته جديرة أن تبذل من أجلها الجهود التي تتناسب مع كرامتها ومكانتها الطبيعية في الحياة وفي صناعة التنمية، فيما اعتبرت اتاحة الخدمات لها دون «شرط الولي» قرارا صائب وحكيم وشجاع، وأسعدنا كثيرا وخفف علينا الكثير من المعاناة وسيزيح عن كاهل المرأة الكثير من العوائق النظامية التي طالما اعاقت مسيرتها وممارسة دورها الحيوي .

مضيفة: لاشك أن القرار تاريخي يأخذ أهمية كبيرةً في عصر التحول والتطور الذي يمر به المجتمع والذي تسعى فيه المملكة لأن تكون في موقع الصدارة أكثر من أي وقت مضى لافتة إلى أن حقوق الإنسان بشكل عام تتبلور وتتطور وتنمو وتتغير مع حياة الانسان بشكل مستمر بناء على اتساع نشاطاته وتنوعها، وكاستجابة لتأثيرات متنوعة ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية تواكب الزمن مما يجعل الحاجة ملحة الى التجديد والتغيير والتطوير في القوانين والتشريعات والأنظمة بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية في تلبية احتياجات المواطن اولا ومع أهداف ورؤى وتطلعات المملكة في التنمية والاقتصاد.