في اليوم العالمي للمرأة.. لا لضرب المرأة!
سهيلة زين العابدين حماد
أُثير جدلاً كبيراً في المجتمع المصري خاصة، والمجتمعات العربية عامة، حول تجريم أو مشروعية ضرب المرأة؛ حينما تحدَّثت النائبة «أمل سلامة»، عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري في أحد البرامج التلفازية؛ عن مشروع القانون الذي قدّمته للبرلمان المصري، والذي يقضي بـ «معاقبة مَن يضرب زوجته، أو تضرب زوجها» عندما ينشأ عن الضرب عجزًا عن العمل مدة تزيد على 20 يومًا، أو عاهة مستديمة يستحيل شفاؤها، بالسجن مدة تصل إلى 3 سنوات، وفي حالة الضرب مع سبق الإصرار والترصد ترتفع العقوبة إلى 5 سنوات، وذلك للحد من العنف الأسري، لعدم وجود نص في القانون يُعاقب على تلك الجريمة، بعدما أثبتت الدراسات أنّ نحو 8 ملايين سيدة في مصر تتعرَّض للعنف الأسرى.
فلقد اعترض بعض الرجال على هذا القانون بدعوى أنّ ضرب الزوج لزوجته بأمر من الله تعالى في قوله: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء: 34)، وذلك لشيوع المفهوم الخاطئ لمعنى (واضربوهن) بالضرب البدني، وهو المعنى الذي ذهب إليه معظم المُفسِّرين والفقهاء مبتعدين عن معاني الضرب في معاجم اللغة، ومعناه في حالة نشوز الزوجة، وهو المفارقة والترك والاعتزال، وهو الذي طبّقه عمليًا صلى الله عليه وسلم عندما غضب من زوجاته، فلجأ إلى «المشربة» شهرًا كاملًا، تاركًا ومفارقًا لزوجاته ومنازلهن، مخيرًا إياهن بعدها بين طاعته والرضا بالعيش معه على ما يرتضينه من العيش، وإلاَّ انصرف عنهن وطلَّقهن في إحسان، (عسى ربه إن طلقكًنَّ أن يُبدله أزواجًا خيرًا منكنَّ) (التحريم:5)، وهو عليه أفضل الصلاة والسلام لم يتعرَّض لأية واحدة منهن خلال ذلك بأي لون من ألوان الأذى الجسدي، أو اللطم، أو المهانة بأية صورة من الصور، ولو كان الضرب بمعنى الأذى الجسدي والنفسي أمرًا إلهيًا ودواءً ناجعًا، لكان عليه الصلاة والسلام أول مَن بادر إليه ويفعل ويطيع.
ومن المتناقضات المجتمعية إقرار ضرب الزوجة، الأم البالغة الرشيدة، وتحريم ضرب الأطفال في المدارس، الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد! ومن المؤكّد أنّ الله تعالى لم يأمر بضرب الزوجات، وهو القائل: (ولهن مثل الذي عليهن)، (هنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهن)، (وعاشروهن بالمعروف)، (إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).. وهذا الذي تؤكِّده السنة النبوية الصحيحة القولية والفعلية، فلم يرد حديثًا يجيز ضرب الزوجة، بل وردت أحاديث تنهى عن ضربها وضرب النساء جميعًا منها: «لا تضربوا إماء الله»، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن هذا الفعل في الجاهلية فقال: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثمّ يجامعها في آخر اليوم» (رواه البخاري)، كما نهى عن الضرب والتقبيح، فقال عندما سُئل ما تقول في نسائنا؟: «أطعموهن ممّا تأكلون واكسوهن ممّا تكسوهن، ولا تضربوهن ولا تقبِّحوهن».
وكان عليه الصلاة والسلام نموذجًا يُحتذى في تعامله مع زوجاته، وأهل بيته، فكان يلاطفهن في حالة غضبهنّ، وكان صبورًا وحليمًا معهن، وبارًا بهن، وكان يساعدهن في خدمة البيت، وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ»، وكان يمهد لزوجه موضعًا لينًا لركوبها بعيره، ويضع ركبته فتصعد عليها، وكان يراعي مشاعر زوجاته، بل كان يأبى إجابة دعوة لطعام حتى تصحبه زوجه، وكان يسابق السيدة عائشة ويعرض عليها النظر إلى لعب الأحباش، ويقف معها حتى تنصرف هي. وإنّني لأعجبُ من أولئك الذين يقولون بمشروعية ضرب الزوجة ويرفضون تجريمه، وهذا النموذج العملي لمعاملة الزوج لزوجته متمثلًا أمامهم في سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم، فلنجعله قدوتنا في تعاملنا مع أهل بيوتنا، ونلغي العنف بكل أنواعه في تعاملنا معهم، ونجعل الحب والسكن والمودة والاحترام قوام حياتنا الأسرية.
كل الذي أرجوه من علماء الأمة وفقهائها أن يُعيدوا للناس تفسير آية النشوز، ليُفقِّهوا المسلمين بما كان يقوم به رسولنا الكريم مع أهل بيته، وكفانا معاناة نساء الإسلام من الضرب البدني كل تلك القرون، نتيجة قول كثير من علماء الأمة بمشروعية ضرب الزوج لزوجته، بل القول بمشروعية ضرب كل الرجال لكل النساء لتأديبهنّ، فالأمر لا يتطلب تقييد ولي الأمر لحُكم الضرب البدني للزوجة الناشز، لأنّه أصلًا لا وجود له، وكل ما في الأمر أن يُعلن علماء الأمة وفقهاؤها تصحيح مفهوم كلمة (واضربوهنّ)، الواردة في آية النشوز، وأن تَسن الجهات التشريعية قوانين رادعة تُجرّم ضرب الزوجة وجميع النساء، وبذلك نطوي صفحة العنف ضد المرأة وإهانتها.