أحمد عبدالملك

تُصرُّ معظم لجان حقوق الإنسان «الرسمية» في دول مجلس التعاون على الاهتمام بشؤون العَمالة والعمال، وتقيم لهم الندوات والزيارات بقصد توضيح اهتمام الدولة بقضايا العمال؛ كما تقوم بتوزيع المطبوعات التعريفية بتلك الحقوق وما تقوم به الدولة من إجراءات قانونية وتنفيذية من أجل صيانة حقوق العمال والاهتمام بقضاياهم واشتراطات الحياة الإنسانية لهؤلاء العمال. ويربطون ذلك بأحكام الدين والشريعة وغيرها من الشرائع الإنسانية والمواثيق الدولية. وتلك بوادر طيبة، وتوجهٌ حميد يُحسب لهذه الدول، بل توجد في بعض الدول مساكنُ لإيواء العمالة الهاربة أو التي تتعرض للاضطهاد أو المضايقات من قبل بعض الكفلاء! وتقوم تلك المساكن بتقديم جميع الخدمات اللازمة لهم، ومنها الاتصال بالكفلاء من أجل عرض المُصالحة وعودة العامل إلى عمله، أو إلزام الكفيل بدفع قيمة تذكرة المغادرة للعامل. بل قد تطول فترة بقاء بعض النزلاء -خصوصاً النساء اللاتي حَملنَ سفاحاً- ويحظين بكل الرعاية الطبية والغذائية والنفسية (المجانية) لربما لشهور -حتى تنتهي أزمتهن. كل ذلك جميل ومُقدّر! ولكن السؤال اللحوح هنا: لماذا لا تهتم تلك اللجان «الوطنية» بالمواطن؟ وهذا يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى جدّية وفاعلية تلك اللجان في تطبيق المواثيق الدولية بعدالة ودون انتقائية! ودون الخوف من التقارير الغربية التي تركّز على أحوال العمالة في منطقة الخليج التي قد تنال من سمعة هذه الدولة أو تلك، والتي تكافح من أجلها المنظمات الغربية «الحرة» المدافعة عن حقوق الإنسان غير التابعة لأية دولة. إن اللجان «الوطنية» لا نجدها تتحدث عن الإنسان المواطن ومشكلاته، وحقوقه، وصداماته، ومراراته، التي لا تخرج عن نصوص الدساتير أو القوانين المحلية! فلم نسمع عن تدّخل هذه اللجان في قضايا منع الكُتّاب من الكتابة، وهو موضوع يدخل في صلب قضايا حقوق الإنسان، وتغطيه المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان! كما أن هذه اللجان لا تلتفت إلى قضية إحالة المواطنين المؤهلين -إلى التقاعد المبكر- غير القانونية؛ وبدون ضوابط أو إجراءات مدنية. وهذه أيضاً تغطيها المادة (23) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان! كما لا تلتفت تلك اللجان إلى قضايا (منع إنشاء جمعيات النفع العام أو الجمعيات المهنية) التي تحكمها قوانين صارمة تحول دون قيامها في بعض الدول، وهي أيضاً تغطيها المادة (27) من ذاك الإعلان. كما لا تناقش تلك اللجان بعض القضايا المتعلقة بالزواج بالإكراه، والتي تضمنها المادة (16) – فقرة (2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. بل إن واقع الحال -في بعض الدول الخليجية- يتعارض مع نصوص دستورية محلية مثل:  تساوى المواطنين في الحقوق والواجبات. خصوصية الإنسان وحياته ومراسلاته. الحرية الشخصية، والحبس الاحتياطي بمجرد «الشبهة». تكافؤ الفرص، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب. الملكية الخاصة، والتدخل في حياة الإنسان وماليته. حفظ الثروات الطبيعية وحُسن استغلالها.وغير ذلك من النصوص التي تضمنتها الدساتير، لكن واقع الحال يخالفها! كما توجد اجتراءات على تلك النصوص بشكل واضح، ولا تقوم لجان حقوق الإنسان الوطنية إلاَ بمحاولات «استحيائية» بغرض نشرها في الخارج على أنها «تكافح» من أجل تطبيق المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وتضمينها في التقرير الدوري الشامل (Universal Periodical Report)، الذي في أغلب الظروف تُعدّهُ جهات رسمية تشاركها تلك اللجان الوطنية «الرسمية» والتي لا تحفل بالنظر إلى الجزء الآخر من الكأس! لذلك ترتفع أصواتٌ في منطقة الخليج بأن الوافدين يتمتعون بـ(حماية) ووضع مدني أفضل من المواطنين، خصوصاً مع طرح موضوع إلغاء نظام الكفيل، وهو موضوع مهم، وقد كلّف مواطنين حياتهم وعقولهم وأموالهم؛ عندما قام مستثمرٌ وافد بسرقة مدخراتهم -في شركة وهمية- وكان لديه جواز سفر، وغادر البلاد مع المدخرات ولم يعد! ولجأ المودعون إلى لطم الخدود، كما تم نقل بعضهم إلى مستشفى الأمراض العقلية! وفقدوا «تحويشة العمر» على يد وافد سارق! وعلى علاقة بالموضوع، ولو افترضنا أن كل عامل أو خادمة بالمنزل سوف يكون بحوزتهم جوازات سفرهم، مع نص قانوني يُجيز لهم السفر أنى أرادوا؛ فإن بإمكانهم سرقة المنزل أو حرقه في غياب الأسرة، ولربما قتل الأطفال والتسلل إلى المطار أو الميناء والسفر إلى ديارهم! ناهيك عن عمليات سرقة الشركات أو العبث في الممتلكات، التي يتحملها المواطنون. إضافة إلى قضية الإقامة الدائمة للوافدين مقابل شراء العقار في هذه الدول، التي تنذر بمخاطر كبيرة يسميها العقلاء «بيع» الأوطان للغرباء!وتلك قضايا يجب أن تناقشها اللجان الوطنية لحقوق الإنسان، حتى تكون المعادلة صحيحة على اعتبار (لا ضررَ ولا ضرار). وأن يكون عمل تلك اللجان عملاً مهنياً قانونياً، لا عملاً دعائياً وإعلامياً للاستهلاك الخارجي في المحافل الدولية.

المصدر:صحيفة الشرق