أين «نزاهة»؟
عقل العقل
من يتابع المشهد الإعلامي لدينا يلحظ اختفاء هيئة مكافحة الفساد منه، ويتوقع أن الفساد في أجهزتنا الحكومية وفي مجمل الأنشطة انتهى وولّى إلى غير رجعة، وهذه أمنية كل مواطن في بلادنا، ولكن ما نتابعه في الإعلام أن هناك قضايا فساد ضخمة، وخصوصاً في محاولات بعض المتنفذين لنهب أراضٍ حكومية بملايين الأمتار، في وقت تعاني فيه وزارة الإسكان من شح الأراضي المناسبة لإقامة مشاريعها لحل مشكلة السكن التي يعاني منها قطاع واسع من المواطنين، لا أعرف سبب الصمت الذي يخيّم على عمل ونشاط «نزاهة» في الوقت الحالي، ولكنه باليقين ليس لوجود فساد أو مفسدين.
كلنا يتذكر الحملات التوعوية التي كانت تقوم بها «نزاهة» لنشر ثقافة محاربة الفساد عبر وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، وحتى هذه الخطوة تلاشت من نشاطاتها، إضافة إلى أن الندوات والورش ومشاركات الهيئة التي كانت تقوم بها في الداخل والخارج تقلصت بشكل ملحوظ جداً.
كلنا يتذكر دور الهيئة مثلاً في قضايا الأمطار سابقاً، ومشاركاتها في التصدي لمن تسببوا فيها حتى لو كانت مشاركة معنوية، ولكن الأمطار مستمرة في الهطول على مدننا، والكوارث جراء ذلك منتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رغم ذلك لم نسمع صوتاً ولو خافتاً لـ «نزاهة» جراء هذه الكوارث. وقد يكون منهج عمل «نزاهة» تغيّر وجنح إلى منهج العمل والمراقبة بصمت وخفاء، وحتى موقع «نزاهة» على الشبكة العنكبوتية، والذي كان مثالاً للشفافية ويحوي كل المقالات والمواد الإعلامية التي لها علاقة بالفساد أو تنتقد «نزاهة»، لم تعد موجودة على الموقع بذلك الزخم. وعسى أن يكون المانع خيراً.
أتذكر أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد كانت ناشطةً ومهتمةً بقضايا المشاريع الحكومية المتعثرة، وصوتها مرتفع في هذا الملف، ولكننا الآن لا نسمع لها حتى لو همساً تجاه هذا الموضوع، ومن يتفكر في هذا الموقف يعتقد ويصل إلى قناعة بأن المشاريع المتعثرة زالت من الوجود، ولكن يبدو أن «نزاهة» غيّرت من أولوياتها والتي لا نعرف عنها الكثير.
لا يوجد شك لديّ في أن توجهات القيادة العليا لم تغيّر استراتيجيتها في مكافحة الفساد، ونحن نقرأ من هرم السلطة لدينا توجيهات لـ «نزاهة» كلها دعم لها ولدورها في عملها، ولا نريد «نزاهة» فقط أن تحتفل بالتقارير الدولية للشفافية عن تقدم مركز المملكة في مكافحة الفساد، على رغم أهمية ذلك، ولكننا نود معرفة جهود الهيئة في ذلك، وأن تكون رسالتها وأعمالها حاضرة لدى الرأي العام المحلي.
وإذ إن بلادنا تعيش مرحلة تحوّل وطني، وخصوصاً في الموضوع الاقتصادي، وهذا مسار إيجابي، وتفتح أسواقها للشركات العالمية للاستثمار في وطننا، إضافة إلى مشروع التحوّل للاقتصاد الوطني غير المعتمد على النفط، يأتي دور مكافحة الفساد في هذا المشروع كأهم مفاتيح نجاحه، كما حدث في دول آسيوية عدة، وهذا يحمّل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد دوراً محورياً في هذا المشروع، والذي نتمنى أن تكون قادرة على القيام به.