أبها – سارة القحطاني

حقوقيون: تنوير العقول رهن بإسقاط شرط موافقة الولي على تعليم الفتاة.
الصقر: فصول إلكترونية متنقلة لتعليم الأميات في الهجر.
حسنين: حرمان أي فرد من التعليم الأساسي يضر المجتمع.
زين العابدين: زواج الصغيرات رفع نسبة الأمية بين النساء.
الهزاع: لو علمت المرأة بحقوقها لما رضيت بحرمانها من التعليم.
عاشور: حرمان الفتاة من التعليم جريمة تربوية خطيرة.

طالب عدد من المعنيين بالشأن العام بفرض إلزامية التعليم حتى المرحلة الثانوية، لمواجهة ظاهرة الأمية التي تنتشر في الأوساط النسائية، خاصة في المناطق النائية، حيث تفرض الظروف جملة من المتاعب على الراغبين في التعليم، تتضافر مع عادات وموروثات شعبية تعرقل طموح المرأة في التعليم. وناشدوا عبر «الشرق» وزارة التربية والتعليم بتوفير وسائل نقل جيدة في القرى والهجر التي لا توجد بها مدارس، مع التوسع في تشغيل فصول محو الأمية وتزويدها بالكادر التعليمي المناسب للقضاء على الأمية التي تهدد المجتمع بالتأخر، وتقاوم التغيير المنشود من برامج التنمية.

وكانت إحصائية حديثة لمصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، حصلت عليها «الشرق»، كشفت عن أن نسبة الأمية بين السكان السعوديين، البالغين 15 سنة فأكثر، بلغت وفقاً للمسح الأسري لعام 1434 هـ ــ 2013م نحو 6.81%، في حين أبانت وزارة التربية والتعليم أن نسبة الأمية بين النساء في المجتمع السعودي بلغت 14.9% خلال 1432هـ. ويعزو البعض وجود الأمية في بلد متطور كالمملكة إلى جهل بعض الأسر بأهمية التعليم فضلاً عن تأثير ثقافة «العيب» لدى بعض الآباء والأولياء، فيما يتهم آخرون «التربية والتعليم» بأنها ساهمت في بقاء ظاهرة الأمية في المملكة لعدم استحداث مدارس في القرى والهجر النائية.
وتكاد لا تخلو منطقة من مناطق المملكة من قرى تفتقر لمدارس ابتدائية، فيما اكتفت بعض القرى باقتصار تعليم المرأة على المرحلة الابتدائية لعدم وجود مدارس متوسطة وثانوية في تلك المناطق.
قوافل النور

أوضحت مديرة عام الإدارة العامة لتعليم الكبيرات فوزية بنت عبدالله الصقر أن الوزارة تسعى حثيثاً لمحو الأمية في جميع مناطق المملكة، مبينة أن القرى النائية التي لا تتوفر بها مدارس، توجّه لها حملات صيفية ضمن برنامج «مجتمع بلا أمية». وقالت الصقر إن هناك مشاريع وخططا متطورة لمحو الأمية من أبرزها برنامج «قوافل النور» الذي ستشرع الوزارة قريباً في تنفيذه، والموجّه لمحو أمية النساء في القرى النائية، مبينة أنه يعتمد على التقنية الحديثة حيث ستقام فصول إلكترونية متكاملة مزودة بالكوادر المؤهلة تتنقل بين القرى والهجر النائية في تجربة رائدة لتقديم الخدمات التعليمية والوصول إلى الأميات في أماكن وجودهن.
وبينت الصقر أن هناك برامج لمحو الأمية في البادية والهجر التي لا توجد فيها مدارس، يتم تنفيذها خلال فترة الصيف، تشتمل على حملات للتوعية ومحو الأمية تستغرق شهرين وتدرس فيها مناهج خاصة تركز على تعليم القراءة والكتابة والعلوم الدينية الأساسية، بالإضافة إلى التوعية الصحية والاجتماعية، كما تهدف إلى تزويد الدارسات بالمعلومات والمهارات والاتجاهات التي تمكنهن من تطوير أنفسهن وأسرهن للمشاركة في النهوض بمجتمعهن والقيام بواجبات المواطنة.
حق التعليم

وتساءلت عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين، إذا كان التعليم فريضة على كل مسلم فلماذا يشترط موافقة ولي الأمر في التعليم؟ وقالت إن القضاء على الأمية والحفاظ على حقوق المرأة في التعليم، رهن بإلغاء شرط موافقة ولي الأمر مع الحرص على إلزامية التعليم. وتساءلت عن حال من يتزوجن في سن صغيرة ويرفض زوجها أن تكمل تعليمها، مؤكدة أن ذلك مما يزيد من معدلات الأمية في المجتمع. وقالت نحن كحقوقيات ومثقفات فضلا ًعن جميع القياديات، نُصرُّ على المطالبة بحق التعليم، وهو أمر لن يتحقق إلا باشتراط إلزامية التعليم مع إسقاط شرط موافقة ولي الأمر. وعن قلة المدارس أشارت إلى أن الوزارة وفرت المدارس، أما المناطق النائية التي تبعد عنها تلك المدارس بعض الكيلومترات، فيجب على الوزارة توفير وسائل نقل آمنة لمن يدرسون فيها، خاصة أن بعض الأسر في تلك القرى لا تسمح إمكانياتهم المادية بتوفير نقل آمن لبناتهم ما يضطرهم لتركهن بلا تعليم.

