لو سألتك: ماذا تعرف عن الأمعاء الخاوية؟.. فماذا تقول؟.. إذا كانت إجابتك ستتحدث عن النشطاء والحقوقيين والسياسيين الذين أضربوا عن الطعام حتي يتم إسقاط قانون التظاهر والإفراج عن النشطاء المحبوسين احتياطياً علي ذمة قضايا تظاهر..

فاعلم أنك دليل من لحم ودم علي أننا شعب «بتاع مظاهر» فقط.. لماذا؟.. لأن في مصر ملايين الأمعاء الخاوية علي الدوام ومع ذلك لم يذكرهم أحد.. ولم يدافع عنهم أحد.. ولم يتحدث عنهم أحد.. ولم يمد لهم أحد يد العون حتي الآن.. خلال 10 أيام  كتب الكاتبون 17 مقالاً وتحدث المتحدثون 63 مرة في الفضائيات دفاعاً عن الأمعاء الخاوية فانحصر حديثهم عن المضربين عن الطعام!

و«الأمعاء الخاوية» هو المصطلح الذي أطلقه النشطاء علي حملة شعبية تطالب بإطلاق سراح النشطاء أحمد دومة وأحمد ماهر وسناء سيف الإسلام ومحمد سلطان وغيرهم من المحبوسين علي ذمة قضايا لخرق قانون التظاهر.. وتباري المتبارون في تلك المعركة.. ورفعوا شعارات ضخمة وكبيرة من نوع «الحرية للجدعان» وتضامنت شخصيات عامة مع الحكاية، فأعلن خالد علي المحامي الحقوقي وأحد مرشحي الرئاسة أمام محمد مرسي عام 2012، إضرابه عن الطعام لمدة 72 ساعة تضامناً مع نشطاء الأمعاء الخاوية.. وقبل أن تنتهي ساعات «خالد» أعلنت الإعلامية ريم ماجد أنها ستضرب عن الطعام لمدة 48 ساعة تضامنا مع الأمعاء الخاوية.

وهكذا بدأت سلاسل المتضامين تتوالي في إطار معركة الأمعاء الخاوية التي انطلقت من داخل السجون المصرية، بإعلان الناشط علاء عبدالفتاح الإضراب عن الطعام يوم 18 أغسطس الماضي وبعد 10 أيام لحقت به شقيقته الناشطة سناء عبدالفتاح وغيرهم من النشطاء مثل أحمد دومة ومحمد سلطان، وغيرهم.

وعلي أي مقياس لن يزيد أعداد المضربين من أصحاب الأمعاء الخاوية عن بضع مئات، ومع ذلك سمعت عنهم مصر كلها وسمعت أيضاً أوروبا وأمريكا.. ولكن أحداً لم يرمش له جفن حزن علي الملايين من أصحاب الأمعاء الخاوية مع أنهم بالملايين.. كما أن جوعهم ليس بإرادتهم كالنشطاء.. فضلاً عن أنه جوع سرمدي وليس لساعات سرعان ما تنتهي فيعود أصحابها إلي ولائمهم وأكلاتهم الشرقية والغربية.

وحسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فإن فقراء مصر وجوعاها من كل الفئات العمرية.. فعدد الشباب فى مصر فى الفئة العمرية من 18 إلى 29 عاماً يبلغ نحو 20 مليون نسمة 51.8% منهم  فقراء، وهم موزعون بين 27.7% يعانون من الفقر، و 24.1% يقتربون من خط الفقر، ومعني ذلك أن في مصر 10 ملايين و300 ألف شاب فقير.

أما إجمالي عدد الفقر في مصر فيقدرهم الجهاز المركزي للتعبئة العامة بنسبة  26.3%، أي حوالي 23 مليون مصري.. وقال جهاز المحاسبات: إن ريف الوجه القبلي هو أكثر الأقاليم فقراً، حيث لا يستطيع 49% من سكانه تلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.. وجاءت أسيوط في مقدمة المحافظات الأكثر فقراً في الصعيد، حيث بلغت نسبته نحو 61.9%، فيما كانت قنا الثانية بنسبة 59.6% تليها سوهاج حيث بلغ الفقر فيها 55.8%.

في القاهرة بلغ معدل الفقر 18.2%، والجيزة 32.2%، والقليوبية 22.2%، في حين أن محافظة البحر الأحمر احتلت أقل نسبة في الفقر وبلغ 3.8%.

تقارير دولية

هكذا قال الجهاز المركزي للمحاسبات، أما المنظمات الدولية فتقول أرقاماً أعلي عن الفقراء في مصر.. فالبنك الدولى أشار فى آخر تقاريره إلى أن نسبة الفقر هى (32%) أي حوالي 28 مليون مصري، وأما صندوق النقد الدولي فقال إن نسبة الفقر هى (35%) أي حوالي 30 مليون نسمة.. في حين أكد الخبير الاقتصادي د. بكري عطية عميد كلية تجارة الأزهر سابقاً أن نسبة الفقراء في مصري حالياً تبلغ 40% أي حوالي 34 مليون مصري.

