الرياض – أسمهان الغامدي

الانتظار قاتل؛ وأكثر إيلاماً عندما لا تكون هناك معالم أو إشارات على قرب الفرج.. هناك من يمكث سنوات طوال بانتظار حكم شرعي معلوم بالنسبة له يخفف من وطأة مصيبته، ويعطيه بعض الأمل لقرب انفراج همه.. سجناء وسجينات يقفون خلف القضبان بلا حكم من أشهر وسنوات، يراجعون المحاكم بالسلاسل والأغلال، وفي كل مرة يعودون خائبين يجرون آلامهم وأوجاعهم وقيد حرياتهم غير المعلوم.

تأجيل القضاة للأحكام يزيد من معاناة المتهمين ويلقي أعباء على الدولة

هذه من القضايا السلبية.. وتحدث في مجتمع ذي حراك ومتداخل مع أعداد كبيرة من الوافدين، وقد تم وضع العلاج الشافي من الدول، وأقوى علاج ما صدر في رؤية المملكة 2030 والتحول الوطني، وتأكيدات وزير العدل بتسريع القضايا والبت فيها.

وعلى الرغم من أن الدولة مشكورة لم تتجاهل هؤلاء في رؤيتها الطموحة ٢٠٣٠ إلا أن الآمال كبيرة على عاتق وزارة العدل في توجيه محاكمها بتسريع محاكمة هؤلاء، فما يقاسونه نتيجة لكبت حرياتهم يكفيهم، وما تتحمله الدولة من مصاريف على هؤلاء النزلاء الذين يمكثون خلف القضبان بلا حكم شرعي، تتحمل وزارة العدل جزءا كبيرا منه.

موقوفة: أريد أن أعرف مصيري

فالرؤية تسعى لرفع مستوى الخدمات العدلية والتميز المؤسسي، والتطبيق على أرض الواقع، وتعزيز التفاعل بين الأجهزة العامة والمواطنين والارتقاء بمستوى أداء وإنتاجية ومرونة الأجهزة الحكومية.

ووضعت خطة لمتوسط عدد الجلسات المفترض لإغلاق القضية وهو ما يعادل خمس جلسات قضائية لصدور الحكم القضائي، دون الحاجة بأن يمضي النزيل أو النزيلة سنوات طوال كي يتم الحكم عليه، وقد يمضي في السجن مدة أطول من الحكم الذي يستحقه.

“الرياض” زارت سجن النساء بالملز، والتقت بعدد من النزيلات اللاتي يقبعن في السجن في انتظار الحكم، واللاتي يأملن أن تحل قضاياهن وأن يكن الحالات الأخيرة بعد الإعلان عن الرؤية الطموحة للمملكة.

ثمانية أعوام بلا حكم

“ن.د” موقوفة في قضية خطف ومشاركة في جريمة قتل منذ ثمانية أعوام بلا حكم، وتعود قصتها إلى قبل ثمانية أعوام عندما تطلقت من والد أبنائها التسعة، وتزوجت بعده برجل آخر، فجن جنون طليقها وأصبح يلاحقها مما أفقد زوجها الصواب.

تقول “ن.د”: أجبرني زوجي على الذهاب لمنزل طليقي، والقيام بتربيطه وإغلاق فمه بالرغم من حالته الصحية السيئة، ووضعه في السيارة بهدف قتله ولكن في منتصف الطريق هدأت الأصوات التي كان يصدرها طليقي فاتضح لنا أنه مات. قبضت علينا الشرطة وأودعتني وزوجي في السجن بتهمة الخطف والقتل، ومنذ ذلك الحين حتى اليوم لم يحكم علي.

وتتابع قائلة: فقدت أعصابي، فليحكموا علي بالقصاص وبالموت ولكن لا يعلقوني.. وقالت: حضرت ٢٤ جلسة وفي كل جلسة يؤجل القاضي الحكم للجلسة الأخرى حتى مضت ثمانية أعوام علي وأنا خلف القضبان. خسرت أبنائي وحياتي وفقدت الأمل، فقط أريد أن أعرف مصيري وإلى أي حال سيؤول.

أيام قاسية ومصير غير معلوم

أما “ن.ق” تقف خلف قضبان السجن منذ عام وشهر في قضية أخلاقية لم تحكم لأجلها، ولم تعرض على القضاء إلا بعد ثمانية أشهر، وهي حتى اليوم لا تعرف مصيرها ولا أي حال ينتظرها، خاصة وأنها أم لطفل عمره ١٣ عاماً.

تقول “ن.ق”: أنا يمنية الأصل ولأني تزوجت من سعودي وأصبح لدي طفل منه حصلت على الجنسية، تطلقت من زوجي وتزوجت من آخر بورقة غير رسمية، وقبضت الهيئات علي معه ومعي صديقتي فسجلت بقضية خلوه غير شرعية.. قالت: أعلم بأنني أخطأت ولكن يحق لي أن أعلم متى سأمكث خلف هذه القضبان.

هروب وخيبة

“ح.ر” هربت من منزل أسرتها بعد مشاكل مستمرة لها مع والدتها وشقيقاتها وذلك بعد أن تطلقت، فبعد أن زادت عليها الضغوط هربت لمنزل صديقتها المقربة بهدف تسوية الأمور، ولكن شقيقها أبلغ عن تهربها وقبضت عليها الشرطة وأودعتها السجن.

تقول “ح.ر” منذ ثلاثة أشهر وأنا أقف خلف القضبان ولم أُعرض على القاضي حتى يأمر بالإفراج عني، والخوف يأكل قلبي من أن أستمر سنوات طوال، كتلك القصص التي أشاهدها وأراها، فأنا أم ولدي طفلتان ولا أعلم ما هو مصيري.

مصير مجهول

وتمكث “ع.ع” في سجن النساء منذ عشرة أشهر في قضية أخلاقية دون أن تذهب إلى المحكمة أو أن يصدر في حقها حكم قضائي، الأمر الذي أفقدها الصبر وأصابها بالاكتئاب، فتقول: أريد فقط أن أعلم حكمي، ولكني حتى اللحظة لم أرَ القاضي وذلك لتأجيل جلساتي، ففي كل مرة أستعد للذهاب لمعرفة مصيري، أعود وأنا أجر خيباتي وآلامي.

١٤ شهراً بلا حكم

أما الوافدة “م.ب” الموقوفة منذ عام وشهرين بتهمة مخالفتها لأنظمة الإقامة، لم تذهب إلى المحكمة إطلاقاً، ففي كل مرة يعتذر القاضي أو تؤجل الجلسة، فهي على حد قولها لا تريد إلا أن تعرف مصيرها أو أن ترحل إلى بلدها، ولكنها تعبت كثيراً من وضعها.

جهود مشكورة

هذا لا ينفي أن هناك جهوداً كبيرة من وزارة العدل لإنهاء أوضاع هؤلاء ومساعٍ كبيرة من المديرية العامة للسجون لتسوية الأمور وتسهيل إجراء محاكمات النزلاء والتخفيف عن مصابهن، ولكن الأمور والتوجه الحديث للدولة يتطلب من وزارة العدل السرعة وتكثيف الجهود وتعجيل حركة سير القضايا العدلية ولا سيما للنزلاء والنزيلات الذين وجودهم بلا مسوغ شرعي يرهق الدولة والسجون من حيث المصاريف والطاقة الاستيعابية والتأثير السلبي على النزلاء الآخرين.