أطباء سعوديون على رصيف البطالة..!
أحمد الجهني – جدة
على الرغم من الطفرة الكبيرة في افتتاح الكليات الطبية والصحية إلا أن نسبة توطين الأطباء في القطاع لازالت في مستوى 27-30% على أقصى تقدير فيما تشير هيئة التخصصات الصحية إلى وجود أكثر من 6 آلاف طبيب يبحثون عن عمل، وفي حين يرى البعض أن مشكلة الإحجام عن العمل في القطاع الخاص ترجع بالدرجة الأولى إلى الرواتب، تُحمِّل وزارة الصحة الإطباء المسؤولية الكاملة عن ذلك بدعوى عدم رغبتهم في العمل خارج المناطق التى يقيمون بها، ويتساءل كثيرون عن جدوى التوسع الكبير في افتتاح هذه الكليات طالما لم تدفع باتجاه دعم التوطين في هذا المجال الحيوي في ظل شكاوى من تكدس العيادات، وضعف أداء بعض الأطباء الوافدين، وقد حدا ذلك بالبعض للمطالبة مؤخرًا بالتريث في القبول بالأقسام الطبية طالما ستظل البطالة قائمة بين الخريجين، لاسيما وأن كلفة الدراسة بالتخصصات العملية مرتفعة.
ليموزين واكسسوارات
في البداية تقول د. هنادي عبدالله – طبية أسنان عاطلة – منذ عامين كان التخصص والمؤهل الذي أحمله عقبة في الحصول على وظيفة بعيدًا عن تخصصي فعند التقدم إلى أي جهة للعمل وبمجرد الاطلاع على السيرة الذاتية تتغير الملامح من مسؤولي الجهة التشغيلية بحجة أنها طبيبة فهل تقبل العمل بمحل تجاري «للأكسسوارت» أو الملابس النسائية، لذلك بحثت عن حلول أخرى باستبعاد «وثيقة الطب» وهنا الخبرة عقبة أخرى رغم أنه ليس مقبولاً في داخلي العمل في تخصص غير «الطب» إلا أنه ومع ذلك لم تنجح المحاولات.
أما الدكتور وديع إبراهيم – طبيب عاطل – اختصر قصته بقوله: «وضعت شهادة الطب في أحد الأدراج وعملت «كابتن» في إحدى شركات الأجرة»، وأردف: «مؤلم ومؤسف عندما أتذكر سنوات أهدرت مليئة بالأمل ولكن الانتظار والأمل سيد الموقف.
وقالت د. ريناد الغامدي – طبية أسنان – لم تجد بدًا من الخروج من وحل البطالة بعد سنوات عديدة قضتها تعلمًا وتأهيلاً في مجال طب الأسنان إلا التوجه للقطاع الخاص والذي كنت أظنه يحقق الرغبة والأمنية في مزاولة هذه المهنة الإنسانية والمهمة مع تحقيق الطموح والأمنية كاتساب خبرة وزيادة مهارة ومردود مادي يفي لمتطلبات الحياة.. إلا أن العقبات من الصعب تجاوزها والاشتراطات تنطبق على «السعوديين» فقط، فالعمل يستمر إلى 9 ساعات يوميًا خلال الأسبوع مع إجازة يوم واحد فقط والمرتب المادي 4000 ريال شهري.. كل ذلك سلمنا به ورضينا إلا أن اشتراطًا جديدًا طرأ لضمان الاستمرار وهو ضرورة التسويق للمستشفى الخاص، وذلك بإحضار مرضى ومراجعين وعد ذلك شرطًا للحصول على «المرتب المتدني» من الأساس.. والغريب في الأمر أن هذه الاشتراطات لا تطبق على الجميع، بينما في «القطاع الخاص» يمنح الوافد نسبًا على المراجعين وميزات أخرى متعددة، والمثير للدهشة أننا في ظل عدم مطالبتنا بها نواجه بوضع العراقيل والشروط التعجيزية المحبطة.
