التنمية وحقوق الطفل: المشاركة تعني الحماية
عبدالحسين شعبان
في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1989 تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل بعد سلسلة من القرارات والإعلانات السابقة، ودخلت هذه الاتفاقية حيّز التنفيذ في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) 1990، وأصبحت جزءًا من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ولا سيما فيما يتعلق بحقوق الطفل.
ولعل هذه الاتفاقية هي الأولى من نوعها التي تحدد حقوق الطفل باعتبارها قواعد ملزمة في القانون الدولي، خصوصاً إذا ما صادقت الدول عليها، وهي قواعد آمرة، أي Jus Cogens واجبة الأداء.
وأهم ما في هذه الاتفاقية هو تأكيد حقوق الطفل دون أي تمييز لأسباب تتعلق بالدين أو العرق أو اللون أو الجنس أو السلالة أو اللغة أو الأصل الاجتماعي أو الرأي السياسي أو الملكية أو الإعاقة أو الولادة أو غيرها.
وتتكون الاتفاقية من 54 مادة، حيث أكدت ديباجتها على المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة والقواعد العامة لمواثيق ولوائح حقوق الإنسان الدولية، وهو ما نطلق عليه “الشرعية الدولية”، كما تربط تحقيق ذلك بالتعاون الدولي لتأمين تلك الحقوق وتحسينها، وخصوصاً في البلدان النامية.
وسارت الاتفاقية في تحديد حقوق الطفل طبقاً للعهدين الدوليين حين تناولت الحقوق السياسية والمدنية (العهد السياسي الأول) والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (العهد الدولي الثاني)، كما شملت التدابير الواجب تطبيقها لإقرار هذه الحقوق. وتناولت الاتفاقية أساليب تطبيقها ونشر مبادئها ومراقبة ذلك وآلية كتابة التقارير للجنة الدولية التابعة للأمم المتحدة الخاصة بحقوق الطفل، كما شملت التوقيع على الاتفاقية والتعريف عليها والتعديلات وغير ذلك من المسائل الإجرائية.
ويمكن من خلال قراءة الاتفاقية استبيان أهم المجالات التي شملتها الحقوق المذكورة التي تتلخص في الحق في الحياة والعيش بسلام والحق في التنمية والحق في الحماية والحق في المشاركة، وذلك بجعل مصلحة الطفل في المقدمة وإعطائه الأسبقية في كل قرار يتعلق به.
وإذا كان الحق في المشاركة جزءا من الحق في الحماية، فهذه الأخيرة تتطلب الحق في الحياة أولاً من خلال تأمين الحق في الغذاء والرعاية الصحية والسكن، مثلما تشمل الحق في التنمية الذي يعني حق الطفل في تنمية قدراته الجسدية والعقلية والنفسية والروحية، وذلك كجزء متوافق مع إعلان الحق في التنمية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1986، وهذا يشمل أيضاً الحق في التعليم والحصول على المعلومات والحق في الترفيه وحرية الفكر والعقيدة.
وإذا كان حق المشاركة يعني: الحق في إبداء الرأي، وحق الأطفال في المشاركة في القضايا التي تخصهم وتخصّ مجتمعاتهم في حدود قدراتهم وإمكاناتهم ومستوى نضجهم العقلي، فإن هذا الحق سيعني أولاً وقبل كل شيء الحق في الحماية من جميع أشكال الانتهاكات والاستغلال بجميع أنواعه، تلك التي يتعرض لها الطفل تحت مبررات ومزاعم مختلفة، اجتماعية وقانونية وكوابح تتعلق بالتشكيك بحقوق الطفل وبقدرته في أن يكون مستقلاً وأن يبدي رأياً أو يشارك في اتخاذ القرار الذي يخصّه.
لقد شهد عالمنا المعاصر، ولا سيما منذ نحو ربع قرن تقريباً تطوراً في حقوق الطفل، سواءً على الصعيد الحكومي أو على الصعيد غير الحكومي، المدني، وعلى صعيد دولي بما فيه مؤسسات الأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة والدول المانحة والمنظمات الدولية، إضافة إلى منظمات وهيئات محلية وإقليمية، وذلك على نحو مستقل خاص بحقوق الطفل أو على نحو يتسم بحقوق الإنسان بشكل عام.
وإذا كانت تقارير التنمية البشرية بما فيها التنمية العربية تعد البشر الثروة الحقيقية، فإن المهمة الأساسية للتنمية ستكون وستتقرر وفقاً لمتطلبات البشر أنفسهم، لخلق بيئة مواتية، لتوسيع خياراتهم الإنسانية، الصحية والتعليمية والعيش الكريم، ولا سيما في ظل الحرية وضمان احترام الحقوق، وتلكم أمور تتعلق بالكرامة الإنسانية بشكل عام، ولعلها كانت الأسباب الحقيقية التي قادت إلى حركة احتجاجات وانتفاضات واسعة في العالم العربي، وإلى تغييرات جوهرية تنتظر الاستكمال بالبناء والتطلّع للمستقبل، ولا سيما في تونس ومصر.
