الفساد وآثاره الاقتصادية
د. فهد بن جمعة
تسعى حكومة خادم الحرمين الشريفين إلى محاصرة الفساد على جميع مستوياته الهرمية من أجل تحسين الأداء الحكومي ورفع كفاءة الإنفاق وتحقيق أهداف رؤية 2030، بما يخدم الاقتصاد والمجتمع ويوفر أفضل الخدمات. فانتشار الفساد له تأثير كبير على الأداء الحكومي والاقتصاد، إهدار المال العام، تباطؤ التنمية الشاملة. وقد ينتج عنه أزمات اقتصادية على المدى الطويل، كما حدث في كثير من بلدان العالم خاصة النامية والناشئة منها، مما يهدد أمن واستقرار الاقتصاد ومستقبل لأجيال الحالية والقادمة.
إن الفساد هو شكل من أشكال الأنشطة الإجرامية التي يضطلع بها الشخص أو الجهاز المكلف للحصول على مكاسب خاصة من رشوة واختلاس وذلك بإساءة استخدام السلطة وخيانة الأمانة ضد المصلحة العامة. هكذا يؤثر الفساد على الاقتصاد والمجتمع بأسره نتيجة للتخصيص غير الفعال للموارد، وظهور اقتصاد الظل (التستر وأنشطة غير شرعية)، وانخفاض جودة التعليم والرعاية الصحية، مما يجعل الاقتصاد والمجتمع في أسوأ حال مع تدني مستويات المعيشة وارتفاع مؤشر أسعار المستهلك وتدني جودة السلع والخدمات نتيجة منح العقود وانتشار احتكارات القلة في الاقتصاد.
وهذا ما أكدته العديد من الأبحاث التجريبية بأن الفساد يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي المرتبط بتدني حصة استثمارات القطاع الخاص من خلال زيادة حجم الاستثمارات العامة على حساب الاستثمارات الخاصة والذي يقلل من فعالية الاستثمارات العامة وتدهور البنية التحتية للبلد، ويحد من جذب الاستثمارات الأجنبية نتيجة الإجراءات البيروقراطية وعدم الشفافية. كما أنه يقلل من فرص العمل وتوظيف الأشخاص الأقل مناسبة وتأهيلاً، ومن الإيرادات الضريبية بما يمس بقدرة إدارة الدولة على جباية الضرائب والرسوم ودعم برامج المساعدة المالية المختلفة ويفاقهم من العجز المالي للبلاد. كما أن المجتمع يتأثر بدرجة عالية بالفساد من حيث فقدانه الثقة بالقانون وسيادته، والتعليم، وبالتالي نوعية الحياة من الأصول إلى الهياكل الأساسية والرعاية الصحية (تانزي والداوودي 1997م، سمارزينسكا ووي 2000م، ستيفان سوماه 2018م).
إن الحد من الفساد يتطلب توحيد الجهود وتنفيذ استراتيجية مكافحة الفساد بكل حسم في إطار الإصلاحات الأخيرة والتي منها تحويل الرقابة إلى محاسبة وتعيين رئيس جديد لهيئة مكافحة الفساد، مما يؤكد أن الدولة عازمة وحاسمة في تطبيق مبادئ الحوكمة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية. كما أن استخدام قوة التكنولوجيا لبناء التبادلات الدينامية والمستمرة بين أصحاب المصلحة الرئيسيين: الحكومة، المواطن، قطاع الأعمال، الإعلام، الأوساط الأكاديمية تعد خطوة متقدمة لكشف الفساد ومكافحته. وعلينا أن نتذكر أن استمرار تحسين كيفية تقديم الحكومة للخدمات والاستثمار في رأس المال البشري من أهم العوامل التي تقلص مستوى الفساد.