جهل بالحقوق

وتبين عضو مجلس الشورى د.سلوى الهزاع أن الأمية ليست مشكلة تخص أهل البادية بل هي ظاهرة تعاني منها تجمعات سكانية مختلفة تمتد إلى بعض المدن والمحافظات. وقالت لا يحق لأي أب أو أم حرمان أطفاله من الدراسة، مؤكدة أن التعليم يجب أن يكون فرضاً على كل شخص على الأقل حتى مرحلة التعليم الثانوي. وبيّنت أن في الخارج، وتحديداً في الولايات المتحدة، يعاقب الوالدان لو تم حرمان طفل من الدراسة. وقالت يفترض أنه إذا علم أحد من أهل الحي حرمان شخص ما من الدراسة، أن يرفع بذلك إلى مسؤول الحي ومن ثم يُصعِّد المسؤول ذلك بدوره لمسؤولين آخرين حتى يتم معالجة الحالة. وأرجعت الهزاع انتشار الأمية بين النساء لعدم وعي المرأة بحقوقها، قائلة لو علمت المرأة أن الدراسة من حقها وأنها واجبة، لسعت وراء ذلك، مؤكدة أن الشيء لا يعطى بل يؤخذ، لكن للأسف الشديد، والحديث لا زال للهزاع، نحن بطبيعتنا ننتظر حتى يعطى الشيء لنا ولا نسعى للحصول عليه، وهو أمر حاصل لدى البعض.

ضرر عام

وتنفي عضو مجلس الشورى الدكتورة إلهام حسنين علمها بحجم ظاهرة الأمية، لكنها ترى أن حرمان أي فرد من التعليم الأساسي لا يضر فقط بالفرد بل بالمجتمع، والوطن. وترى أن الحل الأمثل للقضاء على الأمية، هو جعل التعليم إلزامياً لجميع المواطنين، وهو نظام معمول به في كثير من الدول. واستبعدت أن تكون هناك أي صعوبات في هذا المجال، مؤكدة أنه متى ما اتفقنا على أهمية التعليم للفرد، فأعتقد أن التعليم الإلزامي هو الحل لهذه الظاهرة.
متطلبات التغيير

من جانبه، يقول المستشار الأسري والتربوي الدكتور محمد حسن عاشور نحن في زمن مُتسارع تزداد فيه الحاجة إلى التعليم بكل أشكاله في كل دقيقة بل في كل جزء من الثانية؛ فالدراسات تشير إلى أن أعلى عشر وظائف من حيث الطلب عليها في عام 2010م لم يكن لها وجود في عام 2004م؛ وقال إن هذا يعني حرفيًا أننا في الجامعات نعد الطلاب لوظائف غير موجودة، كما تؤكد الدراسات أن المعلومات في التخصصات التقنية تتضاعف كل عامين، ما يعني أن نصف ما يتعلمه الطلاب الذين يدرسون تخصصات تقنية في السنة الأولى من الجامعة يكون زمنه قد فات في السنة الثالثة من الجامعة.

وقال أعلم أن هذه الدراسات مخيفة لكنها تضعنا أمام واقع ينتظرنا وتحدٍ كبير في مواكبة التطور والتقدم للحاق بركب الحضارة، وحتى نسجل علامة فارقة على الصعيد المحلي بداية وعلى الصعيد العالمي بإذن الله. فهذه الدراسات تبين لنا أن مواكبة التعليم تعد أقوى وأنفع سلاح بيد كل فرد من أفراد المجتمع بشكل عام، وبيد الفتاة على نحو خاص، كونها نواة المجتمع وتتحمل عبء ومسؤولية وعي ونضوج جيل بأكمله. فكيف نقف عائقًا أمام تعليمها، ونسلبها حقاً من حقوقها التي منحها الله إياها؟
أمية الإناث

