خلود غنام الرياض

– إجهاد الأطباء بساعات العمل الطويلة يخفض ويضعف مستوى جودة العناية بالمرضى.

– “د.أحمد الحربي”: دعوة إلى تغيير نظام العمل لتقليل نسبة الأخطاء الطبية ورفع كفاءة العمل.

– “د.علي الوهابي”: بعد الاستيقاظ لمدة 24 ساعة يكون أداء الدماغ مضطرباً كالأشخاص المخمورين.

– “د.خالد الجنيح”: الأخطاء الطبية واردة رغم أن التخصصات الطبية لا تعترف بها بشكل صريح.

– “د.خالد النمر”: العمل أكثر من 40 ساعة أسبوعياً يزيد مخاطر أمراض القلب ويؤثر على إنتاجية العمل ويرفع حالات الحوادث.

يعد الطبيب المناوب المسؤول عن المرضى، ويقتضي وجوب وجوده بالمستشفى لاستقبال الحالات الطارئة مدة قد تتجاوز الـ24 ساعة؛ وقد تترتب على العمل فترات مسائية طويلة نتائج خطيرة من النواحي الطبية، والإنسانية؛ إذ أثبتت دراسات أن الحرمان المزمن من النوم يعد واحداً من أهم الاضطرابات السلوكية الاجتماعية التي تصيب الأطباء والعاملين في القطاع الطبي في المجتمعات الحديثة، وقد يؤدي ذلك- لا سمح الله- إلى عواقب وخيمة.

“سبق” تواصلت مع عدد من الأطباء للوقوف على آثار زيادة ساعات المناوبة على الطبيب والمريض.

ستنزاف جسدي ونفسي:

يقول “د.أحمد بن علي الحربي”- المركز الطبي بجامعة توليدو- الولايات المتحدة، لـ”سبق”: “لا يخفى على أحد ما يعانيه الأطباء من استنزاف جسدي وذهني، وخصوصاً في مرحلة التدريب من حيث طول ساعات العمل الشاقة، وخصوصاً أن نظام التدريب للإقامة الطبية يفرض على الطبيب المقيم عدد ساعات عمل تصل إلى ٣٦ ساعة متواصلة في كل ٧ إلى ١٠ أيام، تتخلل ذلك عمليات جراحية وحالات طارئة وإجراءات طبية، تتغير معها حالة الطبيب واستعداده النفسي لمواجهة هذه التحديات”.

وأضاف: “الناظر بعين البصير يدرك أن هذا مخالف للطبيعة البشرية وتركيبة الجسم الفسيولوجية؛ إذ تتراجع قدرة الجسم والعقل على التعامل مع الأحداث المحيطة به وتقل كفاءته تدريجياً مع طول فترة الإنهاك، ولو كان بمجهود جسمي أو عقلي بسيط، فكيف برعاية المرضى والعناية بهم، بل اتخاذ قرارات قد تكون مصيرية في بعض الأحيان”.

وبين: “أن المجلس الأمريكي خطى لاعتماد التعليم الطبي للدراسات العيا “ACGME“؛ خطوة سباقة بتقليص ساعات العمل للطبيب المناوب إلى ١٢ ساعة في اليوم، وقام بتكثيف عدد المناوبات حتى يضمن جودة التدريب؛ إذ ينهي الطبيب المناوب عمله في حدود الساعة الـ7 مساء، ولا يجوز له تعدي هذا الوقت، وإلا فإنه يخالف النظام المتفق عليه للتدريب وقد يتعرض البرنامج التدريبي للمساءلة”.

