موارد بشرية مبعثرة
د. إحسان بوحليقة
ننظر حالياً لسوق العمل فنجده يعتمد، ولسنوات مضت، على العمالة الوافدة. ورغم الحراك الذي أصابه مؤخراً من زيادة الطلب على وظائف الدخول للسعوديين والسعوديات، إلا أن أمامنا سؤالا ضخما لا مفر من الإجابة عنه: هل نستغل مواردنا البشرية المواطنة استغلالاً مرضياً؟ ومن المهم إدراك أن مسئولية تنمية وتطوير وتوظيف الموارد البشرية حالياً مقسمة بين عدة جهات؛ فحالياً تتولى وزارة العمل تنظيم سوق العمل وتوظيف الموارد البشرية خارج القطاع الحكومي، أما الجهاز الحكومي فتتولى شئون التوظيف فيه وزارة الخدمة المدنية.
وعند الحديث عن الموارد البشرية فالأمر لا يبدأ بالتوظيف، فحتى بكون بوسع الوزارتين التوظيف فلا بد أن يتاح لديهما موارد بشرية مطورة، أي متعلمة ومؤهلة لشغل الشواغر في سوق العمل، وهذا يشمل التعليم العام والجامعي أو المهني أو الحرفي.
قوة العمل هي أثمن مورد يمتلكه أي اقتصاد، فينبغي استغلاله أفضل استغلال، لأسباب ليس أقلها أن الموارد البشرية تتعاظم ولا تنضب –عكس النفط- كلما استغلت زادت ونمت فأبدعت وابتكرت
ونتيجة لتقسيم شئون سوق العمل السعودي إلى جزءين؛ الحكومي والقطاع الخاص، لكل تشريعاتها ولوائحها، هذا فيما يتعلق بالتوظيف، أما ما يتعلق بالتطوير فذاك أمر موزع بين أجهزة عدة. ولن يتسع المجال للخوض في تناول مطول، ولكن لا بد من النظر لمنظومة الموارد البشرية في المملكة العربية السعودية من شقين لكل منهما جهة إن لم تتول إدارته برمته فلا أقل من التنسيق له من خلال مجلس أعلى، وهذان الشقان؛ شق العرض وهو يبدأ بالتعليم العام وبعد ذلك التعليم المتوسط والجامعي والمهني والتقني والحرفي والتأهيل وإعادة التأهيل. والشق الثاني يتعلق بإدارة الطلب من خلال التوظيف في الحكومة والقطاع الخاص. والقضية ليست مشاحة في مصطلحات، لكن التسميات وعاءٌ للمعنى، فمفهوم التوظيف يعني التسكين على وظيفة، أما تطوير الموارد البشرية فدلالته أوسع؛ منها التوظيف والقوى العاملة وتطوير المهارات والعلاقات العمالية والتأمينات الاجتماعية. كما أن له وظيفة لا تقل أهمية وهي السعي للارتقاء بنوعية الموارد البشرية المحلية المتاحة حتى يكون بوسعها أن تنافس، فنحن حالياً نلهج بأهدافنا، ومنها أن نجعل الموارد البشرية السعودية رأس الحربة في تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي، ولكن كيف؟ ومن يقوم بهذه المهمة الخطيرة، فهي الركيزة لتنويع الاقتصاد السعودي وللرفع من القيمة المضافة المحلية ولتحقيق تقدم في نمو أنشطة الاقتصاد المعرفي محلياً. فهذه الوظائف لن تتحقق عفو الخاطر، ولن يكفي لتحقيقها مجرد وجود جامعات بل لا بد من وضع الهدف ووضع خطط تنفيذية وأجهزة لتحقيقه.
بمعنى أن وزارة الموارد البشرية ستجمع الشتات، فقوة العمل هي أهم مورد للإنتاج لأي بلد، الأمر يختلف نوعاً في بلدنا؛ فاقتصادنا يرتكز إلى النفط، الذي يمثل المصدر الأهم لإيرادات اقتصادنا الوطني، مما يجعل القيمة المضافة التي تولدها بقية الأنشطة الاقتصادية محدودة القيمة نسبة لما يجلبه النفط، يضاف لذلك أننا نعتمد هيكلياً على العمالة الوافدة في جميع الأنشطة الاقتصادية حصراً، سواء أكانت زراعة أو صناعة أو تجارة أو خدمات مالية أو بناء وتشييدا، كما أن اقتصادنا يعاني في توظيفه لقوة العمل المحلية (المواطنة) إما من بطالة أو محدودية توظيف (كما هو الحال مع النساء) أو التوظيف في وظائف هامشية. وهذا الواقع يستدعي الارتقاء به وفق خطة تفضي إلى تحسين توظيف الموارد البشرية كما ونوعاً، وجعلها هي مرتكز سوق العمل وعماده. ولن يتحقق هذا الأمر بين عشية وضحاها، بل من خلال جهد منسق بين جهات تدرك أن قوة العمل مورد نادر وثمين ينبغي استغلاله أفضل استغلال والسعي به ليحل في الصدارة التي احتلها النفط لعقود، أقول ذلك ليس انتقاصاً للنفط، بل اعتدادا بمواردنا البشرية المواطنة؛ فهي التي بوسعها أن توفر للمملكة ميزة تنافسية مستديمة إذا ما أحسنا تنميتها وتوظيفها، أما النفط فناضب لا محالة. أما ما يجعل الموارد البشرية حرج الأهمية في وقتنا الرهن، فهو أن الكفة آخذة في الميلان لصالح الأنشطة البشرية القائمة على مساهمة العقل والمعرفة ولا سيما في قطاعات التقنية وكل ما يستند إلى الابتكار والابداع سواء في علم المواد أو الاتصالات أو علم النانو أو في نشاط اقتصاد تقليدي كقطاع الخدمات، وعلى حساب القطاعات التقليدية.
المصدر: صحيفة اليوم