زقزوق: تدني رواتب القطاع الخاص وراء الأزمة
يقول دكتور حازم زقزوق – رئيس لجنة المستشفيات بغرفة جدة التجارية والمدير التنفيذي لمجموعة الأندلسية الطبية : إن القطاع الصحي الخاص غير قادرعلى التوطين بسبب المشكلات الهيكلية التي يواجهها والتي تتمثل في تدني أسعار الخدمات التي تفرضها شركات التأمين، والنتيجة تدني المرتبات بينما يطمح الخريجون السعوديون إلى رواتب مجزية مماثلة لما يقدم في القطاع الحكومي وهو أمر مشروع لهم، واستبعد د.زقزوق أن يكون مستوى التأهيل العلمي للخريجين عائقًا أمام توظيفهم، مشيرًا إلى أن هيئة التخصصات الصحية أطلقت برامج ودبلومات تدريبية لأطباء الأسنان لرفع مستوى تأهيلهم مؤخرًا، ولفت إلى أن الأمل معقود حاليًا على مجلس الضمان الصحى والمجلس الصحي السعودي في النظر إلى مشكلات الأسعار وعدالة العلاقة بين أطراف المعادلة لتحقيق معدلات أعلى في التوطين.
لمياء: 90% من أطباء الأسنان وافدون بدون تأهيل مناسب
وضحت د.لمياء البراهيم -استشارية الجودة وسلامة المرضى- أنه في عام 1426هـ عندما بدأ برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث كانت هناك حاجة ماسة لتوطين الوظائف الصحية لتوائم حاجة السكان الذين كان عددهم حينها 23 مليون نسمة ليصل في عام 1438هـ إلى 32.5 مليون نسمة، وواكب ذلك طفرة في زيادة عدد أطباء الأسنان من 4975 إلى 15625 طبيبًا في عام 1438هـ، بمعدل ارتفاع من 2.14 إلى 4.8 طبيب لكل 10000 نسمة.
وما زالت 28 كلية تخرج ما يزيد عن 1300 طبيب سنويًا، وأشارت إلى أنه من ناحية الأرقام يمكن القول بوجود اكتفاء ينعكس على مؤشرات صحة الفم والأسنان، ولكن يبقى السؤال عن سر قوائم الانتظار لعلاج الحالات العادية والمتخصصة، وفي السياق ذاته نجد 90% من عدد الأطباء في عيادات الأسنان الخاصة من الوافدين، وكثير منهم يزاول مهنته بتخصصات دقيقة أو تجميلية بدون تأهيل مناسب.
ولفتت إلى إعلان ترتيبات جديدة لتوطين وظائف طب الأسنان في بداية العام الماضي ولكن التطبيق على أرض الواقع يواجه العديد من الصعوبات منها ضعف الرواتب المعروضة، وفرض عمولة للطبيب على حسب عدد المرضى الذين يعالجهم، وطلب العديد من المراكز الطبية وجود خبرة مع أن الغالبية خريجون جدد، فضلاً عن أن من يتولى مسؤولية اختيار المتقدم على الوظيفة وافدون في الأغلب ستتعارض مصالحهم مع التوطين، وأكدت أن الضغوط التي يعاني منها الطبيب في القطاع الخاص ترجع إلى التركيز على الربحية مقارنة بالجودة والتخصص، وشددت على أن التدخل الحكومي ضرورة لتعديل ظروف التوطين لهذا التخصص ومواجهة التحديات، ومنها تحسين رواتبهم، واشتراط السعودة على مسؤولي التوظيف، وفتح مجال العمل الخاص في الفترة المسائية بعيادات الأسنان الحكومية.
عبير: تكدس في العيادات وبطالة بين الأطباء
أكدت عبير سعيد الوكيل أخصائية موارد بشرية أن المستشفيات الحكومية على وجه الخصوص تستقبل في اليوم آلاف المرضى، وأمام عيادة الطبيب الواحد قد نجد في الانتظار ما يقارب 100 مريض أو أكثر في الفترة الصباحية مشيرة إلى أن ذلك يمثل عائقًا أمام التنظيم والإنجاز وهدرًا لطاقة الطبيب والمريض على حد سواء، مشيرة أنه وفقًا لآخر الإحصائيات فإن عدد الأطباء السعوديين العاطلين عن العمل خلال عام 2018 والمقدر بـ6 آلاف طبيب يطرح سؤالاً عن الوضع بعد سنوات في ظل غياب أي حلول جذرية. وأشارت إلى أن الاهتمام بالكادر الصحي سواء بتوظيفه أو تدريبه من أهم مهام الوزارة ولا تبرير لوجود عاطلين، لأنه لا يوجد طبيب لا يرغب بمزاولة مهنته، مقترحة توفير وظائف تعاقد منتهية بالتثبيت بعد تجاوز الطبيب فترة معينة من الخدمة، وأكدت على ضرورة وجود إحصائية شاملة لجميع المستشفيات التي تعاني من نقص الكادر الطبي، وتكثيف الدورات التدريبية للأطباء حديثي التخرج للوصول إلى التأهيل اللازم وفتح منصة استشارية يعمل بها أطباء عاطلون عن العمل عبر الإنترنت أو تطبيقات الهواتف الذكية.
