يبدو أن كسر الحواجز والمعوقات والتحديات أصبح سمة يمتاز بها السعوديون في شتى التخصصات والمجالات، وتظهر جلية من خلال اختيار الطبيبة فضيلة العوامي الزمالة الأميركية في علاج الإدمان، لتكون أول طبيبة سعودية وخليجية تتخصص في هذا النوع من المرض.

تقول العوامي: «هم ليسوا جميعاً عدائيين كما يتصورهم كثيرون، وإنما هم مرضى نفسيون في حاجة إلى التعامل معهم كما يتم التعامل مع مريض السكر عندما يرتفع السكر لديه»، بهذه الكلمات بدأت الدكتورة فضيلة العوامي حديثها الخاص إلى «الحياة» في أول يوم لها بعد عودتها من أميركا وحصولها على الزمالة في علاج الإدمان، وتحديداً «الأربعاء» الماضي، لتؤكد أن اختيارها هذا التخصص جاء لندرته، وتضيف «ولكوني أحب أن أساعد هؤلاء المرضى وعلاجهم وتصحيح وتقويم سلوكهم في مجتمعنا».

وعما إذا صادفتها أية معارضة من أسرتها أو المجتمع، تقول: «من النادر أن يتدخل أهلي في أي قرار يتعلق بعملي، ولهذا لم أجد أية معارضة من أهلي أو من رؤسائي في العمل، وإنما وجدت المعارضة من زملائي الذين استغربوا لماذا اتجهت إلى هذا التخصص، وعرضوا علي أن يؤمنوا لي زمالة في أمور أخرى، ولكنني رفضت وأصررت على الزمالة في علاج الإدمان، حتى إن رؤسائي وزملائي عرضوا علي أن أخوض التجربة في العمل قبل التوجه إلى الجامعة، معتقدين أنني ربما أغير رأيي، وبالفعل خضت التجربة مدة شهرين في المستشفى، وأستطيع أن ألخصها في كلمتين؛ أنها كانت تجربة مميزة، وتوقعت أنه طالما أنني الطبيبة الوحيدة التي تدخل مثل هذا التخصص فإنني سأواجه تهجماً من مريض، ولهذا لم أدخل إلا معي ممرضون وممرضات في قسم الإدمان، ولكن وجدت تعاملهم معي تعاملاً محترماً، وبصراحة أعتبر نفسي تمكنت من تحقيق إنجاز، نوعاً ما، في هذه التجربة».

وعما إذا كان هناك أي فارق في التعامل بين الذكور والإناث من مرضى الإدمان، أجابت بقولها: «من المفترض ألّا يكون هناك أي فارق، وعموماً يفترض أن يمتلك الطبيب أو الطبيبة الثقة والقدرة على التعامل مع المريض أو المريضة في شكل مميز، ومع هذا فإنني أود أن أوصل رسالة إلى مجتمعنا؛ بأن الإدمان مرض وليس سلوكاً سيئاً، وأن المدمن في حاجة إلى العلاج، والأمر الآخر أن الإدمان مرض عائلي، وعلاجه ليس مثل ما علاج مريض السكر، فإذا أردنا أن نعالج المدمن وجب أن نحضر العائلة ونتحاور معها ونبحث عن المرض أين بالتحديد؟ ومن الطبيعي أن العائلة تتأثر بالمريض المدمن ويكونوا جميعهم في حاجة إلى علاج نفسي، وهذا ما أريد أن أوصله للجميع».

وتذكر الدكتور فضيلة أنها أنهت فترة دراسة الزمالة في سنة وعادت إلى الوطن صباح يوم الأربعاء الماضي، وأنها ستباشر مهمات عملها من جديد بعد أسبوعين تقريباً، بعد أن تقوم ببعض الترتيبات، منوهة بأنها عائدة إلى عملها في حماسة كبيرة للغاية لبدء المهمة التي هي إنسانية أكثر من كونها مهنة، وأتمنى أن أقدم الشيء المميز في هذا الواجب الوطني، وأن أسهم في إنقاذ عدد من الأشخاص وعدد من الأسر التي تحطمت بسبب هذا المرض، وأن أتمكن من تطبيق ما درسته عن حب على أرض الواقع وأن أبدأ بالجلسات مع المرضى وأسرهم.

