نهلة حامد الجمال (المدينة المنورة)

ذرفت الكثير من السعوديات دموعا، على زميلاتهن وصديقاتهن وحتى أخواتهن، قضين في حوادث سير، وأخريات خسرن وظائفهن بسبب عدم توفر السيارة والسائق الذي يقلهن من وإلى مقر عملهن.

هذه الدموع ليست كما يقال «دموع التماسيح»، بل هي الأسى على قلة الحيلة، والحيرة في عدم توفر المواصلات البديلة، والشكوى من طول انتظار الحلول، والاستسلام للواقع الذي لا يريد أن يتغير.

ففي البداية تشرح المعلمة في إحدى قرى المدينة خديجة محمد معاناتها مع النقل قائلة: عندما نتحدث عن أزمة السائقين فبالتأكيد أسرع ما يتبادر إلى أذهاننا قصة السائقين مع معلمات القرى، قصة راح ضحيتها الكثير من المعلمات.. وأعيت الكثير من السائقين الذين كانوا ضحية القسائم ونظام ساهر والصيانة المستمرة للسيارات.. فكم ارتوت الأرض بدمائنا في حر الصيف وقسوة الشتاء.. وكم روح تم قبضها على طرقات رحلة العمل؟ ما ذنب أطفال تيتموا؟! وما عزاء والدين ذابت أعينهما من الدمع على فراق بناتهما المعلمات؟

أما سعاد الحربي الموظفة في القطاع الخاص فتروي معاناتها قائلة: إن راتبي ثلاثة آلاف ريال نصفه يذهب للسائق الذي يقوم بإيصالي للدوام وأحيانا قد لا يأتي ما يضطرني للذهاب مع سائق صديقتي الذي أيضا أقوم بدفع حسابه بالمشوار، وفي الوقت نفسه لا أستطيع الحسم على سائقي حتى لا يتمرد علي ويتركني وهذا نوع من المراعاة لنظام السائقين، فأنت من يحتاج له وليس هو، ما يعني أنني أصرف شهريا 1700 ريال على وسائل المواصلات، ولست وحدي من يعاني فكل زميلاتي يعانين من المشكلة ذاتها.

وتتساءل وئام المعلمة في إحدى قرى المدينة المنورة: لماذا لا يتم توفير وسائل نقل حكومي تعرف جميع أطرافه ويقع تحت مسؤولية وإشراف الوزارة؟ ولماذا لا يتم إنشاء محطات على مخارج المدن وعلى بداية طرق القرى وبحافلات لها مواصفات خاصة وسائقين معروفي الهويات ولهم خط سير خاص واعتبارات خاصة في الوقفات والمحطات والتصاريح ونظام ساهر؟ هذا إضافة إلى مشكلات استغلال بعض السائقين ممن لا يخافون الله فيمن معهم من النساء، وتعطل السيارات في أماكن مقطوعة من الخدمات ونزول المعلمات في طرق السفر لانتظار الحلول. تساؤلات تبحث عن إجابات ومنفذين مهتمين بأمر معلماتنا في القرى.. وحاجتهم الشديدة لقوانين وزارية خاصة بظروف نقلهن وتعيينهن وضوابط الحضور والغياب الخاصة بهن.

وتلفت طبيبة الأسنان الدكتورة حنان القاضي الأنظار إلى أن الأمر يزداد صعوبة عندما تكلف الطبيبة في مكان بعيد، حيث يتوقف الأمر على الاتفاق مع السائق، مع العلم بوجود نص وتعميم بالوزارة لا يتم خروج الطبيبة إلا بوجود سيارة الصحة في حال التكليف، ولكن هذا غير فعال هنا في محيط العمل أو حتى في فترة العمل الميداني، إذ للأسف الكل يجامل ليجاري سير العمل.

أما أمل المعلمة في مجمع تعليمي بوادي الفرع فتأمل أن تخصص وزارة التعليم محطات رسمية بسائقين وحافلات خاصة لنقل معلمات القرى، ويكون لهم اعتبارات خاصة في السرعة والخط وساهر.. قائلة: نجد صعوبة بالغة في تجميع عدد كاف من المعلمات على خط سير واحد في البلد، إضافة إلى عدم التأكد من أهلية السيارة وجودتها، لذلك أحب أن أضيف فكرة الحافلات والمحطات كاقتراح وطلب لعله يصل إلى المسؤولين بدون الشكوى على السائقين كي لا يتركننا فالحاجة لهم اضطرتنا للتنازل عن كثير من حقوقنا، ولا ننسى الخوف الدائم عند كل معلمات القرى من السرعة وحدوث الحوادث الكثيرة والوفيات للمعلمات.

وتروي فضة مقبل العنزي أخصائية العلاج الطبيعي في مستشفى أحد بالمدينة المنورة معاناتها مع النقل ومنها عدم وجود تسعيرة ثابتة أو التزام بالوقت، إضافة إلى عدم الاهتمام بصيانة السيارات ومن ثم الوقوف في وسط الطريق لعطل السيارة والانتقال لسيارة أخرى ما قد يعرض الركاب للخطر في أي لحظة، كما أنه من النادر أن تجد سائقا يقبل بأجرة أقل من 1000ريال شهريا، مع عدم وجود أي إيصالات أو فواتير معتمدة من أي جهة، تثبت مرجعية الليموزينات وسيارات النقل.

