نسمع عادة ونقرأ، القبض على متسول وبعد البحث والتقصي وجد أنه يملك ملايين الريالات، أو وجد عند فلان «الفقير» شكلاً ومظهراً عمارات وأموال وفيرة بعد موته.

وفي قصة أخرى، يقول أحد العاملين في المجال الخيري: «جددنا منزل إحدى العوائل الفقيرة، وأعدنا فرشه وترتيبه، وصرفنا لهم راتباً جيداً، ومع ذلك فرب العائلة إذا ما أراد شيئاً فإنه يتصل بنغمة واحدة ثم يغلق الجوال لأتصل به من هاتفي».

مما سبق، ومما نعرف من القصص المشابهة، لا بد من التفريق بين الشخص الفقير، والشخص الذي يعيش ثقافة الفقر، فالشخص الذي يتسول على رغم امتلاكه أموالاً كثيرة، أو كبير السن الفقير شكلاً، والذي وجد ورثته العمائر والأموال بعد موته، ورب العائلة الذي يتصل بنغمة واحدة ثم يقفل طالباً من الآخر الاتصال به حتى لا يدفع هللات بسيطة على رغم ما قدمه له الطرف الذي يتصل به من مساعدات وأموال نقلته من طبقة الفقراء إلى متوسطي الحال، كلهم ليسوا فقراء، ولكنهم يعيشون ثقافة الفقر، ويتصرفون بما تمليه هذه الثقافة.

ومصطلح ثقافة الفقر Culture of Poverty، ينسب إلى عالم إنثربولوجيا الأميركي أوسكار لويس Oscar Lewis في دراسته على بعض الأحياء المتخلفة في مدينة مكسيكوسيتي في المكسيك، وعلى بعض أبناء جالية «بورتريكو» المهاجرين للعيش في مدينة نيويورك الأميركية في أواخر خمسينات القرن الماضي.

وبالتأكيد، فارقٌ كبير بين علاج الفقر وعلاج ثقافة الفقر، فالأولى أسهل بكثير، فقط يُعطى الفقير ما يكفيه من أموال ومعونات حتى يخرج من دائرة الفقر، ولكن علاج ثقافة الفقر أمر لا يمكن التعامل معه بسهولة؛ فهو يحتاج إلى زمن طويل، وتغيير نمط حياة الفرد أو الأسرة التي تعيش تلك الثقافة؛ لتنتقل من ثقافة الفقر إلى ثقافة الغنى أو الكفاية على الأقل.

اقتصادياً، تقوم السياسات الموجهة عادة على علاج الفقر، أو الفقر المدقع، وهو انخفاض دخل الشخص اليومي عن مقدار معين من المال (دولار أميركي عادة وفي بعض المؤشرات الحديثة رفع خط الفقر لدولار ونصف الدولار أو دولارين)، ولا تتطرق أبداً هذه السياسات -بحسب علمي- إلى علاج ثقافة الفقر.

وأسهل الطرق المستخدمة لعلاج الفقر حالياً هي ما يسمى بطريقة عد الرؤوس Head – Count Index، وتكون بتعداد الفقراء ونسبتهم للعدد الإجمالي للسكان؛ ليعرف كم تشكل نسبة الفقراء في البلد، ومن ثم توجه الأموال والمعونات المادية لهم، ويعيب هذه الطريقة أنها لا تفرق بين الفقير والأكثر فقراً، ومن ثم هي غير ناجعة في علاج الفقر؛ لأنها تفترض تساوي الجميع في الفقر.

الطريقة الأخرى الأكثر استخداماً، تقوم على توجيه الإعانة والدعم للأكثر فقراً، ثم الأقل فقراً على الترتيب، وهي طريقة قياس فجوة الفقر Poverty Gap Index؛ للحصول على معلومات عن بعد الفقير أو موقعه تحت خط الفقر، ومن ثم إعطاء كل فقير، بحسب موقعه ما يكفي لتجاوز خط الفقر.

كما أن هناك طرقاً أخرى لمعالجة الفقر، ولكنها تقتصر على الفقر المادي القائم على حسابات معدل الدخل، ونسبة الإعالة، ومدى توافر أساسيات الحياة.

على اليد الأخرى، يحتاج علاج ثقافة الفقر إلى النفَس الطويل، فصفات من يعيش هذه الثقافة أنه شخص محبط، قليل التفاؤل، قليل التعليم، ليس لديه الرغبة ولا الحافز لتغيير نمط حياته.

كما أن أبناء تلك الثقافة لا يشاركون في الحياة العامة، ولا يثقون في الآخرين، وتجدهم دائماً يتذمرون من ظلم المجتمع لهم، ويشعرون بالتهميش، وهو ما يجعلهم يفرِّطون في الفرص التي قد تؤدي إلى تغيير مسار حياتهم.

والأخطر -بحسب الدراسات- هو انتقال الثقافة من جيل إلى جيل، ومن الآباء إلى الأولاد، ومن ثم الأحفاد، وهو ما يجعل تلك الثقافة تتأصل في النفوس وليست مجرد ثقافة يمكن تغييرها ونزعها ببعض الجهود والتدخلات.

إن الفئة المذكورة ليس لديها كل تلك الصفات السيئة، وإذا أخذنا في الحسبان الجانب الديني والشرعي الذي يحارب تلك الصفات، ويدعو إلى التفاؤل وحسن الظن فإن ثقافة الفقر لا يمكن ملاحظتها بوضوح في مجتمعنا الخليجي، ولاسيما السعودي، مثلما هي واضحة في المجتمعات الغربية.

ولكن هذا لا ينفى وجود تلك الثقافة، أو بعض أجزائها على الأقل، وهو ما يوجب على الحكومة ومؤسسات المجتمع التعليمية والثقافية والدعوية محاربتها، ومحاولة حصرها في حدها الأدنى.

وخلاصة القول أنه إن كان الفقر يولد الفقر، ويزيد معدل الأمية والبطالة وما يتبعهما من تزايد الجريمة والسرقة والعنف، إلا أنه في كل حالاته أقل أثراً من ثقافة الفقر؛ لأن الفقر يمكن علاجه والقضاء عليه متى توافرت العزيمة والنية الصادقة، ولكن حينما يكون الفقر ثقافة متأصلة فإن العلاج سيكون بالتأكيد أصعب وأكثر ألماً ووقتاً، وهو ما يوجب سرعة علاج الأولى حتى لا تتأصل الثانية .

المصدر: صحيفة الحياة