واستبعدت الدكتورة فضيلة أن تكون شعرت طوال السنة التي درست فيها للحصول على الزمالة بأية لحظة ندم، وقالت بالفعل لم أشعر في أية لحظة بالندم، بل كنت أزيد إصراراً وحماسة مع كل يوم أقضيه في الدراسة، وسأستمر في عملي في مستشفى الأمل، الذي دعمني وشجعني على هذا الامتياز، ومن جهتي أنصح أية طبيبة من الزميلات بألّا يترددن في أية لحظة في مثل هذا التوجه، وألّا ينظرن إلى أي طرف لا يريد أن يشجعهن على مثل هذا الاختيار.

وعن أول خطة عمل تستعد لها بعد العودة إلى المستشفى، قالت إن أول خطة لي هي ممارسة العمل على أرض الواقع في مستشفى الأمل، وهناك خطط لي للتركيز على العمل الاجتماعي خارج المستشفى لتناول موضوع الإدمان بجدية، وخصوصاً أن هناك من لا يرغب في دخول المستشفى، ولا بد من أن أقوم أنا بالذهاب إليه وأقدم له الوعي، وسأسعى للتغلب على الصعاب مهما واجهتني، من خلال التعاقد مع جهات أهلية مهتمة بهذا الجانب، وأنا واثقة بأن هناك متطوعين ومتطوعات لديهم الرغبة في خدمة المجتمع، من خلال هذه الرسالة، سواء من الجمعيات الأهلية أم المدارس والجامعات، ولدينا في المستشفى جزء مختص بالثقيف الصحي، وبالإمكان التعاون من خلال هذا الجزء.

وتابعت تقول: «وبصراحة فعلاً أشعر بالرغبة الكبيرة في البدء، وأن أكسر كل القيود التي ربما تواجهني، وأن أكون سبباً في توعية عدد من الطبيبات بهذا التخصص، وأنا بالفعل أسعى إلى أن أقنع المجتمع بأن المدمن مريض وليس سيء السلوك، وكل بداية لأي شيء تكون صعبة، وبعدها تصبح أسهل، وعلينا أن نصبر على المريض المدمن كما نصبر على مريض السكر وغيره».

وتساءلت الدكتورة فضيلة إلى متى ينظر مجتمعنا إلى المريض المدمن النظرة الظالمة والقاسية، وقالت: «إنني سأسعى فعلاً إلى تصحيح هذه النظرة بقدر ما أوتيت من قوة، ونحن في مجتمع إذا لم يكن لدى الشخص منا مدمن في بيته فإن لديه صديقاً أو قريباً أو جاراً، ولا يوجد أحد في العالم لا يعرف مدمناً في أقل تقدير، ولا بد من تقديم يد العون لهذا المريض على أنه مريض وليس سيء السمعة، حتى نستطيع أن نساعده في العلاج ونحاول أن نصل به إلى درجة المعافاة».

وسألنا الدكتورة فضيلة العوامي عما يردده كثيرون أن المدمن عادة يكون صاحب أخلاق جيدة، فعلقت بقولها: نعم هذا الأمر صحيح، وهذا ما نسعى إلى تعزيزه؛ بأن هذا الإنسان طيب قبل أن يدمن، وهذا دليل واضح على أن هذا الأمر مرض وليس إجراماً، وهذا ليس تصنعاً على الإطلاق، لأنه لا يمكن أن يخدع الناس في كل الوقت، وهذا لا يمنع أن هناك نسبة إجرام من مدمني المخدرات.

وأوضحت أن الإدمان في حد ذاته هو مرض في حاجة إلى العلاج، ولدي الثقة بدولتنا الكريمة وقيادتها الحكيمة ووزارة الصحة بأن يواصلوا دعمنا من أجل علاج هذا المرض الفتاك، وأشكر كل من دعمني وشجعني لأكون أول طبيبة سعودية وخليجية تأخذ هذا التخصص، وأتمنى أن أكون عاملاً مؤثراً في علاج هذا المرض.