«نزاهة»: مشروع لحماية المال العام في إطار الحرب على الفساد
سعيد الزهراني – الطائف
شف تقرير رسمي لهيئة مكافحة الفساد «نزاهة» عن الاتجاه لإقرار قواعد الذمة المالية والقسم الوظيفي لبعض فئات العاملين في الدولة في مختلف القطاعات، ومسميات وظائف لابد لمن يقوم بممارستها بإقرار قواعد الذمة المالية وأداء القسم الوظيفي، إضافة إلى مشروع آخر وهو مشروع نظام حماية المال العام.
ومن المتوقع أن تسهم هذه المشروعات في حالة إقرارها في الحد من الفساد المالي والإداري، ما سيؤدي إلى الارتقاء بالخدمات المقدمة عبر مختلف الجهات الحكومية والحفاظ على المال العام وتوجيه الموارد الحكومية إلى طريقها السليم في سبيل التنمية في مختلف المجالات.
أكد التقرير أن «نزاهة» قامت بزيارة عدد من الجهات الحكومية بهدف التأكد من توفر أساليب وإجراءات عمل واضحة لتقديم الخدمات للمراجعين وآلية الحصول عليها وتوثيق إجراءات الحصول على الخدمات المقدمة.
كما ركزت «نزاهة» على التوعية بالخدمات الالية وغير الآلية التي تقدمها الجهة الحكومية، وإجراءات الحصول عليها، والتأكد من تقديم الخدمات بشكل إلكتروني وتفاعلي للخدمات التي تستوجب حضور المستفيدين لمقر الجهة.
الذمة المالية أشبه ما تكون بوعاء يحوي الحقوقَ والالتزامات المالية، التي تترتب للشخص في الحال والمستقبل.
إقرار الذمة المالية أو إفصاح الشخص عن ممتلكاته لم يكن في وقت مضى سرًا لا يجوز البوح به، وشاهد ذلك ما امتلأت به كتب السير من ذكر لثروات القرون الماضية.
أصدق ما يقال في هذا الباب، ما نقل عن الخليفة الراشد عمر الفاروق رضي الله عنه، أنه إذا أراد أن يولي أحدًا كتب ماله قبل أن يبعثه إلى مكان ولايته .
هكذا يتجلى لنا أن إقرار الذمة المالية مما تقتضيه السياسة الشرعية ، لاسيما لمن أراد العمل في مكان يسند إليه فيه مهمة شريفة كحماية النزاهة ومكافحة الفساد، فكانت المصلحة بيَنة في بوح الموظف بذمته المالية.. والإقرار يعتبر « وثيقة براءة لا وثيقة اتهام » ، تحمل في طياتها الشفافية والسرية.
الشفافية تبدأ من حيث شرع الموظف بكتابة إقراره فهو الرقيب على ذاته، وهو المسؤول عما يسطره قلمه، والسرية تنطلق من حرص إدارة إقرارات الذمة المالية عليها.
القسم الوظيفي فهو عهد وميثاق.. يقول الله تعالى: {أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون}.
بتأمل هذا النص القرآني الكريم ، نجد أن اليمين (القَسَم الوظيفي) قبل ممارسة العمل الوظيفي تذهب بالمُقسِم إلى مدى أبعد من مجرد خشية المخالفة، إجلالًا ومهابة للقسم الذي أدلى به.
أداء اليمين يعد محفزًا على الأمانة وتحقيق النزاهة وحمايتها، ومبعدًا عن مظاهر الفساد.. وقد اتفقت المذاهب الفقهية الأربعة على أن الأصل في الإتيان باليمين هو الجواز، ومما لاشك فيه أنه متى ما كانت المصلحة تقتضيه فإنه ربما ينتقل إلى الاستحباب.
نقل المؤرخون عبر مصنفاتهم شواهد تؤكد أن القَسَم الوظيفي ليس بدعًا من التنظيم، بل هو إرث سياسي وتنظيمي
من ذلك أن الجند كانوا يبايعون الخليفة العباسي المنصور موثقين ذلك بأداء اليمين بين يديه.
أداء القسم الوظيفي ليس مجرد التزام شرفي لا أثر له؛ بل إن الإخلال ب «القسم الوظيفي» يترتب عليه مفسدتان، أولاهما مخالفة الشرع، والثانية مخالفة العقد، والمصلحة المقصودة هي تأكيد الالتزام تجاه العمل الوظيفي.