وأوضح: “جاءت هذه الخطوة بعد دراسات وأبحاث مطولة منذ ما يزيد على عشرين سنة من الاجتماعات والاستماع لآراء الخبراء، والاستعانة بتوصيات الهيئات المختلفة؛ وحتى لا يكون الكلام تنظيرياً فهناك عدة حلول للبرامج الطبية السعودية؛ ففي ظل تزايد أعداد الخريجين الحاليين من كليات الطب، وشحّ المقاعد المتوفرة للتدريب؛ يمكن زيادة استيعاب البرامج التدريبية وتقليص عدد الساعات لتتوزع بين أفراد الفريق الطبي”. كما يمكن عمل فرق خاصة بالحالات المتكررة للمرضى؛ ليتم علاجها من قبل فريق منفصل أو ما يعرف بـ”Hospitalit team“، ويتوجه الطبيب المقيم لعلاج الحالات التعليمية التي يستفيد منها خبرة في مشواره العملي.

تغيير النظام:

أضف إلى ذلك وجود المناوبات الليلية التي تبدأ من الساعة الـ7 مساء إلى 7 صباحاً، والتي يكون فيها الطبيب المقيم بمرافقة أحد الأخصائيين أو الأطباء المتقدمين، ويتاح له التعرض للحالات التي قد لا يواجهها إلا في مثل تلك الأوقات، وبهذا تحل معضلة بقائه في المستشفى إلى اليوم الذي يليه”.

وختم “د.الحربي” حديثه: “هذه الدعوة إلى تغيير نظام العمل أثبتت عملياً وعلمياً أنها تقلل من نسبة الأخطاء الطبية، وترفع من كفاءة العمل، وتزيد سلامة المرضى، وهي مجربة وأثبتت نجاعتها. ويبقى السؤال: ما مدى استعداد القائمين على البرامج التعليمية للتحرك نحو تغيير هذا النظام، والتخلي عن أسلوب “إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون”؟.

أطباء مخمورون:

الدكتور علي الوهابي”، أخصائي تخدير وعناية مركزية، يبين لـ”سبق”: “أن مناوبات الأطباء خلال عملهم كأطباء مقيمين في المستشفيات تعتبر من الأطول في العالم، وهي ربما تكون غير آمنة للمرضى. وقال: “كنظام عالمي لا يسمح للطيارين وسائقي الشاحنات والباصات بالعمل لأكثر من 13 أو 14 ساعة متواصلة، لكن الأطباء المقيمين يمكن أن يعملوا ضعف هذه المدة ما بين 24 إلى 32 ساعة متواصلة، وربما أكثر”.

ويتابع: “بعض الخبراء يؤمن بأن هذه الممارسات لها أخطار فادحة على سلامة المرضى؛ لأنها تؤثر على الحكم وردات الفعل، واتخاذ القرار، وفي النهاية تؤدي إلى الأخطاء. والحرمان من النوم إذا كان العمل طويلاً للغاية أو فترات النوم قليلة جداً؛ له تأثير سيئ على الدماغ.

ويؤكد “الدكتور الوهابي” أن هناك دراسات علمية؛ حيث يقول “د.تشارليز سيزلير”- وهو كبير الأطباء ومتخصص في أبحاث النوم في مستشفى بريغهام في بوسطن-: نحن نعرف أنه عندما يكون الأشخاص مستيقظين لمدة 24 ساعة يكون أداء الدماغ الوظيفي السلوكي مضطرباً كما يكون عند الأشخاص المخمورين قانونياً”. كما صدر تقرير لعام 2012 بواسطة الأطباء المقيمين في كندا، وجد أن أكثر من “80%” من الأطباء المقيمين من المشمولين في التقرير، قالوا: إن لإجهاد يخفض ويضعف من مستوى جودة العناية المعطاة للمرضى.

حقوق الإنسان:

من جهة أخرى “البحث المنشور لـ”د.سزيسلير” وجد أن الأطباء المقيمين الذين يعملون مناوبات طويلة متعددة في الشهر؛ وجد أن نسبة “300%” يؤدي الإجهاد الزائد إلى اخطاء طبية أدت إلى موت المرضى، وأن الأطباء الذين يعملون لمناوبات متواصلة لأكثر من 24 ساعة يقومون بـ” 460%” أخطاء تشخيصية كارثية وخطيرة مقارنة بهم عندما يعملون في مناوبات قصيرة”.

