كم معدّل بطالة السعوديين؟
عبدالحميد العمري
أظهرتْ أحدث البيانات الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامّة والمعلومات عن معدل بطالة السعوديين، أنّها تراجعتْ إلى 11.7 في المائة بنهاية 2013 “6.1 في المائة للذكور، 33.2 في المائة للإناث”، مقارنةً بنحو 12.1 في المائة عن 2012 “6.1 في المائة للذكور، 35.7 في المائة للإناث”. كما يبدو من القراءة التفصيلية للبيانات الصادرة، أنّ البطالة بالنسبة للذكور لم تتغيّر مقابل انخفاضها بالنسبة للإناث، علماً بأن بيانات المصلحة أوضحتْ ارتفاع عدد العاطلين السعوديين بالأرقام المطلقة للفترة نفسها من 602.9 ألف عاطل بنهاية 2012، إلى أكثر من 622.5 ألف عاطل بنهاية 2013.
هل هذه البيانات دقيقة؟ وبالتالي هل معدّل البطالة أعلاه دقيق؟ هذه الأسئلة وغيرها سيظل مشروعا طرْحها حتى يتم إغلاق باب “التضارب” في بيانات سوق العمل المحلية، ذلك “التضارب” الناتج عن الاختلاف الكبير بين ما تصدره مصلحة الإحصاءات من جانب، ومن جانبٍ آخر ما يصدر من بيانات عن وزارتي الخدمة المدنية والعمل، وكل البيانات تتحدّث عن الموضوع ذاته؛ وهو هنا سوق العمل المحلية.
حسب بيانات مصلحة الإحصاءات العامّة بنهاية 2013، تجاوز إجمالي العمالة في سوق العمل 10.7مليون عامل، بلغ عدد العاملين السعوديين أكثر من 4.7 مليون عامل سعودي “44 في المائة من الإجمالي”، فيما بلغ عدد غير السعوديين نحو ستة ملايين عامل غير سعودي “56 في المائة من الإجمالي”. وحسبما تبيّن أعلاه، بلغ عدد العاطلين السعوديين 622.5 ألف عاطل، ومن ثم يصبح إجمالي القوة العاملة السعودية “مجموع العاملين والعاطلين” 5.34 مليون عامل وعاطل، وبقسمة عدد العاطلين على إجمالي القوة العاملة، نتج لدينا معدّل بطالة 11.5 في المائة.
أمّا حسب بيانات وزارتي الخدمة المدنية والعمل للعام نفسه، فقد بلغ إجمالي العاملة في سوق العمل 10.8 مليون عامل، بلغ عدد العاملين السعوديين نحو 2.6 مليون عامل سعودي “24 في المائة من الإجمالي”، فيما بلغ عدد العاملين غير السعوديين أكثر من 8.2 مليون عامل غير سعودي “76 في المائة من الإجمالي”. بالنسبة لعدد العاطلين عن العمل، فوفقاً لـ ”استراتيجية التوظيف السعودية” صفحة 29، التي صرّحتْ وزارة العمل التزامها التام بها، أنّ الاستراتيجية لا تقبل استبعاد أي فئةٍ من العاطلين حسبما تعمل به مصلحة الإحصاءات العامّة، ولا بنتائج المسح الذي شمل عيّنة ضيقة من الأسر، ما دعا الاستراتيجية للقول إن تلك الطريقة المتبعة تُنتج لدينا ”معدل بطالة” غير دقيق، وأنّه لا يعبّر أبداً عن واقع سوق العمل المحلية، ولا عن الحجم الحقيقي للباحثين عن عمل. وفقاً لرؤية الاستراتيجية هنا، فإنّها تميل إلى الاعتماد على بيانات “حافز”، التي تبيّن عدد العاطلين الفعلي والبالغ وفقاً لآلية وزارة العمل بنهاية 2013 بعد خصم العاملين الجدد وإضافة طالبي العمل الجدد أكثر من 1.2 مليون عاطل.
