تعليم ذوي الإعاقة
حسين الحكمي
حدثني صديقي الصيدلاني محمد أبوطالب عن مدرسة “لانكستاريان” في مدينة “مانشستر” الإنجليزية، التي يدرس بها ابنه عبداللطيف، وكيف أن اهتمامهم وحرصهم الكبير قد لفتا انتباهه؛ فقد كانوا على اتصال به متابعين حالته ونظام تعليمه عندما كان ابنه في إجازة في السعودية برفقة والده وأسرته خلال فترة رحلته العلمية قبل أعوام، وكانوا يسألونه إن كان سيعود أم لا؟ وعندما أخبرهم بأنه سيعود فرحوا كثيراً، وبدؤوا الاستعدادات لاستقباله. لقد أخبروا صديقي بأنهم طلبوا زيادة عدد المدرسين؛ كي يكون هناك فرصة لاستقباله؛ إذ إنهم كانوا قد أدرجوا من كان في قائمة الانتظار عند مغادرة عبداللطيف المدرسة.
كلام صديقي محمد عن المدرسة شدني لدرجة أنه عرض علي أن نزور المدرسة سوياً.
في زيارة رسمية للمدرسة قابلنا المدير الذي قدم لنا نبذة عن المدرسة وتاريخها، الذي بدأ منذ أكثر من 100 عام، وكيف أن الرعاية الخاصة بالطلبة الملتحقين بها تُقدَّم على يد متخصصين تربويين ونفسيين واجتماعيين وطبيين.. وكل من يعمل في المدرسة يجب أن يكونوا قد حصلوا على المستوى المطلوب من التدريب للتعامل مع الطلبة، ويتم تدريب العاملين كل ثلاث سنوات؛ لتكون معلوماتهم حديثة، ويكونوا مهيئين ومدربين بشكل صحيح.
يتبع للمدرسة مركز صحي متخصص في علاج ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أن عدد العاملين في المدرسة يتواءم مع عدد الطلبة.
في المدرسة 95 طالباً، يقابلهم تسعة مدرسين، ويعاون كل مدرس اثنان من المساعدين.
أول خطوة للتعليم الخاص في السعودية قادتها المعاهد العلمية في عام 1371هـ/ 1951م، عندما سمحت للمكفوفين بالالتحاق بالمعاهد، وقد خصصت لهم فصولاً خاصة بهم، أطلقت عليها (التعليم الخاص)، وكان تعليمهم مقصوراً على مواد التربية الإسلامية واللغة العربية وبعض المواد النظرية الأخرى، واستثنوا من الدراسة بعض المواد كالجغرافيا والرياضيات.
وبدأت بعد ذلك عدد من الكليات في فتح فصول للمكفوفين، ككلية الشريعة بمكة المكرمة والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ودار التوحيد بالطائف.
من ثمرات هذه الكليات أن شجعت ودعمت تعلم لغة برايل؛ فكان أن بدأ كل من محمد بن سعيد بن حسين ومحمد بن عبدالرحمن المفدى وعلي السويد وعبدالله الغانم في تعلم هذه اللغة في عام 1373هـ (1953م).
هذه الجهود جعلت وزارة التربية والتعليم (وزارة المعارف سابقاً) تتفاعل معهم، وتسمح لهؤلاء الأشخاص بتعليم لغة برايل في صفوف مسائية في مدرسة جبرة الابتدائية في عام 1378هـ (1958م). وفي نهاية ذلك العام تم إصدار أمر ملكي بمنح مقر دائم للمدرسة في حي الظهيرة في الرياض، بعد أن زار الملك سعود بن عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ المدرسة، وأُعجب بدورها.
لم تقتنع وزارة المعارف بمنفعة هذه المدارس إلا بعد عامين، حينها قررت افتتاح ما أطلق عليه معهد النور في الرياض، ورصدت له ميزانية، وافتُتح رسمياً في ذلك العام، وكان عدد المسجلين به نحو 110 طلاب.
استمر الاهتمام والرعاية بذوي الاحتياجات الخاصة من قِبل وزارة المعارف؛ إذ أصبحت تشمل تعليم المكفوفين، وتعليم الصم، والتربية الفكرية، وتم تغيير اسم إدارة التعليم الخاص إلى المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص في عام 1392هـ.
بدأ العمل منذ سنوات عدة على دمج عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم العام، وعدم قصرهم على مدارس خاصة بهم؛ إذ أثبتت الدراسات أن من الأفضل لذوي الاحتياجات الخاصة أن يدرسوا في التعليم العام، بشرط توفير بيئة ملائمة لهم، وتوفير أساتذة متخصصين في التعامل معهم، بحسب اختلاف احتياجاتهم.
وبالرغم من أن تاريخ بداية الاهتمام بتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة بدأ منذ فترة ليست بالقصيرة إلا أن الملاحظ أن هناك مناطق كثيرة في السعودية لا تزال تعاني عدم وجود مدارس أو معاهد متخصصة لتعليمهم. فعدا المدن الرئيسية، فإن كثيراً من الأسر تعاني عدم وجود مدارس لأطفالها، وإن وُجدت في منطقة ما فإنها تكون إما قليلة؛ فيصعب على بعض الأسر نقل أطفالهم لها لبعد المسافة، أو غير مهيَّأة التهيئة المناسبة والكاملة.
المصدر : صحيفة سبق