لماذا لا يستعان بالكوادر القانونية في السلك القضائي؟!
سعود بن عبدالعزيز المريشد
القضاء هو حصن العدل ومنبع العدالة، وملجأ المظلومين لاستجلاء ما لحق بالذمم من التزام، واسترداد ما اعترى الحقوق من انتقاص، وحفظ ما مس الحريات من تعدّ؛ والعدالة هي العنوان الصريح لاستقلال القضاء، والشعار الواضح لشموخ مرفقه وهيبة مؤسسته، والرد الوافي لصلابة أساس أحكامه وسلامة منطلقها.
والعدالة الناجزة تمثل التطبيق الحقيقي لمفهوم العدالة، والتي بها تتحقق الغاية من اللجوء للقضاء؛ ونقيضها بطيء العدالة والتي تعد بمثابة إخفاق للعدل ولكل قيم الفضيلة، بسبب ما يصيب ناشدي العدالة من ظلم وضرر مزدوج، نتيجة لما تحفل به رحلة البحث عن العدالة وإجراءاتها من صعوبات، ومن أوضح الصور العملية على ذلك ما يعرف بإطالة أمد التقاضي، ولهذا يقال (العدالة البطيئة ظلم) وبطء إجراءاتها جور آخر؛ وبطء العدالة له أسباب لا يمكن إلقاء اللائمة بها كلها على المؤسسة القضائية وحدها كما يظهر ذلك في دعاوى النكاية، ولكن ذلك لا يعفيها من مسؤولية الكشف عن معوقات العدالة ووضع الحلول لها؛ كما أن العدالة الناجزة لها متطلبات ولكن لا يمكن للبيئة العدلية الإيفاء بها وحدها دون شراكة وتعاون المستفيدين من خدماتها معها، كما في حالة تلكؤ المتقاضين بتقديم طلبات القضاء؛ ومع ذلك تظل العدالة الناجزة أحد أهم ثمار العدالة، ولها مقومات وركائز تقوم عليها، منها: وجود القضاء المتخصص لتسريع وتيرة الأحكام وتميزها، وفرض الرسوم القضائية للحد من القضايا الكيدية، وخصخصة الأعمال القضائية المساندة لتفريغ القضاة لما هو أهم؛ ولكن يبقى العنصر البشري (القضاة) هو العامل الفاعل في إدارة العدالة وعدالته في إدارتها لا تترجم إلا ببلوغ هذه العدالة بصورة ناجزة بصرف النظر عن نتائجها.
إن العدالة وما تستلزمه من سرعة في البت في القضايا أضحت اليوم ضرورة لمسايرة متطلبات النمو السكاني المضطرد، ومواكبة ما يعيشه الوطن من نهضة تشريعية متسارعة، هذا فضلا عن ما تطلبه بيئة المال والأعمال من مقومات للثقة بالبيئة العدلية لحماية مصالحها وعلاقاتها التجارية؛ أخذا في الاعتبار ما يعيشه الوطن في هذا العهد الميمون من حراك غير مسبوق في مجالات عدة، والذي تشكل العدالة الناجزة رافدا مهماً لنجاح كثير من مبادراته وبرامجه، بل ان العدالة الناجزة هي أحد أهم مؤشرات الأداء التي تحتاج المؤسسة القضائية العمل عليه للوفاء بمستهدفات والتزامات #رؤيةالمملكة2030 إجمالا. ان مقومات التميز العدلي المنشود والعدالة الناجزة أحد أهم صورها ليست صعبة المنال، ولا نشكك فيما تبذله المؤسسة القضائية والقائمين عليها من جهود تطويرية عبر مشروع “تطوير مرفق القضاء” وما تمخض عنه من قفزات ملموسة في عمل البيئة العدلية، بدءاً من إطلاق منظومة المحاكم المتخصصة وقضاء التنفيذ والتوثيق والتدريب العدلي، والذي يعكس ما توليه حكومتنا الرشيدة من اهتمام ودعم لا محدود للرقي بأعمال البيئة العدلية وتحسين خدماتها؛ لكن المشكلة تكمن في أنه مازال هناك من يرتاب عند سماع المطالبة بتطوير العمل القضائي وتحديثه ليتماشى مع كل ما هو جديد حولنا، مع أن الأمر لا يمس الثوابت المطلقة، والغاية منه التيسير على المتقاضين.
ولهذا نقول إن احتياجات المرحلة وحاجة المؤسسة القضائية تستلزم إعادة التفكير جديا في الاستعانة بخريجي القانون كقضاة وتحديدا في القضاء المتخصص (التجاري، العمالي، المروري) والمبني على أنظمة (قوانين) صادرة من ولي الأمر؛ فالقانونيون مؤهلون للتعاطي مع ذلك بكفاءة يسندهم في ذلك ما تلقوه من تعليم وتأسيس قانوني لا يختلف عما قام به نظراؤهم القانونيون من دور في مرحلة صياغة وسن هذه الأنظمة نفسها، ويحكمهم ما تحتويه هذه الأنظمة من مواد؛ فخريجو القانون تلقوا تعليمهم بشكل نظامي في وطنهم ومن العدل والعدالة وحقهم على وطنهم أن يمكنوا من اعتلاء كرسي القضاء للتصدي للأقضية في القضاء المتخصص، ويترك لأقرانهم من المتخصصين في العلوم الشرعية التصدي للفصل في القضايا الشرعية التي مصدر الحكم فيها من الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة. إن تقييمنا للأمور يجب أن يكون محوره مصلحة الوطن والمواطن، وأن نتخطى القشور ونبتعد عنها ونحسن الظن بأبنائنا ونضع فيهم الثقة أسوة بغيرهم، وأن يكون هناك نظرة متوازنة وصولاً إلى ما يحقق تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن مما سوف يسرع من عجلة البت في القضايا وسيسهم في ولادة أحكام قضائية نوعية من حيث الإسناد والتسبيب.