وأردف: “العمل لمدة طويلة جداً مخالف لقانون العمل الدولي، ومخالف لحقوق الإنسان أيضاً؛ ومعهد الطب الأمريكي أصدر دراسة عام 2008م، وكانت التوصيات كالتالي: ساعات العمل الأسبوعي كحد أعلى 80 ساعة كمتوسط خلال 4 أسابيع، والحد الأعلى لساعات المناوبة 16 ساعة متواصلة، أو 30 ساعة مقسمة كالتالي: 16 ساعة مناوبة، 5 ساعات متواصلة وقت محدد ومحمي للنوم؛ ما بين 10م والساعة 8 ص الوقت المتبقي لتسليم المرضى والأنشطة التعليمية. والعدد الأقصى المسموح به لتكرار المناوبات: مناوبة كل ثلاثة أيام.

سلامة المرضى:

وحول تأثير تحديد ساعات عمل المناوبات على المرضى في جانب المضاعفات والوفيات؛ يجيب “د.الوهابي”: “أجريت دراسة على أكثر من “300” ألف حالة للمرضى في أمريكا؛ وأظهرت الدراسة أن تخفيض ساعات العمل يقلل من الوفيات بين المرضى، وهناك دراسة أخرى لمجلس الاعتماد للدراسات العليا الأمريكي في عام 2003م قالت: إن تخفيض ساعات العمل يقلل من خطر الوفيات، وكانت عينة الدراسة تحوي مليوناً ومئتي ألف مريض الذين لم يخضعوا لعمليات جراحية”.

ما بخصوص تأثير حرمان النوم على الأطباء؛ يقول: “هناك أبحاث أجريت في أوروبا وأمريكا حول ساعات العمل غير المستندة إلى المعايير والحرمان من النوم؛ أظهرت أن ساعات العمل المتأخرة مسؤولة عن ارتفاع خطر الإصابة باضطراب الجهاز الهضمي وأمراض القلب وسرطان الثدي وإسقاط الحمل والولادات المبكرة”.

حوادث العمل:

وأضاف: “د.خالد النمر، المتخصص في طب وأمراض القلب، نقل عبر حسابه الشخصي في “تويتر” دراسة عالمية تقول: إن العمل أكثر من 40 ساعة أسبوعياً يزيد مخاطر الإصابة بأمراض القلب؛ ووجد أن الحرمان المزمن من النوم وحالات الإجهاد والضغط المرافقة له، والناتجة بسببه؛ يمكن أن تؤثر على إنتاجية العمل، وارتفاع حالات حوادث العمل”.

دراسات:

من جهة أخرى نشرت اللجنة التوجيهية الوطنية لساعات عمل الأطباء المقيمين في كندا عدة دراسات؛ أظهرت أن العمل لمدة طويلة مرتبط بما يسمى “الاحتراق النفسي” أو “الاستنزاف الداخلي”، وبالتالي له تأثير سلبي على جودة حياة الأطباء.

ونشرت اللجنة أيضاً دراسات موثقة حول خطر المناوبات الطويلة على السلامة الشخصية؛ حيث وجد أن الأطباء بعد المناوبات يكونون على خطر أكبر مقارنة بغيرهم للتعرض لحوادث السيارات، وخطر التعرض للإصابة بالأدوات الحادة الطبية “كالإبر مثلاً”. “75%” من الأطباء المشمولين في مسح اللجنة قالوا: إنهم تعرضوا لخطر الإصابة بحوادث السيارات بعد المناوبة “98%” تعرضوا لحوادث سيارات، وتعرضوا لإصابات عمل على مدى 4 أسابيع”. وأما بالنسبة لتأثيراته الاجتماعية فقد أجريت دراسة في أمريكا على الآباء المتزوجين، الذين يعملون في الليل بشكل ثابت؛ أن لديهم 6 مرات احتمال عن الآباء الذين يعملون في النهار لمواجهة الطلاق، وانهيار الأسرة، بينما في النساء يرتفع الرقم 3 مرات”.