وقال الدكتور بكري عطية لـ «الوفد»: «وصول الفقر في مصر لنسبة 40% يمثل تحدياً كبيراً للحكومة المصرية لأن هذه النسبة مخيفة بكل المقاييس وتعني أن بين كل 5 مصريين يوجد اثنان من الفقراء وهو أمر مرعب ويحتاج إجراءات سريعة وسياسات عاجلة لأن بقاء هذه النسبة أمر لا يمكن قبوله».

وفي ذات الاتجاه أكد الدكتور حمدي عرفة استشاري الإدارة المحلية أن 25 مليون  مصري يسكنون في المقابر أو علي سفوح الجبال ومخرات السيول وشريط السكة الحديد وتحت أسلاك الضغط العالي.. وقال كل هؤلاء تقريباً يعيش الفرد منهم علي مبلغ يقل كثيراً عن دولار يومياً أي أنهم جميعاً يعانون فقراً مدقعاً حسب تصنيف الأمم المتحدة التي تقول إن كل من يعيش يومياً علي أقل من دولار فهو فقير فقراً مدقعاً.

وأضاف: «المؤكد أن كل الـ 25 مليون مصري هؤلاء أمعاؤهم خاوية طوال العام ومع ذلك لم يتحدث عنهم الإعلام ولم تهتم بهم جهات داخلية وخارجية مثلما اهتمت بدعوة الأمعاء الخاوية التي دعا إليها بعض النشطاء السياسيين».

وأضاف: «الدولة أعلنت عام 2005 أنها ستبني 41 قرية جديدة في الظهير الصحراوي لتوفير مساكن آدمية لسكان المقابر وحتي الآن لم تنفذ سوي 41 قرية فقط وهو ما يعكس مدي تجاهل الدولة لآلام الفقراء من سكان القبور».

وواصل: «بعد ثورتي يناير ويونية كان لابد أن ينتهي هذا التجاهل وكان ضرورياً أن تتبني الدولة سياسات تواجه بها الفقر وتمد يد العون للفقراء وتفاءل الكثيرون خاصة بعد أن ضمت الحكومة الأخيرة وزيرة دولة للتطوير الحضاري ولكن المثير للريبة أن الدكتورة ليلي إسكندر وزيرة الدولة للتطوير الحضاري عندما تتحدث عن تطوير العشوائيات في مصر تستند لأرقام وبيانات تعود إلي عام 2004».

ورغم أن الخبير الاقتصادي الدكتور بكري عطية يؤكد أن تزايد أعداد الفقراء يرجع أساساً إلي السياسات التي تبناها الرئيس الأسبق حسني مبارك علي مدي سنوات حكمه التي بلغت 30 عاماً كاملة أنه يؤكد أيضاً أنه لا ينبغي أن نتوقف طويلاً أمام الماضي.. ويقول: «مبارك تجاهل الفقراء ولم يكن يهتم كثيراً بالعدالة الاجتماعية والتكافل وهو ما أدي إلي ظهور طبقة قليلة العدد من كبار الأثرياء  الذين استأثروا بالنصيب الأكبر من ثروات البلاد بينما سقط ملايين المصريين تحت عجلات الفقر والجوع.. وأمام هذا الواقع لا ينبغي أن نتوقف عند لعن الماضي أو استخدامه شماعة نعلق عليها ما يجري الآن بل يجب وضع سياسات لمواجهة هذا الواقع الأليم وما يزيد من صعوبته أن الاقتصاد الوطني نفسه يعاني الهزال والضعف والتردي وهو ما يجعله عاجزاً عن إنقاذ الفقراء بالشكل الذي يرضي عنه هؤلاء الفقراء أنفسهم».

واضاف: «الدولة لا تزال في حاجة إلي مزيد من السياسات المباشرة وغير المباشرة لمواجهة الفقر.. نعم اتخذت الدولة إجراءات ما في هذا الاتجاه ولكن ازدياد أعداد الفقراء وتراكم هذه الأزمة علي مدي عقود طويلة يتطلب اتخاذ إجراءات اكبر وسياسات أوسع لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع ثروات البلاد ولهذا كنت أفضل ألا يتجاوز الحد الأقصي للأجور عن 20 ألف جنيه فقط مع رفع الحد الأدني للأجور إلي 2000 جنيه مع تخصيص بدل بطالة شهري لكل عاطل لا يجد فرصة عمل، ففي بلد أغلب سكانه من الفقراء لا ينبغي أبداً أن يكون الفارق بين الحد الأدني والحد الأقصي للأجور أكثر من 40 ألف جنيه، كما هو الحال الآن».

المصدر : صحيفة الوفد