ويقول من المؤسف جداً في هذا الزمن أن نجد نسب الأمية في صفوف الإناث هي الأعلى، وردَّ ذلك إلى بعض الموروثات الاجتماعية والثقافية لدى البعض. مشيراً إلى عدة عوامل تؤثر على الأمية وتساهم في زيادتها في صفوف الإناث ومن أهمها وجود أفراد غير متعلمين في الأسرة، وإرغام الفتاة على الزواج المبكر، وقلة وعي الأسرة بأهمية وضرورة تعليم الفتاة، وتدني المستوى المعيشي والمادي لبعض الأسر. وأكد أن هذه العوامل تكثر في القرى والأرياف بالمقارنة بالمدن. وأيًا كانت الأسباب فإن حرمان الفتاة من التعليم يعد جريمة تربوية خطيرة يتعدى أثرها من الفتاة إلى جيل بأكمله، كما أنه يعد أحد أشكال العنف الموجه للمرأة وتهميش دورها في الأسرة والمجتمع، وبالتالي تدمير شخصيتها وثقتها بنفسها وقدرتها على اتخاذ قرارات حياتها، وتدمير مواهبها وذكائها الاجتماعي حيث حرمت من الاحتكاك بأقرانها.
وأكد أن إلزامية التعليم تُعد أحد الأشكال والمبادرات الراقية التي تدعم المرأة وتحفظ لها حقوقها التي منحتها إياها الشريعة الإسلامية. وقال علينا كمجتمع أن نحارب تلك الموروثات الاجتماعية برفع الوعي العام، مبيناً أن ذلك لن يتحقق إلا بتضافر الجهود من خلال مؤسسات المجتمع سواء الحكومية أو قطاع التعليم، أو الإعلام بكافة أشكاله، بالإضافة إلى التجار وأصحاب رؤوس الأموال.
في ظلام الأمية

ويؤكد أبو ريم على عدم وجود مدارس في «منصبة» التابعة لتعليم النماص بالمنطقة الجنوبية، مؤكداً أن الأمية في هذه المنطقة مرتفعة جداً بين سكان البادية القاطنين شرق محافظة تنومة. وطالب أبو ريم بسرعة استحداث مدارس لمن فاته التعليم من الكبار ومدارس أخرى للناشئة.
أما فاطمة عسيري فتؤكد أن قرية «شوقب»، برجال ألمع، تفتقر لمدارس محو أمية تسعف من فاته التعليم، مشيرة إلى أن مدرسة محو الأمية التي افتتحت قبل مدة، أغلقت لعدم توفر معلمات لها. وطالبت بتوفير مدارس في قريتها.
وفي سياق متصل، أكد عدد من السيدات بالمنطقة الشمالية أن كثيراً من قرى منطقة حائل تفتقر للمدارس ومنها «سعيدة»، شمال موقق بحائل، وصدا الخبة، وحبران، والمحفر، والعويد، والصهوة، والمختلف، وجبلة، وتربة. وطالبن بسرعة استحداث مدارس لتعليم الناشئة والكبار. فيما طالبت سيدات من منطقتي الباحة وبيشة وجيزان بالنظر إلى بعض القرى التي يسكنها أهل البادية التي تفتقر لمدارس صالحة للتعليم حيث إن القرى البعيدة لا يوجد بها إلا مدارس متهالكة وقديمة.
خطط للمناطق النائية

وكشف المركز الإعلامي في تعليم عسير، عن وجود 164 مدرسة لتعليم الكبيرات، موزعة على كافة أرجاء المنطقة، يدرس بها قرابة 1974 دارسة، ويقوم بالتدريس فيها 369 معلمة. كما تنظم وزارة التربية حملات صيفية لبرامج محو الأمية في مناطق البادية. واعتمد مدير عام التربية والتعليم في المنطقة جلوي بن محمد آل كركمان، مؤخراً، افتتاح 17 مدرسة للبنين والبنات للعام الدراسي الجديد 1434/1435هــ بناء على موافقة نائب وزير التربية والتعليم لتعليم البنين الدكتور حمد آل الشيخ، ونائب الوزير لتعليم البنات نورة الفايز، ويشمل ذلك افتتاح ابتدائيتين في مدينة أبها بشمال الخالدية، ومدينة سلطان ومتوسطتين بشمال خالدية أبها، وحي الجامعيين في محافظة خميس مشيط، فضلاً عن أربع ثانويات بحي السامر بأبها، وأم سرار ومخطط الموسى بخميس مشيط، ومخطط الأمير عبدالرحمن في محافظة أحد رفيدة، وذلك لقطاع البنين، فيما شملت الموافقة إحداث أربع ابتدائيات للبنات في درة المنسك والعرين الشمالي في أبها، والرصراص والهرير في محافظة خميس مشيط، ومتوسطتين في لعصان والمنح بأبها، والجمعية الخيرية في خميس مشيط، إضافة إلى إحداث ثانويتين في حي المنح وحي النهضة في أبها، وذلك لقطاع البنات.

المصدر: صحيفة الشرق