قدماء الخريجين والخريجات العاطلون وحلم الوظيفة
وليد السليم
تمضي السنون وصوتهم/ صوتهن الخافت لا يكاد يبين، حتى لفت أنظار المتابعين قبل شهر تقريباً أحد الوسوم على تويتر بالمطالبة بالنظر في وضع الخريجين والخريجات الجامعيين القدماء العاطلين الذين مضى على تخرج بعضهم خمس عشرة سنة وأكثر، ولم يحالفهم الحظ في التوظيف في الوظائف التعليمية.
ولا شك أنه حين نتأمل واقع هؤلاء الخريجين والخريجات سنجد أنهم مؤهلون منذ تخرجهم، وكانت الأفضلية في التوظيف لدى وزارة الخدمة المدنية في وقت مضى للخريج الأقدم ولأسبقية التخرج، فتغيرت في وقت لاحق الأفضلية إلى التقدير والمعدل التراكمي الأعلى في الشهادة الجامعية، هذا التغير جعل أعداداً كبيرة من الخريجين والخريجات في قائمة الانتظار في الوقت الذي يرون فيه من تخرج بعدهم بأكثر من عشر سنوات يحصلون على الوظائف وهم يتحسرون على مرور قطار العمر وتقدمه بهم وبهن دون أن يكون لهم بصيص أمل في الوظيفة التي درسوا وتعبوا وتخرجوا كغيرهم تحدوهم الأمنيات للحصول عليها، وهم بالمناسبة يتقدمون سنوياً حين الإعلان عن الوظائف فيعودون بخفي حنين وتقل الفرص أمامهم عاما بعد عام حتى فقد كثير منهم الأمل وأضحت الوظائف حلماً بعيد المنال.
ولعل من الأسباب الرئيسة لعدم تسليط الضوء على أزمة هؤلاء أنهم لم يطالبوا ولم يسعوا حتى على المستوى الإعلامي لعرض قضيتهم أمام المسئولين إلا مؤخراً، وحين أقارن بينهم وبين ملف البديلات المستثنيات فإنني أجد بوناً شاسعاً في مستوى وطريقة المطالبة التي كانت إدارتها عند البديلات احترافية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
فالبديلات المستثنيات قمن بدور استثنائي في عرض مطالبهن ولم يتركن باباً إلا طرقنه من زيارة المسئولين إلى إرسال البرقيات إلى عرض قضيتهن في جميع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وكم كان يذهلني مستوى التصميم والتنسيق وطول النفس وعدم فقدان الأمل لدى هؤلاء المستثنيات حتى زفت البشارة لهن قبل ثلاثة أشهر تقريباً بتوظيفهن جميعاً على أن يخترن بين الوظائف التعليمية أو الإدارية.
وكم كانت سعادتهن وسعادة ذويهن وأسرهن بهذه الوظائف التي لا شك أنها في غاية الأهمية لهن وكن ينتظرنها على أحر من الجمر، ذلك أن ثمة ضرورة قصوى للمرأة الموظفة في هذا الزمان التي أضحت فيها الظروف المعيشية بحاجة إلى مساندة ومشاركة من الزوجين.
أعود لموضوع الخريجين والخريجات القدماء بوصفها حالة لا تقل أهمية عن سابقتها واعتقد جازماً أن من العدالة أن ينظر لهم ولهن بعين الاعتبار فقضيتهم جديرة بأن تطرح وتناقش وكثير منهم بحاجة ماسة للوظيفة إذ أن هذه السنوات الطوال جعلتهم إما في خانة أرقام البطالة التي تزداد وتتكدس بشكل لافت، وإما يزاولون أعمالاً ليس لها علاقة بمؤهلاتهم ومؤهلاتهن وبرواتب بسيطة وبشروط وتحكم وسيطرة وضغوط تمارس عليهم من مؤسسات وشركات القطاع الخاص.
وكم هو مؤلم حين نرى خريجا جامعيا أو خريجة جامعية وهم يعملون في وظائف دونية لا تتناسب مع مؤهلاتهم وفي بيئات عمل غير مريحة ويتحمل بعضهم الضيم والظلم من رؤسائهم مع ممارسة وسائل التنفير فيصبرون لأجل راتب قليل يتبخر بعد استلامه بأيام معدودة ولكنهم في أشد الحاجة إليه، ومن يسمع أو يطلع على الظروف المعيشية القاهرة لبعض الأسر فسيعلم يقيناً لماذا يصبر أولئك على لقمة عيش مغموسة بالظلم والتهديد والوعيد والتلويح بالفصل في أي لحظة.
أعتقد أنه آن الأوان للنظر في هذا الملف الذي استمر لسنوات فوق الرف يعلوه الغبار دون أن يفتحه أحد رغم أنه في غاية الأهمية كونه يتعلق بإخواننا وأخواتنا الخريجين القدماء وإنني أقترح أن يتم توظيفهم مرحلياً بعد عمل إحصائية بأعدادهم الفعلية فمثلاً يتم البدء بمن تجاوزوا الخمس عشرة سنة دون أن يحظوا بالوظيفة وبعد سنة يتم توظيف من مضى على تخرجهم عشر سنوات فأكثر ثم من مضى على تخرجهم خمس سنوات فأكثر وهكذا دواليك.
ويمكن أن تحدد مثلاً نسبة مئوية سنوية لتوظيف هؤلاء الخريجين والخريجات فمثلاً توضع نسبة 30% أو 40% من نسبة الوظائف التعليمية تكون لهم دون الدخول في إجراءات القبول كاختبار الكفايات من قياس ودون دمجهم في المفاضلة مع المتقدمين والمتقدمات من الخريجين الجدد.
كم أتمنى أن تزف البشارة الثانية لهؤلاء فيفرحون ويفرحن فهم أبناء وبنات هذا الوطن المعطاء وليس كثيراً أن يحصلوا ويحصلن على الوظائف التي تعينهم على أن يعيشوا حياتهم بسعادة واستقرار واطمئنان.
المصدر: صحيفة اليوم