فيما ذكرت الدكتورة أحلام عبد القادر كردي مستشارة مدير عام الشؤون الصحية بمنطقة المدينة أن السائقين رغم أهمية الدور الذي يقومون به إلا أنهم يفتقرون إلى ضوابط ومعايير في جودة العمل من حيث التدريب والثقافة والاهتمام بالمظهر والتقيد بالمواعيد، لذا لا بد من وجود من يتولى تدريبهم واستقطاب الكفاءات قبل البدء بالعمل ومن ثم وضع أسعار موحدة متفق عليها.

واقترحت كردي إيجاد مكاتب تابعة لوزارة الصحة لتولي شؤون النقل بأسعار مدروسة، أو رفع بدل النقل، كما بالإمكان إعادة النظر في الشفتات (الورديات) من قبل وزارة الصحة من خلال تأمين سائقين خاصين لنقل الموظفات المناوبات وهذا من أقل حقوقهن، ويمكن دفع مبلغ مناسب ومتيسر، وهذا كله يصب في مصلحة الطرفين، وبالنسبة للنقل بشكل عام، فبالإمكان استقدام سائقين من قبل وزارة المالية خاصين لنقل جميع موظفات الدولة وبأسعار معقولة مناسبة لبدل النقل الموضوع من قبل وزارة المالية.

أما أم محمد الموظفة في المسجد النبوي الشريف فأكدت أنها تجد صعوبة بالغة في توفير سائق في ظل راتبها الذي لا يتجاوز 3500 ريال، وارتفاع الأسعار إلى حد أنها تصل إلى أكثر من نصف الراتب، وذلك بسبب أوقات الدوام المتغير (ورديات) كل شهر وبالذات الفترات المسائية التي تبدأ بعد منتصف الليل. متمنية استمرارية الحافلات الترددية طوال العام وليس في رمضان فقط لأنها كما تقول كانت فكرة رائعة تخدم زوار الحرم بالإضافة إلى الموظفات، وبما أن زيارة الحرم المسجد النبوي مفتوحة معظم العام فكان بالإمكان استمراريتها.

الوكيل: الحل في «حافلات للنساء»

أكدت المذيعة ومعدة البرامج غادة الوكيل أن أسعار النقل مرتفعة جدا، وليس فيها مراعاة لظروف الجميع، حيث تعد استغلالا للحاجة،

وتقول الوكيل: أنا ممكن أدفع أكثر من 150ريالا في اليوم الواحد نظرا لعملي الإذاعي وتغطياتي الإذاعية، وعندما يكون عندي أكثر من تغطية وفي أماكن متفرقة أكون مجبرة على أن أركب مع سائق حتى لا أخسر عملي، والسائقون يستغلون حاجتنا إليهم برفع الأسعار، خصوصا إذا لم يكن لدى المرأة من يتولى توصيلها وإحضارها. وأضافت غادة قائلة: بصراحة هناك مشكلة كبيرة نعاني منها في النقل. خصوصا أن العمل الإعلامي يتطلب خروجا كثيرا. لذلك نرجو أن يتم توفير وسائل نقل آمنة نستطيع من خلالها أن نشعر بالأمان مثل حافلات خاصة للنقل والتوصيل على غرار الدول المتقدمة وتوفير وسيلة نقل عام على مستوى عال من الدقة تساعدنا على تجاوز هذه المشكلة الصعبة التي تنغص علينا تحركاتنا.

البسامي: تنفيذ 30 % من مشاريع النقل في الرياض

أوضح نائب رئيس اللجنة الوطنية للنقل ورئيس لجنة النقل بغرفة جدة سعيد البسامي لـ«عكاظ» أن شركات خدمة التوصيل هي مجرد مسميات لشركات تقدم خدمات التوصيل ولكنها لم تسجل رسميا في وزارة النقل، وهي تتم بالاتفاق بين الزبون ومقدم الخدمة لتوصيله من وإلى مقر عمله بنظام شهري. وذكر أن كيفية حساب قيمة المشوار وفق نظام وزارة النقل هو من خلال وضع عداد يفتح عند سعر خمسة ريالات ويتم لاحقا حساب الكيلو بريال و70 هللة، وهذه البرمجة مسجلة رسميا في العداد. أما بالنسبة للقرى فأكد أنه ستكون هناك آلية مختلفة تعتمد على نقل 15 فرقة في السيارات المجهزة، وتتراوح الأسعار حسب وعورة الخط، حيث تصل إلى 2500 ريال شهريا. ولضمان سلامة المعلمات والسائق فهناك آلية تشترط وجود قائمة بأسماء المعلمات وكذلك وجود محرم مع السائق، وهذه اللجان تعمل على التنسيق لما فيه مصلحة جميع الأطراف؛ وتخدم القطاعين الخاص والعام. أما فيما يتعلق بالمعايير فإنها تكون مشددة على النقل الصغير كنقل المعلمات والطالبات، مع وجود معايير أيضا تتعلق بالنقل المتوسط والكبير، مع السعي لسعودة النقل حاليا. وأوضح البسامي أن هناك توجها لإيجاد النقل العام، والدراسات مطروحة حاليا بالنسبة للمدن الرئيسية، مشيرا إلى عدم وجود تعثر لهذه المشاريع، إذ يجري إنهاء الخطط الرئيسية في هذا الشأن، مبينا أن القطاع الخاص سيتولى مسؤولية هذا الأمر لتطوير هذه المشاريع. لافتا إلى أن مدينة الرياض تم تنفيذ أكثر من 30 % من المشروع، فيما مشاريع جدة والشرقية ومكة المكرمة والمدينة المنورة لاتزال في طور الترسيات النهائية على مقاولين، من أجل التخفيف على المدن من الازدحام المروري والتكدسات ورفع الجهد عن كاهل المواطن فيما يخص الأسعار والوقت.