الأخطاء الطبية:

“الدكتور خالد الجنيح”، أخصائي تخدير؛ يقول لـ”سبق”: “نظام المستشفيات هنا يختلف من مشفى لمشفى؛ فمثلاً المستشفى الجامعي بالرياض يختلف عن الذي بجدة؛ ويتابع: “الاستشاري يناوب في منزله ولا يستدعي إلا في الحالات الخطيرة جداً، والذي سيواجه الحالة في البداية هو الطبيب المقيم والمناوب الأخصائي؛ والطبيب الاستشاري في معظم المستشفيات يناوب 16 ساعة مقارنة بالطبيب الأخصائي المناوب الذي يناوب 24 ساعة في المستشفى. أما في المشفى الجامعي بجدة فيناوب فقط 16 ساعة”.

ويبين “د.الجنيح” أن عذر المستشفى أن هذا نظام الهيئة السعودية للتخصصات الصحية التى أساساً من وضعها طبيب مثلنا من الاستشاريين، وليس نظاماً من الدولة؛ ويجب أن نعمل أقصى حد “80” ساعة في الأسبوع ضعف عمل الساعات للطبيعية؛ وهذا يسبب إرهاقاً للطبيب المناوب، والحجة لديهم أن المقيم في مشفى الملك خالد الجامعي يحب أن يناوب 24 ساعة؛ كونه تابعاً للهيئة الطبية السعودية؛ وللأسف بينت الدراسات أن 40 ساعة للعمل هي مقدرة الإنسان أما أن تتجاوز 80 ساعة فهذا يولد ضغطاً نفسياً وجسدياً للطبيب الذي ينعكس بشكل مباشر على المريض الذي قد يقع ضحية للتعب والضغط، وللأسف لا يعوض الطبيب إلا أيام إجازة أو حتى مكافئات لتحفيزه عل العمل”. ويضيف: “الحجة الثانية أنهم يطبقون النظام الكندي، رغم أن هناك احتجاجاً عالمياً إن جميع الأطباء أصبحوا مرهقين جراء العمل 80 ساعة في الأسبوع رغم أنهم هناك يتم تعويضهم ويحفزون للعمل، أما هنا فالراتب واحد لا إجازات ولا مكافآت”.

نظام إنساني:

وأردف: “الأخطاء الطبية في هذه الحالة واردة رغم أن الأطباء لا تعترف بها بشكل صريح خوفاً على مستقبلهم المهني، لكن للأسف جراء الإرهاق والتعب قد يقع الطبيب بخطأ غير مقصود نتيجة الإرهاق؛ حيث علمياً بعد أن يتعدى الشخص الـ16 ساعة عمل متواصلة يصبح كالمخمور، ويبدأ كأنه في حالة سكر؛ والمريض لا يقبل أن يتعالج بين يدي طبيب مرهق؛ فعلى سبيل المثال: طبيب التخدير المناوب قد يطلب منه العمل لأكثر من عملية في اليوم الواحد؛ وهذا قد يسبب هاقاً له وخطراً على صحة المرضى”.

ويطالب “الدكتور الجنيح”: “أن يكون النظام إنسانياً، وبحجم الطاقة الإنسانية، وساعات المناوبة تقل ويطبق النظام الأمريكي 16 ساعة، لكن للأسف لأن معظم المتخرجين من كندا يطبقون النظام الكندي؛ يجب أن تراعى الاختصاصات التي ممكن أن تكون فيها خطورة؛ كالتخدير، وأطباء النساء والولادة، والعناية المركزة، عليهم ضغط كبير؛ فعلى سبيل المثال طبيب التخدير يطلب منه العمل في حادث، ثم بعد الانتهاء يكون متواجداً مع طبيب آخر بعملية أخرى، وهكذا. وهذا أمر خطير على صحة المريض. نتمنى أن تكون هناك إعادة نظر في عدد ساعات المناوبة”.

