سيداو: حق المرأة في العيش الكريم
عبدالله بن بخيت
تعد اتفاقية “سيداو” واحدة من أهم التجليات الإنسانية العظيمة التي انبثقت في القرن العشرين. رغم أنها تأخرت كثيراً إلا أن الوصول إليها يشكل مرحلة جديدة من مراحل تطور البشرية نحو مجدها السعيد.. الإنسان جاء إلى الدنيا حراً طليقاً يجوب البراري لا بحثاً عن الطعام ولكن بحثاً عن الذات أيضاً. اكتشف مبكراً أنه يختلف عن بقية الكائنات التي تسعى إلى جانبه، وأن الله أعطاه ميزة اسمها العقل.
كلما تقدم في الرقي تدنى دور العضلات وتنامى دور التفكير. من يصدق أننا اليوم على وشك أن نهجر الجسد نهائياً. تحولت أجسادنا إلى مادة للتسلية في الرياضة والإعلانات وغيرها. صرنا نعيش على قدر امتدادات عقولنا. يستطيع الفلاح اليوم أن يدير حقله المترامي من غرفة مكيفة بعد أن كان ينافس حيواناته في الكد والتعب. الفلاح في الواقع لا يجلس داخل غرفة بل داخل عقله، فعقله هو الذي صنع له هذا.
في الماضي كانت عضلات الإنسان مصدر قوته الوحيد. فاستضعف موفور العضلات ضعيفها. كانت الحياة تقوم على معيار القوة الجسدية. فراحت المرأة ضحية هذا القانون الحيواني. ومع التطور دخل العقل كمحرك إضافي، لكن العقل لم يقف عند تقديم عناصر القوة، بل رفض أن يقدم منتجاته خدمة لقانون القوة الذي قد فرض في زمن سيادة الجسد.
أهوال القرن العشرين الجسام نبهته لمآسي الاستعمار فاتجه بقدراته إلى حقل الأخلاق لوضع الإمكانيات الجديدة تحت سلطة الضمير. ضماناً ألا توظف قوى الشيطان الغاشمة منتجات العقل لخدمة القوة. تجربة الاستعمار كانت كافية ليتحرك العقل بوصفه عقلاً ويضع مصيره في يد الضمير.
صدر عن الأمم المتحدة ثلاثة بيانات تعد من أهم ما سنه الإنسان في تاريخه لصيانة روحه وبناء سعادته. الأول حقوق الإنسان. الثاني تحريم الرق، ثم توج العقل والضمير منتجاتهما العظيمة بما عرف اليوم باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة: سيداو
في الماضي القريب كان فارق اللون بين الشعوب كافياً لتصنيف الإنسان إلى درجة الاسترقاق وهو ما نراه اليوم في فارق تركيب الجسد بين المرأة والرجل ليكون عذراً عند بعض الشعوب لاحتقار المرأة واسترقاقها المباشر وغير المباشر. حتى المتعة المتبادلة بين الرجل والمرأة عند اللقاء أصبحت متعة أحادية يمتلكها الرجل وحده. وبسبب من ضعف عضلاتها أيام الصيد والغزو تحولت المرأة إلى متاع. تأصل هذا في القوانين الموروثة إلى درجة أن ألحق بالقانون الإلهي فأصبحت محاكمته أو مجرد نقده ضرباً من التجديف. هذا ما دفع حراس الجمود والمستمرئين للرق في أيامنا هذه إلى إعلان الحرب على سيداو كما فعل أسلافهم الأدنون عندما أعلنوا الحرب على قانون إبطال الرق. كلهم الذين قاوموا إبطال الرق والذين يقاومون إعطاء المرأة حقوقها ينسبون ادعاءاتهم إلى قانون إلهي. نعلم أن العدالة تنتصر في النهاية. فكما أصبح الرق عاراً يخجل منه الإنسان، فقريباً عندما تبسط سيداو ضميرها على قوانين الدول عندئذ يصبح احتقار المرأة ومصادرة حقها في العيش الكريم عار أشد.
المصدر: صحيفة الرياض