وبشكل عام حقوق الطفل هي حقوق غير قابلة للتجزئة أو الانتقاء، بل هي حقوق موحدة ومترابطة وعامة، وهي في الوقت نفسه حقوق كونية تستند إلى معايير دولية، الأمر الذي يتطلب رفع وعي الأطفال أنفسهم والجهات المحيطة بهم والمقتنعة بدورهم بما فيهما الأسر والعائلات والجماعات السياسية والمجتمع المدني وصنّاع القرار لإشراكهم في اتخاذ القرار من جهة، ولوضع حقوقهم في صميم مستلزمات وبرامج وتنمية الإنسانية.
ولعل هذه المعطيات تجعل من الضرورة بمكان البحث في كل بلد وعلى المستوى العربي، تحليل واقع الطفل والطفولة وتجد لها الأولويات والاستراتيجيات الخاصة بهم، ولا سيما الخيارات الأساسية والوسائل المناسبة لتحقيقها، والمهم في ذلك هو تحقيق مبدأ الحق في مشاركة الأطفال مشاركة فعليّة وليست شكلية، وكيف سيشاركون في التنفيذ أيضاً، ولا سيما بما يتناسب مع درجة وعيهم ومستوى نضجهم وأعمارهم.
ولعل مناسبة هذا الحديث هي مناقشة المجلس العربي للطفولة والتنمية خطته الاستراتيجية للأعوام 2011 ـــ 2014 بحضور الأمير طلال بن عبد العزيز رئيس المجلس، وحضور خبراء عرب ودوليين، حيث جرى التركيز على تنمية المعرفة ومناهضة العنف ونشر الثقافة الحقوقية والوعي القانوني للطفل والطفولة وحماية ودمج حقوق الطفل في عملية التنمية. وحماية الأطفال المهمّشين وأطفال الشوارع وبناء الشراكات من أجل ذلك، خصوصاً أن ذلك يتطلّب الاستناد إلى مرتكزات أربعة أساسية هي:
المرتكز الأول، الاندماج والمساهمة في عملية التنمية. المرتكز الثاني، توفير الحماية للطفولة. والمرتكز الثالث، تحقيق مبادئ المشاركة. أما المرتكز الرابع فيقوم على دمج الفئات المهمّشة وذوي الاحتياجات الخاصة، ولا سيما من الأطفال في عملية التنمية.
ولعل الأمر يتطلب تشريعات جديدة وتكييف القوانين القائمة والاهتمام بالقطاع التربوي والتعليمي، ولا سيما المناهج التعليمية، بما له علاقة بالأستاذ والطالب والبيئة التربوية، وكذلك الاهتمام بدور المجتمع المدني الذي يمكنه الإسهام في عملية رفع الوعي وتعزيز ثقافة الطفل وحقوقه، إضافة إلى المعنيين بالطفولة لدى الفئات المختلفة، سواءً في إطار السياسيين والنخب الحاكمة وغير الحاكمة، أو لدى البرلمانيين والقضاة وسلك القانون، كما أن الإعلام يمكنه أن يلعب دوراً إيجابياً في تغطية الخطة الاستراتيجية بكل مفاصلها وحلقاتها.
ولعل لكل خطة فلسفة، وهذه الفلسفة تقوم على مرجعيات فكرية، وإذا ما كانت هذه المرجعيات شمولية وتنسجم مع المعايير والقوانين الدولية وتستجيب لطموحات شعوب وبلدان المنطقة وترتقي بقضية الطفل والطفولة إلى المستوى الذي يستحقه، فإنها ستكون قد نجحت في تلبية جزء ولو يسير من متطلبات التقدم والتنمية وقبول حق الاختلاف والإقرار بالتعددية والتنوّع.
إن تنمية الطفولة والاعتناء بالطفل هو مفتاح الدخول للتنمية البشرية، ولا سيما أن مشاركة الأطفال هي جزء لا يتجزأ من توفير الحماية لهم، ولعل هذا الهدف هو أحد أهداف تأسيس المجلس العربي للطفولة والتنمية في عام 1987 بناءً على توصية من مؤتمر الطفولة والتنمية المنعقد في تونس عام 1986 برعاية جامعة الدول العربية، وهو منظمة غير حكومية لها شخصية قانونية اعتبارية، كما أنه عضو استشاري في عديد من المنظمات الدولية.
المصدر:صحيفة الاقتصادية