خلود غنام الرياض

– إجهاد الأطباء بساعات العمل الطويلة يخفض ويضعف مستوى جودة العناية بالمرضى.

– “د.أحمد الحربي”: دعوة إلى تغيير نظام العمل لتقليل نسبة الأخطاء الطبية ورفع كفاءة العمل.

– “د.علي الوهابي”: بعد الاستيقاظ لمدة 24 ساعة يكون أداء الدماغ مضطرباً كالأشخاص المخمورين.

– “د.خالد الجنيح”: الأخطاء الطبية واردة رغم أن التخصصات الطبية لا تعترف بها بشكل صريح.

– “د.خالد النمر”: العمل أكثر من 40 ساعة أسبوعياً يزيد مخاطر أمراض القلب ويؤثر على إنتاجية العمل ويرفع حالات الحوادث.

يعد الطبيب المناوب المسؤول عن المرضى، ويقتضي وجوب وجوده بالمستشفى لاستقبال الحالات الطارئة مدة قد تتجاوز الـ24 ساعة؛ وقد تترتب على العمل فترات مسائية طويلة نتائج خطيرة من النواحي الطبية، والإنسانية؛ إذ أثبتت دراسات أن الحرمان المزمن من النوم يعد واحداً من أهم الاضطرابات السلوكية الاجتماعية التي تصيب الأطباء والعاملين في القطاع الطبي في المجتمعات الحديثة، وقد يؤدي ذلك- لا سمح الله- إلى عواقب وخيمة.

“سبق” تواصلت مع عدد من الأطباء للوقوف على آثار زيادة ساعات المناوبة على الطبيب والمريض.

ستنزاف جسدي ونفسي:

يقول “د.أحمد بن علي الحربي”- المركز الطبي بجامعة توليدو- الولايات المتحدة، لـ”سبق”: “لا يخفى على أحد ما يعانيه الأطباء من استنزاف جسدي وذهني، وخصوصاً في مرحلة التدريب من حيث طول ساعات العمل الشاقة، وخصوصاً أن نظام التدريب للإقامة الطبية يفرض على الطبيب المقيم عدد ساعات عمل تصل إلى ٣٦ ساعة متواصلة في كل ٧ إلى ١٠ أيام، تتخلل ذلك عمليات جراحية وحالات طارئة وإجراءات طبية، تتغير معها حالة الطبيب واستعداده النفسي لمواجهة هذه التحديات”.

وأضاف: “الناظر بعين البصير يدرك أن هذا مخالف للطبيعة البشرية وتركيبة الجسم الفسيولوجية؛ إذ تتراجع قدرة الجسم والعقل على التعامل مع الأحداث المحيطة به وتقل كفاءته تدريجياً مع طول فترة الإنهاك، ولو كان بمجهود جسمي أو عقلي بسيط، فكيف برعاية المرضى والعناية بهم، بل اتخاذ قرارات قد تكون مصيرية في بعض الأحيان”.

وبين: “أن المجلس الأمريكي خطى لاعتماد التعليم الطبي للدراسات العيا “ACGME“؛ خطوة سباقة بتقليص ساعات العمل للطبيب المناوب إلى ١٢ ساعة في اليوم، وقام بتكثيف عدد المناوبات حتى يضمن جودة التدريب؛ إذ ينهي الطبيب المناوب عمله في حدود الساعة الـ7 مساء، ولا يجوز له تعدي هذا الوقت، وإلا فإنه يخالف النظام المتفق عليه للتدريب وقد يتعرض البرنامج التدريبي للمساءلة”.

