رأي في الأنضمة
زامل شبيب الركاض
تعتبر المواطنة الإطار المكاني الذي يرتبط فيه الناس بالموطن، استقراراً وحياة فيه، وولاء له، ودفاعاً عنه، وهذا الارتباط والانتماء للموطن أمر فطري جبلت النفوس عليه، فللوطن في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق، ومن جهة أخرى تترسخ المواطنة كنتيجة طبيعية لما يقوم به الوطن من واجبات نحو المواطنين كافة، من خلال توفير سبل الحياة الطيبة والكريمة والخدمات المعيشية، لجميع المواطنين سواء كانت اقتصادية أو أمنية أو صحية أو اجتماعية أو ثقافية، وغير ذلك من الخدمات اللازمة لسد احتياجات كل مواطن دون الاقتصار على فئة معينة أو إقليم أو منطقة محددة.
ويعتبر أول من رسخ مبدأ المواطنة هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما قدم إلى المدينة المنورة، وكان يوجد فيها العديد من الديانات والطوائف، من خلال صحيفة المدينة حيث اعتبرت هذه الوثيقة أهل الكتاب الذين يعيشون في المدينة من مواطني الدولة الإسلامية لهم الأمن والنصرة، ما داموا قائمين بالواجبات المترتبة عليهم فاختلاف الدين لا يعد سبباً للتمييز بين أفراد المجتمع الواحد ولا يعتبر سبباً للحرمان من مبدأ المواطنة ما لم ينقضوا العهد أو يخونوا الأمة.
وكما أسلفنا فإن الإسلام لا يعارض انتساب الناس إلى أقوامهم وعقائدهم، فهذا الاختلاف والتعدد يقود إلى التعارف والتراحم والتعاون لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، وهكذا عاش غير المسلمين في المجتمع المسلم على مدى التاريخ في ضمانة الإسلام من حياة كريمة وحرية العقيدة والشعائر وتنظيم أحوالهم الشخصية وفق عقائدهم، ولم يفرض عليهم سوى الجزية التي تعتبر ضريبة مواطنة على أهل الذمة أسوة بفرض الزكاة على المسلمين، وكلاهما من الموارد المالية للدولة تؤخذ من الأغنياء لترد على فقراء البلد ومصالحه العامة.
ونخلص إلى أن المواطنة الحقة تنبذ كل أشكال العصبية والعنصرية والحزبية لقول الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، ونعتقد أن المواطنة تتحقق في إطار الالتزام والاحتكام إلى الدين الصحيح الذي يجمع ويؤلف بين كافة مكونات المجتمع لصالح الدين والوطن وقيادته، ومن جهة أخرى فإن المشاركة الإيجابية للمواطنين في بناء الوطن وتنميته سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وحمايته من الفساد بكل صورة وأشكاله والانحرافات العقدية والأخلاقية، تعد أكبر ضمانة لتحقيق مبدأ المواطنة والانتماء ووحدة المصير، فالوطن الذي لا نحميه لا نستحق العيش فيه.
المصدر : صحيفة الرياض