حسين هزازي (جدة) @h_hzazi

علمت «عكاظ» أن طالباً في جامعة جدة قدم أطروحة علمية لنيل درجة الماجستير في تخصص ريادة الأعمال والإبداع تحت عنوان «العوامل الحاسمة للحد من آثار الفساد الإداري في القطاع الصحي الحكومي».
وحصلت «عكاظ» على نسخة من الدراسة ذكر فيها «أن الفساد الإداري سبب رئيسي لعدم توفر أو تدني مستوى الرعاية الصحية المقدمة، حيث تضرر ما نسبته 90% من عينة الدراسة بسبب الفساد الإداري».

وركزت الدراسة التي اعتمدتها لجنة علمية في جامعة جدة، على صور الفساد الإداري المتمثلة في التكليفات الإدارية والانحراف بقرارات السلطة، وتتسم التكليفات الإدارية بتهميش الكفاءات وإقصائهم، وتمكين غير المؤهلين أو ممن تزخر مسيرتهم الوظيفية بتحقيقات الفساد الإداري، وتتأثر القرارات الإدارية بالخلافات الشخصية والإضرار بالصالح العام، وتمرير الفساد الإداري بممارسات أهمها الإجراءات الصورية وتشكيل اللجان.
وتناولت الدراسة بحث أثر الفساد الإداري على موظفي «الصحة» وعلاقته بالفجوة الملاحظة بين الموارد الضخمة المخصصة للوزارة وما يرصد من تغذية راجعة وانطباعات عن الرعاية الصحية المقدمة من المستفيدين أو بعض الأجهزة الرقابية، باعتبار الرعاية الصحية المقدمة من وزارة الصحة محصلة لأداء وإبداع منسوبيها.
وتوصلت الدراسة إلى وجود الفساد الإداري بوزارة الصحة في صور وأنماط متعددة، ووجود علاقة طردية ذات دلالة إحصائية بين مدى تفشي الفساد الإداري وأداء الموظف.. «كلما زاد الفساد الإداري زاد الأثر السلبي على الموظف». ووجود علاقة عكسية ذات دلالة إحصائية بين مدى تفشي الفساد الإداري وتفاعل المستويات الإدارية العليا بـ«الصحة» والأجهزة المعنية بمكافحة الفساد الإداري.. «كلما زادت فعالية المستويات العليا في الوزارة والأجهزة الرقابية قل الفساد الإداري».
صور الفساد الإداري
توصلت الدراسة إلى أنه في الوقت الذي تمثل تعويضات العاملين ما نسبته 51% من إجمالي ميزانية وزارة الصحة، بلغ العام الماضي تعويضات العاملين مبلغ 47.810.365.474.38 ريال من إجمالي الميزانية المنصرف بمبلغ 92.660.385.723.29 ريال لعام 37/‏1438هـ، فإن المعدل الأعلى تكررا لصور الفساد الإداري جاء في جانب قرارات الموارد البشرية وما يصاحبها من امتيازات مادية ومعنوية وفي جانب الالتفاف على الأنظمة والتعليمات والانحراف بالسلطة لمصالح شخصية فيها إضرار بالصالح العام والرعاية الصحية المقدمة.
المحاباة
جاءت المحاباة في التكليف بالمناصب القيادية والإشرافية في المرتبة الأولى بمعدل تكرار بلغ 62%، تليها المحاباة في التوظيف بمعدل تكرار بلغ 61%، ثم المحاباة في الانتداب والتكليف بخارج الدوام والالتفاف على الأنظمة والتعليمات بمعدل تكرار بلغ 52%، ثم إساءة استعمال السلطة بمعدل تكرار بلغ 50%، ثم المحاباة في الترقية والنقل أو التدريب والإيفاد والابتعاث بمعدل تكرار بلغ 49-46%.