وأوضح: “جاءت هذه الخطوة بعد دراسات وأبحاث مطولة منذ ما يزيد على عشرين سنة من الاجتماعات والاستماع لآراء الخبراء، والاستعانة بتوصيات الهيئات المختلفة؛ وحتى لا يكون الكلام تنظيرياً فهناك عدة حلول للبرامج الطبية السعودية؛ ففي ظل تزايد أعداد الخريجين الحاليين من كليات الطب، وشحّ المقاعد المتوفرة للتدريب؛ يمكن زيادة استيعاب البرامج التدريبية وتقليص عدد الساعات لتتوزع بين أفراد الفريق الطبي”. كما يمكن عمل فرق خاصة بالحالات المتكررة للمرضى؛ ليتم علاجها من قبل فريق منفصل أو ما يعرف بـ”Hospitalit team“، ويتوجه الطبيب المقيم لعلاج الحالات التعليمية التي يستفيد منها خبرة في مشواره العملي.

تغيير النظام:

أضف إلى ذلك وجود المناوبات الليلية التي تبدأ من الساعة الـ7 مساء إلى 7 صباحاً، والتي يكون فيها الطبيب المقيم بمرافقة أحد الأخصائيين أو الأطباء المتقدمين، ويتاح له التعرض للحالات التي قد لا يواجهها إلا في مثل تلك الأوقات، وبهذا تحل معضلة بقائه في المستشفى إلى اليوم الذي يليه”.

وختم “د.الحربي” حديثه: “هذه الدعوة إلى تغيير نظام العمل أثبتت عملياً وعلمياً أنها تقلل من نسبة الأخطاء الطبية، وترفع من كفاءة العمل، وتزيد سلامة المرضى، وهي مجربة وأثبتت نجاعتها. ويبقى السؤال: ما مدى استعداد القائمين على البرامج التعليمية للتحرك نحو تغيير هذا النظام، والتخلي عن أسلوب “إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون”؟.

أطباء مخمورون:

الدكتور علي الوهابي”، أخصائي تخدير وعناية مركزية، يبين لـ”سبق”: “أن مناوبات الأطباء خلال عملهم كأطباء مقيمين في المستشفيات تعتبر من الأطول في العالم، وهي ربما تكون غير آمنة للمرضى. وقال: “كنظام عالمي لا يسمح للطيارين وسائقي الشاحنات والباصات بالعمل لأكثر من 13 أو 14 ساعة متواصلة، لكن الأطباء المقيمين يمكن أن يعملوا ضعف هذه المدة ما بين 24 إلى 32 ساعة متواصلة، وربما أكثر”.

ويتابع: “بعض الخبراء يؤمن بأن هذه الممارسات لها أخطار فادحة على سلامة المرضى؛ لأنها تؤثر على الحكم وردات الفعل، واتخاذ القرار، وفي النهاية تؤدي إلى الأخطاء. والحرمان من النوم إذا كان العمل طويلاً للغاية أو فترات النوم قليلة جداً؛ له تأثير سيئ على الدماغ.

ويؤكد “الدكتور الوهابي” أن هناك دراسات علمية؛ حيث يقول “د.تشارليز سيزلير”- وهو كبير الأطباء ومتخصص في أبحاث النوم في مستشفى بريغهام في بوسطن-: نحن نعرف أنه عندما يكون الأشخاص مستيقظين لمدة 24 ساعة يكون أداء الدماغ الوظيفي السلوكي مضطرباً كما يكون عند الأشخاص المخمورين قانونياً”. كما صدر تقرير لعام 2012 بواسطة الأطباء المقيمين في كندا، وجد أن أكثر من “80%” من الأطباء المقيمين من المشمولين في التقرير، قالوا: إن لإجهاد يخفض ويضعف من مستوى جودة العناية المعطاة للمرضى.

حقوق الإنسان:

من جهة أخرى “البحث المنشور لـ”د.سزيسلير” وجد أن الأطباء المقيمين الذين يعملون مناوبات طويلة متعددة في الشهر؛ وجد أن نسبة “300%” يؤدي الإجهاد الزائد إلى اخطاء طبية أدت إلى موت المرضى، وأن الأطباء الذين يعملون لمناوبات متواصلة لأكثر من 24 ساعة يقومون بـ” 460%” أخطاء تشخيصية كارثية وخطيرة مقارنة بهم عندما يعملون في مناوبات قصيرة”.

