آثار الفساد
سعود بن هاشم جليدان
تسبب الفساد في توليد المآسي لآلاف الملايين من البشر عبر التاريخ. ويحارب المصلحون وأصحاب الضمائر الحية الفساد للحد من آثاره المدمرة على المجتمعات والدول وخفض مستويات الظلم المتولد عنه. ويلجأ المفسدون إلى شتى الطرق والوسائل للوصول إلى غاياتهم بما في ذلك إثارة الفتن والحروب داخل المجتمعات وبين الدول. وتعتبر الحروب الداخلية والخارجية أسوأ نتائح وآثار الفساد، وقلما حدثت حرب أو نزاع محلي أو خارجي لا يكون للفساد دور فيه. وترتفع معدلات الفساد في أزمنة النزاعات والحروب وصفقات السلاح بسبب تراخي الأنظمة واستخدام مبررات الأمن الوطني والسرية لتغطية ممارسات الفساد. وقد ذكر القرآن الكريم سعي بني إسرائيل للفساد وإيقادهم للحروب والنزاعات وإطفاء الله سبحانه وتعالى لها. وإضافة إلى ذلك يلعب الفساد دورا قوياً في تشويه العلاقات الاقتصادية والإنسانية، ويؤدي انتشاره إلى تعاظم المآسي البشرية وشيوع الظلم وإهدار الكثير من الموارد العامة والخاصة وإساءة استخدامها. ويحاول المفسدون دوماً التقرب للسلطات بكافة أشكالها وإيجاد تحالف بين المال والسلطة ليتمكنوا من تنفيذ مآربهم، حتى لو اضطروا لاستخدام العنف والقوة والترهيب، وحتى لو تتسبب هذا التحالف في إزهاق حياة الكثير من البشر وتدمير البيئة والقيم. وإضافة إلى الحروب والفتن والنزاعات التي يتسبب فيها الفساد هناك الكثير من الآثار الاقتصادية المدمرة التي تنتج عن الفساد والتي يصعب حصر أبرزها في مقالة واحدة، ولهذا سيتم التطرق إلى بعضها في هذه المقالة والبعض الآخر في المقالة القادمة. ومن أبرز آثار الفساد التالي:
1) خفض معدلات النمو الاقتصادي وتباطؤ مسيرة التنمية
يحاول الفاسدون وضع العراقيل في وجه الاستثمار للاستئثار بمجالاته وللحصول على مكاسب غير مشروعة، مما يرفع تكاليف الاستثمار ويخفض مستوياته ويشوه تركيبته. ويتسبب الفساد أيضاً في قصور تغطية الخدمات الحكومية والخاصة وتردي البنية الأساسية ونوعيتها مؤدياً إلى خفض معدلات النمو الاقتصادي.
2) زيادة البطالة
يقود خفض معدلات النمو الاقتصادي الناتج عن الفساد إلى تراجع معدلات نمو التوظيف وازدياد معدلات البطالة. ويؤدي الفساد بصورة مباشرة وغير مباشرة إلى انخفاض إنتاجية العمالة وتراجع الدخول. وينتج عن فساد التوظيف تراجع مستويات المواءمة بين المهارات والوظائف مما يخفض من الإنتاجية ويقلل من معدلات نمو الناتج المحلي.
3) زيادة الفقر وسوء توزيع الدخل
ورفع تكاليف المعيشة
ترفع عمولات ومدفوعات الفساد من تكاليف الأنشطة الاقتصادية والتي تضاف إلى أسعار السلع والخدمات وتدفع معدلات التضخم وتكاليف المعيشة إلى مستويات أعلى. ويؤثر الفساد بدرجة أكبر على الفقراء ويفاقم من معضلات الفقر، حيث يقود عدم استطاعتهم لدفع الرشا وضعف علاقاتهم بالمسؤولين الحكوميين إلى فقدانهم الكثير من حقوقهم، مما يفاقم من معضلات الفقر ويزيد من تباين الدخول بين الشرائح الاجتماعية المختلفة وتنخفض عدالة توزيع الدخل بين هذه الشرائح.
4) التعدي على حقوق الإنسان
يقود انتشار الفساد وقوة المفسدين وتحالفهم مع السلطة إلى استخدام كافة الوسائل للوصول إلى أهدافهم بما في ذلك القتل والتعذيب والتعدي على الأعراض وسجن الأبرياء والفقراء. وتكثر في الدول الفاسدة حالات الظلم والتعدي على حقوق الإنسان. وحتى لو لم تحدث هذه المظالم فإن الفساد بحد ذاته يمثل تحدياً قوياً لحقوق الإنسان من خلال الإضرار بأحوال وحقوق الضعفاء والتي يقوم بها المتجاوزون والمعتدون الفاسدون.
5) تراجع مستويات العدالة الاجتماعية
تتراجع مستويات العدالة الاجتماعية والمساواة بين أفراد الأمة بسبب الفساد، مما قد يولد حنقاً بين المكونات الاجتماعية ويهدد السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي.
6) الحد من المنافسة
تعزز المنافسة في كافة المجالات الاقتصادية من قدرة القطاعات الاقتصادية على التطور ومنافسة العالم الخارجي والحد من ارتفاع الأسعار وتحسين المنتجات ورفع الإنتاجية. ويسعى المفسدون إلى خفض مستويات المنافسة الحرة في الاقتصاد للاستئثار بالمنافع الاقتصادية.
7) تراجع الثقة بالمؤسسات
تعتبر فعالية المؤسسات الحكومية من المتطلبات الأساسية للتنمية والعدالة. وتتطلب فعالية الأنظمة الحكومية ثقة المجتمع بالمؤسسات الحكومية وقدرتها على تنفيذ البرامج الحكومية بأمانة وإخلاص.
المصدر: صحيفة الاقتصادية