الرياض – راكان الدوسري

تسعة ملايين عامل في المملكة يشغلون الكثير من الأعمال في القطاع الخاص ، يموجون في المتاجر والمحلات الصغيرة سعياً وراء لقمة العيش .. يقف بينهم سعوديون يريدون أيضاً لقمة العيش تلك ، لكنهم تجار صغار يقيمون مطعماً صغيراً هنا ، ومحل كوفي شوب هناك.. وتحتم طبيعة الحياة ، وأبجديات العمل التجاري على الطرفين أن يلتقيا في علاقة عمالية متعارف عليها في القطاع التجاري السعودي على وجه الخصوص.. فالمال من السعودي ، والجهد من العامل المقيم.. حكاية رسختها العقود الماضية .

من حيث المبدأ فإن التسعة ملايين عامل سيمثلون وفرة هائلة في الأيدي العاملة في السوق السعودي ، خاصة في المهن الحرفية التي لا يقبل عليها السعوديون ، الغريب في الأمر أن الصحف اليومية مليئة كل نهار بإعلانات من قبل صغار التجار لتقبيل محلاتهم ومطاعمهم ، مشيرين في إعلاناتهم أن سبب التقبيل (عدم توفر العمالة).. ترى هل تمثل تلك الجملة أسلوباً من أساليب التسويق ، وإحدى عمليات شرعنة البيع بسعر جيد ، أم أنها كبد الحقيقة ؟

 لا أحد يمكنه الفصل في ذلك ، لكن الأجدر بنا أن نتحرى ذلك من أفواه الذين كتبوا تلك العبارات في إعلاناتهم ، ونُحاججهم بالعدد الهائل من العمالة التي تملأ البلاد .

بدر الربيعان صاحب محلات كوفي شوب قام قبل فترة بوضع إعلان للتقبيل يقول بدر إن أغلب تلك المحلات قد أقامها داخل مباني هيئات وجهات لخدمة منسوبيها رافضا أن تكون تلك الجملة التي تقول لعدم توفر العمالة هي من أجل مشروعية فكرة بيع المحل ، وقال إن هذا المحل الذي أعلنت عن تقبيله لم يكمل الخمسة عشر يوماً منذ بدأ العمل ، ما يعني أن هناك ظرفاً حقيقياً يدعو لبيعه وليس لفشل المشروع بعد ممارسة على أرض الواقع ، ويضيف: إن أزمة التضييق في عملية التأشيرات قد خلقت أموراً سلبية متعددة كبيع التأشيرات ومخالفة نظام العمل والعمال من خلال الإقبال المخيف على العمالة السائبة والتودد إليها مبينا : .. لا يتم منحي سوى تأشيرة واحدة عن كل محل ، ما يعني أنني لا محالة سوف أستعين بعمال من الشارع .

وعن تفاصيل الحاجة إلى العمال يؤكد الربيعان انه في مجال نشاط محلات القهوة والمشروبات الساخنة يفترض أن يبدأ المحل بالعمل الساعة ال 6 صباحاً إلى 12 مساء ، وهذا يعني أن يكون هناك ثلاث فترات عمل بالتناوب من قبل موظفي المحل ، ويتساءل: هل من المعقول ان يقوم عامل واحد بكل هذه الساعات ؟ ، ويشدد على أن أغلب أصحاب المحلات اليوم يستعينون بعمال من الشارع ، مشيراً إلى أن هؤلاء العمال بدأوا يدركون الحاجة الماسة التي يمر بها أصحاب المحلات، وأصبحوا يرفعون أجورهم بشكل مبالغ فيه ،وطالب الربيعان بحل مسألة التأشيرات ، وأكد أنه في حالة كان الاستقدام مفتوحاً لكل منشأة حسب احتياجاها ، فإننا لن نجد عمالة سائبة في الشارع العام ، ولن نجد قطاعات تجارية صغيرة تنهار ، ولن نجد تجار تأشيرات.. وطالب بأن تكثف اللجان التحري عن استحقاق العمال للمحلات وأن تتكون من عدة دوائر حكومية .

من جانبه أشار الدكتور د.عبدالعزيز داغستاني رئيس دار الداغستاني للدراسات أن معظم المشاريع الصغيرة في المملكة هي تنشأ بشكل عشوائي ، ودون دراسات جدوى وأضاف أن عدد المحلات التي يتم إقفالها أو تقبيلها وانتقال ملكيتها يسترعي الاهتمام ، مشددا على ان هناك أنشطة تجارية في مجال المحلات الخدمية التي يطغى عليها التستر التجاري تشهد إقفالاً وانتقالاً للملكية بشكل مستمر ، وحول نقص العمالة طالب داغستاني وزارة العمل بفك الخناق في مسألة التأشيرات .

من جانبه اكد د. حمد التويجري أستاذ الاقتصاد المشارك، ورئيس قسم الاقتصاد الأسبق بكلية إدارة الأعمال أن غالبية السعوديين الذين يملكون المحلات الصغيرة هم متسترون بالأساس ، وأن المالك الحقيقي لأغلب تلك المحلات هم الأجانب ، وأضاف أن على الشاب السعودي الذي يريد أن يبدأ في العمل في محل صغير عليه أن يبدأ العمل بنفسه ، أو أن يوظف أحداً من أبناء جلدته الذين سيجد منهم من سوف يعمل براتب ال1500ريال ، مؤكداً أن هناك طلابا وشبانا سعوديين مستعدون للعمل برواتب يستطيع صاحب المحل الصغير دفعها ، وشدد التويجري على انه إذا كان إقفال هذه المحلات سيكون في سبيل تحقيق السعودة ، ومحاربة التستر ، فإنها ستكون عملية تصحيحية في خارطة سوق العمل ، وأضاف أنه من الناحية الاقتصادية فإن اندثار المحلات الصغيرة التي تقوم على التستر هو لصالح المواطن الذي يريد أن يعمل بنفسه ، وستحارب التستر ، وستصحح كثيراً من المعطيات السلبية في سوق العمل .

المصدر:صحيفة الرياض