نحن وهم.. مجلس غائب ومقارنة غير عادلة!
بندر بن عبد العزيز الضبعان
نحن
يخلع ”بشته” المطرز، ويجلس مجربا الكرسي المتحرك أمام كاميرات الإعلام، يوزع هذا المسؤول الابتسامات بسخاء، وما إن ينصرف حتى يمضي الجميع لحال سبيلهم فيتركون الكرسي وأصحابه وحيدين..
هم
تلاحظ من ضمن ما ترصده عيناك في الخارج، مدى اندماج فئة ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع الغربي. عيناك ترصد ”العلامة الزرقاء”، صورة ذلك الجالس على كرسي متحرك. ترى ”العلامة” تعلو أو تنتصب على المداخل والمخارج، الممرات والمصاعد، طوابير الخدمة ودورات المياه ومواقف السيارات، تراها مرسومة على مقاعد المطاعم ودور السينما ووسائل النقل، وفوق كل ذلك مراعاة تلك الفئة من حيث أسعار السلع ورسوم الخدمات. إنها ”منظومة خدمات متكاملة” تأتي بمثابة اعتراف كامل لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وأنهم فئة تحيك مع بقية الفئات نسيج المجتمع، فئة مندمجة غير معزولة كما هو الحال في عالمنا العربي!
نحن
بحلول هذا الشهر الفضيل، يمر 12 عاما على ”نظام رعاية المعوقين” الذي صدر بموجب المرسوم الملكي ذي الرقم (م/37)، وتاريخ 23/09/1421هـ. جاء في فترة ذهبية من تاريخ التشريع السعودي صدر خلالها النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، وهي ركائز قامت عليها الدولة الحديثة. إلا أن أصحاب الشأن يرون أن ”نظام رعاية المعوقين” يعاني مشكلة جسيمة لم تحل وتتمثل في الحاجة إلى تفعيل أهم مواده: ”المادة الثامنة”. فهذه المادة تقضي بإنشاء ”مجلس أعلى لشؤون المعوقين”، يرتبط برئيس مجلس الوزراء ويتألف من رئيس وسبعة أعضاء يمثلون القطاع الحكومي بالإضافة إلى ستة يمثلون المجتمع: اثنان من ذوي الاحتياجات الخاصة، واثنان من رجال الأعمال، واثنان من المختصين بشؤون الإعاقة.
هم
22 عاما تمر على صدور ”قانون الأمريكيين ذوي الإعاقات” الذي يقنن معاملة هذه الفئة ورعايتهم وتأهيلهم ويحظر كافة أشكال العنصرية التي تمارس ضدهم، وخاصة العنصرية التي يمارسها بعض أصحاب العمل. إذ يلزمهم هذا القانون بتعديل مكان العمل بما يتناسب مع متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة (كإعادة تصميم الوظيفة، وتعديل أوقات الدوام، وتوفير الأجهزة اللازمة أو تعديلها).
نحن
لو لاحظنا فإن المادة الثامنة من ”نظام رعاية المعوقين” تحتاج أصلا إلى تحديث. إذ إنها تنص على أن يضم المجلس الأعلى لشؤون المعوقين عددا من المسؤولين الحكوميين، منهم من أعيدت هيكلة أجهزتهم الإدارية:
- وزير العمل والشؤون الاجتماعية (وزارته انفصلت إلى وزارتين).
- عضوية وزير المالية والاقتصاد الوطني (نقل اختصاص الاقتصاد إلى وزارة التخطيط).
- عضوية وزير المعارف (تحولت إلى وزارة التربية والتعليم منذ زمن!).
- عضوية الرئيس العام لتعليم البنات (جهازه الإداري دمج كليا مع وزارة التربية).
لذلك نحتاج، قبل تشكيل المجلس، إلى تعديل المادة الثامنة بحيث تنص بما يتماشى مع المستجدات الإدارية على ”عضوية محدثة” للمسؤولين الحكوميين في المجلس مع ضرورة إشراك وزيري الخدمة المدنية والعمل ليتم مراعاة العاملين من ذوي الاحتياجات الخاصة.
فالحاصل أنه في ظل غياب هذا المجلس الذي طالبت به ”الفئة الغالية” وكل من يناصرها عبر القنوات الرسمية والشعبية، هناك وزارتان تعملان لوحدهما: وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الشؤون البلدية والقروية. فالوزارة الأولى (عضو في المجلس الغائب) ترعى 720 ألف سعودي من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهي مهمة من ضمن 12 مهمة تؤديها الوزارة وتشمل: مكافحة التسول، والتنمية الاجتماعية، والإشراف على الجمعيات التعاونية، والجمعيات الخيرية، والإرشاد الاجتماعي، والإعانات الاجتماعية، ورعاية الطفولة والأيتام، ورعاية المسنين، ورعاية الأحداث، والحماية الاجتماعية، والضمان الاجتماعي.
أما وزارة الشؤون البلدية والقروية (عضو في المجلس الغائب) فقد أخذت على عاتقها اعتماد الاشتراطات الخاصّة بالخدمات البلدية المتعلقة بالمعاقين من خلال المعايير الفنية والتصميمية التي يجب مراعاتها عند تصميم المشاريع، بما يمكّن المعاق من الاستفادة من الخدمات المحيطة به وتمكينه من المشاركة في الحياة الاجتماعية.
نحن مرة أخرى
الإخوة فالح الهاجري، ويحيى السميري، ويحيى الزهراني، وغيرهم كثر لم يتوقفوا عن الدعوة لتشكيل المجلس الأعلى لشؤون المعوقين، ولم يبق باب جهة حكومية إلا وطرقوه، ولم تخل تغريداتهم في ”تويتر” من المطالبة بذلك الغائب. فالمؤمل أن يسهم المجلس عند قيامه في إرساء ثقافة تحترم ذوي الاحتياجات الخاصة وتأسيس بنية تحتية مخصصة لهم تيسر عليهم الحياة، ومن ذلك:
– توفير خدمات متكاملة لذوي الاحتياجات الخاصة عن طريق ”التطبيق الفعلي” للمعايير الهندسية والفنية في بيئة العمل والشوارع والمواقف والمرافق العامة والخاصة ووسائل النقل لتسهيل حركة وتنقل ومرور تلك الفئة.
– المراعاة القانونية لذوي الاحتياجات الخاصة عن طريق تعديل أنظمة الخدمة المدنية والعمل والتقاعد المدني والتأمينات الاجتماعية بما يتماشى مع ظروفهم واحتياجاتهم.
– تحسين مستوى ”خدمة العملاء” لذوي الاحتياجات الخاصة وتسريع وتيرتها في كافة الجهات العامة والخاصة.
هم أخيرا
الكل هناك مؤمن بقضية الإنسان وقيمته دون الحاجة إلى تجربة أي كرسي متحرك أمام الفلاشات!
المصدر : صحيفة الإقتصادية