وحصلت مصادر دراسة الحالة على نماذج من قرارات التكليف المحفوفة بشبهات الفساد الإداري وانحراف السلطة وعدم اطراد قرارها، من عيناتها تكليف موظف حاصل على درجة الدكتوراه في تخصص إدارة المنشآت الصحية للعمل في المستودع لصرف القرطاسية، وتكليف موظفة حاصلة على درجة الماجستير في إدارة المعلومات الصحية (السجلات الطبية) للعمل خارج تخصصها بقسم المواعيد، وتكليف موظفة حاصلة على درجة البكالوريوس في المحاسبة بقيادة الموارد البشرية، وتوجيه عدد من الموظفين لمنشآت صحية خارج الاحتياج إما لجر منفعة للموظف بتحسين راتبه قبل التعاقد أو للتضييق على الموظف أو العكس، وتناوب عدد 6 موظفين على رئاسة قسم الطوارئ خلال سنتين، وتكليف عدد من الموظفين بمناصب قيادية ممن زخرت مسيرتهم الوظيفية بتحقيقات الفساد الإداري والتسلط الوظيفي.
قرارات مشبوهة
حصلت مصادر الدراسة على نماذج من القرارات الإدارية المشوبة بالانحراف بالسلطة تحت تأثير الخلافات الشخصية وما ترتب عليه من أضرار بالرعاية الصحية المقدمة كتوقف جراحة القلب في أحد المستشفيات، وإغلاق تخصص النساء والولادة في مستشفى آخر مع تهالك البدائل الأخرى، وتوقف جراحة شبكية العين على مستوى المحافظة بسبب نقل الاستشاري الوحيد الموجود تأديبيا من مستشفاه المتوفر فيه الأجهزة إلى مستشفى آخر لا تتوفر فيه الأجهزة اللازمة للعمليات.
وحصلت مصادر الدراسة على نماذج من الالتفاف على الأنظمة والتعليمات باتباع إجراءات صورية لإجازة صرف مبالغ مالية غير نظامية، كصرف مبالغ مالية على الاحتفالات تحت مسمى ورش العمل والبرامج التدريبية.
الأسباب
توصلت نتائج دراسة الحالة إلى أن غالبية صور الفساد الموجودة قد سبق أن شكلت لها لجان تحقيق من داخل «الصحة» وجهات حكومية أخرى، رفعت عنها توصيات وصدر في ضوئها قرارات وتوصيات كانت كفيلة بمعالجتها، إلا أن أهم أسباب استمرار صور الفساد الإداري يرجع إلى: ما تتبناه بعض المستويات الإدارية العليا بالصحة والمنشآت والإدارات الرقابية بها من موقف دفاعي تجاه حالات الفساد المرصودة، وتعطيل تنفيذ التوصيات والقرارات، وانتهاج أسلوب المكاتبات والمراسلات والطعن والتشكيك، ومحاولة تبرير التجاوزات وعدم إحالة المخالفات إلى جهات الاختصاص بما فيها ذات الصبغة الجنائية، أو إجابة الجهات الرقابية بمعلومات مجتزأة أو معلومات غير صحيحة مفادها تصحيح المخالفات ومحاسبة المتسببين، مما يؤدي إلى الدوران في حلقة مفرغة.
إضافة إلى القصور في الدور الإشرافي والرقابي لوزارة الصحة بسبب إضعاف الإدارات المهمة كالإدارات الرقابية (إدارة المتابعة وإدارة المراجعة الداخلية) والموارد البشرية وإسناد المهام الإشرافية والقيادية لغير المؤهلين وغير ذوي الاختصاص أو ممن زخرت مسيرتهم الوظيفية بملاحقات تحقيقات فساد مالي وإداري أو تسلط وظيفي أو إساءة استخدام للنفوذ والسلطة.
الأساليب
وتوصلت نتائج دراسة الحالة إلى أن من أهم الأساليب المتبعة لتمرير صور الفساد الإداري بوزارة الصحة، استخدام النفوذ والتوجيهات الشفوية لتمرير إجراءات صورية لإسباغ الصفة النظامية على بعض صور الفساد وللتنصل من المساءلة أمام الأجهزة الرقابية، تشكيل اللجان التي قد تخالف بعضها بعضا، والتي يتم تغيير أعضائها أو آليات وضوابط عملها وفقا لتوجهات معينة، وتتم الاستفادة من اللجان المشكلة للتنصل من المسؤولية الفردية. المماطلة في التصحيح ومعالجة المخالفات، التباهي أمام المسؤولين ووسائل الإعلام بإنجازات غير صحيحة ورفع مؤشرات أداء غير دقيقة، يضاف إلى ذلك التمسك بإجراءات العمل التقليدية وما يعتريها من ثغرات تسمح بتمرير صور الفساد الإداري.