«استغلال الطفولة» .. خطر يطرق الأبواب
هيفاء صفوق
الأطفال نعمة كبيرة من الله، معهم يستشعر الإنسان إنسانيته ويتبادل معهم علاقة مليئة بالحنان والعاطفة والدفء، كما يشعر الطفل بتدفق هذه العاطفة الغريزية، الوالدان يشعران أيضاً بتلك العاطفة الفطرية التي يتعلمان من خلالها تحمل المسؤولية الكاملة منذ الساعة الأولى. هذه المسؤولية أمانة يقوم بها الوالدان في توفير الرعاية الجسدية والصحية والنفسية وتوفير الشعور بالأمان والاحتواء أي الاستقرار النفسي والمعنوي للطفل.
السنوات الأولى للطفل (منذ يومه الأول إلى السنة الخامسة) مهمة، بحيث تتشكل بوادر شخصيته الأساسية وتؤثر على حياته كلها المستقبلية، وهذا ما يغيب عن بعضنا عن خطورة وحساسية هذه السنوات. الطفولة المشبعة بالحنان والأمان ستكون جيدة في المستقبل ومنتجة وواعية، والطفولة التي تفتقد الحب والعاطفة ستكون مضطربة تعاني إلى حد ما في الكبر، والطفولة المتعرضة للعنف سواء أكان لفظياً أم جسدياً ستكون عدوانية بلا شك وسلبية في المجتمع.
يغيب عن بعضنا أن المسؤولية تبدأ في التعلّم في كيفية التعامل مع هذه الطفولة، والوعي الجيد في كيفية توفير الرعاية المعنوية من الاهتمام والاحترام والتقدير لهذه الطفولة، فليست فقط تحتاج إلى المأكل والمشرب، بل هناك جذور للتربية السليمة التي تعتبر قواعد أساسية في شخصية الفرد، إن صحّت حياته كلها فيما بعد.
للأسف في الفترة الأخيرة شاهدنا تدفق الصور والمقاطع التي تخص الأطفال وتوضح خطورة عصر اليوم في سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتوضح مدى سوء تعامل الوالدين مع أطفالهم، فكم من مشاهد ومقاطع توضح تصرفات الآباء والأمهات في استغلال صور أبنائهم بصورة سيئة، فعلى سبيل المثال تجد أباً يتلفظ على ابنه بكلام سيئ، على رغم أن عمره لا يتجاوز السنة أو السنتين، والقصد من ذلك إضحاك المشاهدين عندما يرون الابن يبكي والأب هنا يضحك، ويبدأ بنشر هذا المقطع في وسائل التواصل الاجتماعي كمقطع مضحك وساخر، والخطورة هنا مضاعفة.
أولاً: لأنه يعرض ابنه لازدواجية في التربية والتهجم على هذه الطفولة من دون سبب واضح للطفل، فيصنع في نفسه الخوف والرهبة والارتباك الداخلي الذي يحفظ في اللا وعي للطفل، ربما ينسى الموقف، لكن ما يخفى على الوالدين هو خطورة تخزين هذه المشاعر في عقل الطفل الذي لن ينساها ولن تمسح من ذاكرته، بل سيتشكل في ما بعد الخوف من أي شيء أو الرهاب من كل شيء، أي يصنع لنا شخصية مهزوزة لن تقوم بدورها المطلوب في الحياة كشخصية متزنة.
ثانياً: يدل هذا المقطع على ضحالة الفكر التربوي وقبله الإنساني، أي أن كل من يمارس هذا الأسلوب التعسفي على الطفل أو التعامل العنيف معه وكأنه شيء عادي يوضح لنا مدى الجهل المركب في التعامل مع الطفل، وما خفي أسوأ من ذلك! إذا كان في العلن يقوم بذلك فكيف خلف الستارة، ماذا نتوقع؟
نعاني في مجتمعنا حالات من الرهاب الاجتماعي بكثرة، كما نعاني حالات الخوف أكثر، وعند الرجوع للأسباب الحقيقية يتبين أنها بسبب سوء تعامل الوالدين مع الطفل وهو صغير، فإما أن تجد أنه قد تعرض للتوبيخ والاحتقار والاستهزاء وكأنها أدوات للتهذيب والتربية، وهذا فعل خاطئ، كل نتائجه تتضح معالمها الآن، ويعانون أصحابها من كل الاضطرابات النفسية والسلوكية وعدم الشعور بالثقة، التي جعلت بعضهم يتحاشى الناس ويفضل العزلة والانطواء، أو يتمرد بصورة عدوانية للغاية. ما نشاهده اليوم من تعرض الطفولة لاستغلال بقصد الشهرة يسيء للطفل كثيراً ويستغل براءته وخصوصيته، سواء أكان بأسلوب العرض العنيف كالتلفظ عليه وبكائه أمام الناس، أم عرض هذه الطفولة بصورة غير لائقة لعمرها، وهذا ينبئ بجيل غير واعٍ ولا يعرف من الدنيا غير المظهر والصورة والشكل. بدورها، جرّمت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ظاهرة تصوير الأطفال على وسائل التواصل الاجتماعي واستغلالهم بغرض الشهرة، وتوعّدت بفرض عقوبات واتخاذ الإجراءات الصارمة في حق كل من لم يحافظ على هذه الأمانة أو يتحمل هذه المسؤولية على أكمل وجه.