الآن بمقارنة البيانات المتوافرة؛ سيظهر لدينا انخفاض في العمالة السعودية بأكثر من 2.1 مليون عامل سعودي، وزيادة في العمالة غير السعودية بنحو 2.2 مليون عامل غير سعودي! امتدَّ “التضارب” بين البيانات بطبيعة الحال إلى الجزء المعبّر منها عن زيادة التوظيف؛ فوفقاً لبيانات مصلحة الإحصاءات، زاد عدد العاملين السعوديين خلال الفترة 2010-2013 بنحو 762 ألف عامل سعودي، فيما بلغتْ الزيادة في توظيف السعوديين للفترة نفسها وفقاً لبيانات وزارتي الخدمة المدنية والعمل نحو 978.9 ألف عامل سعودي!
أمام كل ما تقدّم ذكره من “تضاربٍ” في بيانات سوق العمل المحلية، هل يؤمّل أن نتوصّل إلى معدلٍ دقيق لقياس البطالة بين السعوديين؟ (للتذكير؛ يتم احتساب معدّل البطالة وفق المعادلة التالية: عدد العاطلين “مقسوماً” على مجموع القوّة العاملة من عاملين وعاطلين). الآن؛ لنستقرئ الاحتمالات التالية لمعدّل البطالة بنهاية 2013، قياساً على تلك البيانات الرسميّة المنشورة أعلاه، وذلك حسب كل مصادرها:
الاحتمال الأول: أنْ يبلغ معدّل البطالة كما نشرته مصلحة الإحصاءات العامّة والمعلومات فعلاً 11.7 في المائة، اعتماداً على أن عدد العاطلين يبلغ أكثر من 622.5 ألف عاطل، نسبةً إلى إجمالي قوة عمل سعودية تبلغ 5.34 مليون عامل وعاطل.
الاحتمال الثاني: أنْ تتم نسبة عدد العاطلين الصادر عن مصلحة الإحصاءات “622.5 ألف عاطل”، إلى إجمالي قوة العمل السعودية، بالاعتماد هنا على عدد العاملين السعوديين وفقاً لوزارتي الخدمة المدنية والعمل، التي ستبلغ وفق هذا الاحتمال أكثر من 3.2 مليون عامل وعاطل. بناءً عليه سينتج لدينا معدّل بطالة يبلغ 19.4 في المائة.
الاحتمال الثالث: أنْ تتم نسبة عدد العاطلين وفقاً لبيانات “حافز” وزارة العمل البالغ “1.22 مليون عاطل”، إلى إجمالي قوة العمل السعودية، بالاعتماد هنا على عدد العاملين السعوديين وفقاً لمصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، التي ستبلغ وفق هذا الاحتمال أكثر من 5.9 مليون عامل وعاطل. بناءً عليه سينتج لدينا معدّل بطالة يبلغ 20.6 في المائة.
الاحتمال الرابع: أنْ يتم الاعتماد بالكامل على بيانات وزارتي الخدمة المدنية والعمل، وبناءً عليه القيام بنسبة عدد العاطلين “1.22 مليون عاطل”، إلى إجمالي قوة العمل السعودية البالغة أعلى من 3.8 مليون عامل وعاطل، بالتالي سينتج لدينا معدّل بطالة يبلغ 32.1 في المائة.
لقد أنتج هذا “التضارب” اللافت والقديم في بيانات سوق العمل المحلية أربعة معدلات للبطالة، تبدأ من 11.7 في المائة وتنتهي بـ 32.1 في المائة! هل سنرى معالجة جادة وسريعة لهذا “التضارب” في البيانات؟ هل سيسهم بدء عمل “مرصد” معلومات سوق العمل الذي أعلنتْ عنه وزارة العمل قبل أكثر من عامين، في سدِّ هذه الفجوة والتضارب؟ وعلى أقلِّ تقديرٍ في الوقت الراهن؛ هل يصدر أي تفسيرٍ أو إيضاح من أيّ من الجهات المعنيّة المذكورة أعلاه حول هذه القضيّة المهمّة؟
المصدر: صحيفة الاقتصادية