وأردف: “العمل لمدة طويلة جداً مخالف لقانون العمل الدولي، ومخالف لحقوق الإنسان أيضاً؛ ومعهد الطب الأمريكي أصدر دراسة عام 2008م، وكانت التوصيات كالتالي: ساعات العمل الأسبوعي كحد أعلى 80 ساعة كمتوسط خلال 4 أسابيع، والحد الأعلى لساعات المناوبة 16 ساعة متواصلة، أو 30 ساعة مقسمة كالتالي: 16 ساعة مناوبة، 5 ساعات متواصلة وقت محدد ومحمي للنوم؛ ما بين 10م والساعة 8 ص الوقت المتبقي لتسليم المرضى والأنشطة التعليمية. والعدد الأقصى المسموح به لتكرار المناوبات: مناوبة كل ثلاثة أيام.

سلامة المرضى:

وحول تأثير تحديد ساعات عمل المناوبات على المرضى في جانب المضاعفات والوفيات؛ يجيب “د.الوهابي”: “أجريت دراسة على أكثر من “300” ألف حالة للمرضى في أمريكا؛ وأظهرت الدراسة أن تخفيض ساعات العمل يقلل من الوفيات بين المرضى، وهناك دراسة أخرى لمجلس الاعتماد للدراسات العليا الأمريكي في عام 2003م قالت: إن تخفيض ساعات العمل يقلل من خطر الوفيات، وكانت عينة الدراسة تحوي مليوناً ومئتي ألف مريض الذين لم يخضعوا لعمليات جراحية”.

ما بخصوص تأثير حرمان النوم على الأطباء؛ يقول: “هناك أبحاث أجريت في أوروبا وأمريكا حول ساعات العمل غير المستندة إلى المعايير والحرمان من النوم؛ أظهرت أن ساعات العمل المتأخرة مسؤولة عن ارتفاع خطر الإصابة باضطراب الجهاز الهضمي وأمراض القلب وسرطان الثدي وإسقاط الحمل والولادات المبكرة”.

حوادث العمل:

وأضاف: “د.خالد النمر، المتخصص في طب وأمراض القلب، نقل عبر حسابه الشخصي في “تويتر” دراسة عالمية تقول: إن العمل أكثر من 40 ساعة أسبوعياً يزيد مخاطر الإصابة بأمراض القلب؛ ووجد أن الحرمان المزمن من النوم وحالات الإجهاد والضغط المرافقة له، والناتجة بسببه؛ يمكن أن تؤثر على إنتاجية العمل، وارتفاع حالات حوادث العمل”.

دراسات:

من جهة أخرى نشرت اللجنة التوجيهية الوطنية لساعات عمل الأطباء المقيمين في كندا عدة دراسات؛ أظهرت أن العمل لمدة طويلة مرتبط بما يسمى “الاحتراق النفسي” أو “الاستنزاف الداخلي”، وبالتالي له تأثير سلبي على جودة حياة الأطباء.

ونشرت اللجنة أيضاً دراسات موثقة حول خطر المناوبات الطويلة على السلامة الشخصية؛ حيث وجد أن الأطباء بعد المناوبات يكونون على خطر أكبر مقارنة بغيرهم للتعرض لحوادث السيارات، وخطر التعرض للإصابة بالأدوات الحادة الطبية “كالإبر مثلاً”. “75%” من الأطباء المشمولين في مسح اللجنة قالوا: إنهم تعرضوا لخطر الإصابة بحوادث السيارات بعد المناوبة “98%” تعرضوا لحوادث سيارات، وتعرضوا لإصابات عمل على مدى 4 أسابيع”. وأما بالنسبة لتأثيراته الاجتماعية فقد أجريت دراسة في أمريكا على الآباء المتزوجين، الذين يعملون في الليل بشكل ثابت؛ أن لديهم 6 مرات احتمال عن الآباء الذين يعملون في النهار لمواجهة الطلاق، وانهيار الأسرة، بينما في النساء يرتفع الرقم 3 مرات”.