الصحة: نعاني عجزًا.. والسعوديون يرفضون العمل بعيدًا عن مناطقهم
وقد عزت وزارة الصحة أسباب البطالة بين الأطباء السعوديين لظروفهم الاجتماعية التي تحتم عليهم العمل في مناطقهم، وأضافت في رد على استفسار للـ»المدينة» حول استمرار الأطباء الوافدون بينما يوجد آلاف من الخريجين السعوديين بلا عمل في تخصصات نادرة، أن الحاجة قائمة للأطباء والممارسين الصحيين بشكل عام، ولفتت إلى وجود نقص في كافة التخصصات الطبية باستثناء «طب الأسنان العام» مع الاحتياج إلى التخصصات الدقيقة في التخصص نفسه، ووفقًا للإحصائيات، فإن إجمالي عدد الأطباء بمستشفيات المملكة بلغ 89675 طبيبًا، منهم 23979 سعوديًا، بنسبة 26.7%، موزعين على 274 مستشفى في 20 منطقة إدارية.
هيئة التخصصات:
6 آلاف طبيب يبحثون عن عمل
كشفت دراسة حديثة أجرتها مؤخرًا الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، عن واقع القوى العاملة الصحية خلال 10 سنوات، في الفترة من 2018 إلى 2027، أن عدد الأطباء السعوديين الباحثين عن عمل حاليًا في القطاعين الحكومي والخاص يقدّر بحوالى 6 آلاف، وذلك من واقع بيانات «جدارة» ووزارة العمل، وأبرزت الدراسة أهمية رفع عدد الأطباء السعوديين إلى 51 ألفًا في نهاية مدة الدراسة مقابل 25 ألفًا في الوقت الراهن، متطلعة إلى تراجع أعداد الوافدين من 68 ألفًا حاليًا إلى 34 ألفًا في نفس الفترة.
وأشارت إلى احتضان المملكة 37 كلية للطب البشري، 8 منها خاصة، فيما بلغ عدد الدارسين حوالى 26 ألفًا، بينهم 11 ألفًا من الإناث، ولفتت إلى وجود 8 كليات لم تخرج طلابًا في الطب بعد، وتوقعت الدراسة تخرج 3210 طلاب وطالبات خلال العام الحالي، يرتفع عددهم إلى 4868 خلال 5 أعوام، فيما يبلغ عدد طلبة الطب المتوقع أن تنتهي دراستهم في الخارج خلال 5 سنوات حوالى 2533 طالبًا.
أبرز توصيات مؤتمر «واقع القوى الصحية السعودية العاملة خلال السنوات العشر المقبلة»:
إيقاف افتتاح كليات طب بشري وطب أسنان وصيدلة حتى عام 2030م
قصر الابتعاث الخارجي على الدراسات العليا
تقليص المقبولين داخليًا في تخصصي بكالوريوس طب الأسنان والصيدلة بنسبة 50% حتى عام 2022م
تقنين منح تأشيرات طبيب وصيدلي عام للمنشآت الصحية الخاصة
الاستمرار في إيقاف منح تأشيرة طبيب أسنان عام
زيادة القبول والابتعاث داخليًا وخارجيًا تدريجيًا في شهادات التخصص للدراسات العليا
إضافة التقييم الإكلينيكي كشرط للترخيص المهني في الطب البشري والأسنان والصيدلة والتمريض
منح خريجي التمريض ممن فشلوا في اجتياز اختبار الترخيص المهني درجة فني تمريض
السماح للصيدلانيات السعوديات بالعمل في الصيدليات المجتمعية الملحقة بالمنشآت أوالمجمعات التجارية
دراسة إقرار نظام الدوام المرن والعمل الجزئي بالوظائف الصحية
إقرار بدل طبيعة عمل لجذب التمريض للعمل في أقسام العناية الحرجة والطوارئ