الأخطاء الطبية:

“الدكتور خالد الجنيح”، أخصائي تخدير؛ يقول لـ”سبق”: “نظام المستشفيات هنا يختلف من مشفى لمشفى؛ فمثلاً المستشفى الجامعي بالرياض يختلف عن الذي بجدة؛ ويتابع: “الاستشاري يناوب في منزله ولا يستدعي إلا في الحالات الخطيرة جداً، والذي سيواجه الحالة في البداية هو الطبيب المقيم والمناوب الأخصائي؛ والطبيب الاستشاري في معظم المستشفيات يناوب 16 ساعة مقارنة بالطبيب الأخصائي المناوب الذي يناوب 24 ساعة في المستشفى. أما في المشفى الجامعي بجدة فيناوب فقط 16 ساعة”.

ويبين “د.الجنيح” أن عذر المستشفى أن هذا نظام الهيئة السعودية للتخصصات الصحية التى أساساً من وضعها طبيب مثلنا من الاستشاريين، وليس نظاماً من الدولة؛ ويجب أن نعمل أقصى حد “80” ساعة في الأسبوع ضعف عمل الساعات للطبيعية؛ وهذا يسبب إرهاقاً للطبيب المناوب، والحجة لديهم أن المقيم في مشفى الملك خالد الجامعي يحب أن يناوب 24 ساعة؛ كونه تابعاً للهيئة الطبية السعودية؛ وللأسف بينت الدراسات أن 40 ساعة للعمل هي مقدرة الإنسان أما أن تتجاوز 80 ساعة فهذا يولد ضغطاً نفسياً وجسدياً للطبيب الذي ينعكس بشكل مباشر على المريض الذي قد يقع ضحية للتعب والضغط، وللأسف لا يعوض الطبيب إلا أيام إجازة أو حتى مكافئات لتحفيزه عل العمل”. ويضيف: “الحجة الثانية أنهم يطبقون النظام الكندي، رغم أن هناك احتجاجاً عالمياً إن جميع الأطباء أصبحوا مرهقين جراء العمل 80 ساعة في الأسبوع رغم أنهم هناك يتم تعويضهم ويحفزون للعمل، أما هنا فالراتب واحد لا إجازات ولا مكافآت”.

نظام إنساني:

وأردف: “الأخطاء الطبية في هذه الحالة واردة رغم أن الأطباء لا تعترف بها بشكل صريح خوفاً على مستقبلهم المهني، لكن للأسف جراء الإرهاق والتعب قد يقع الطبيب بخطأ غير مقصود نتيجة الإرهاق؛ حيث علمياً بعد أن يتعدى الشخص الـ16 ساعة عمل متواصلة يصبح كالمخمور، ويبدأ كأنه في حالة سكر؛ والمريض لا يقبل أن يتعالج بين يدي طبيب مرهق؛ فعلى سبيل المثال: طبيب التخدير المناوب قد يطلب منه العمل لأكثر من عملية في اليوم الواحد؛ وهذا قد يسبب هاقاً له وخطراً على صحة المرضى”.

ويطالب “الدكتور الجنيح”: “أن يكون النظام إنسانياً، وبحجم الطاقة الإنسانية، وساعات المناوبة تقل ويطبق النظام الأمريكي 16 ساعة، لكن للأسف لأن معظم المتخرجين من كندا يطبقون النظام الكندي؛ يجب أن تراعى الاختصاصات التي ممكن أن تكون فيها خطورة؛ كالتخدير، وأطباء النساء والولادة، والعناية المركزة، عليهم ضغط كبير؛ فعلى سبيل المثال طبيب التخدير يطلب منه العمل في حادث، ثم بعد الانتهاء يكون متواجداً مع طبيب آخر بعملية أخرى، وهكذا. وهذا أمر خطير على صحة المريض. نتمنى أن تكون هناك إعادة نظر في عدد ساعات المناوبة”.