د. أمل الطعيمي

ملف قديم ولكنه يجب أن يفتح مراراً وتكراراً؛ إنه ملف حضانة الأطفال، فكم من أم تفتت قلبها على أبنائها بسبب تصرف غير انساني من الزوج، أو ممن قد يعينه في السلك القضائي على ذلك الأمر الذي يخالف الشريعة مخالفة واضحة. فالقرآن والسنة فيهما من الدلائل المباشرة وغير المباشرة ما يمنح الأم حقها في رعاية أبنائها واحتضانهم. مما يجعل من يطلع على بعض قصص حرمان الأم من طفلها  يأسى على حال الأمهات والأطفال الذين تعرضوا لذلك الظلم الذي وقع عليهم. وكان من الواجب ألا تغلب الأهواء الشخصية والرغبة في الإساءة إلى الأم بالإساءة إلى الدين الذي يدعم تلك العلاقة بين الأم وطفلها ويعلم قوة الحاجة لدى كل واحد منهما إلى الآخر في كل المراحل العمرية، فكيف إذا كان الأبناء صغاراً؟ كم هو قاس ومؤلم أن تسمع أن تلك الأم قد اغتصبت أمومتها واستبيحت مشاعرها بعد أن سحب منها أطفالها دون أن تهتز لمن ارتكبوا ذلك الجرم شعرة؛ لأن ما في نفوسهم تغلب على ما يجب أن يكون.

وإذا افترضنا أن كره الأم أو الغضب عليها قد وقع، فكيف يقسو الأب على أبنائه بحرمانهم من أمهم وهو يعرف أنه لا يوجد من يعوضهم حنانها وحبها ولا حتى هو؟! ومن هنا أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام بحقوق مضاعفة للأم حين رددها ثلاثاً لمن سأله من أحق الناس بحسن صحابتي يارسول الله فقال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم يأتي الأب في الرابعة؛ فللأم ثلاثة حقوق وللأب حق واحد فقط. ومع هذا بلغت الجرأة على الدين والمشاعر أن يسحب الطفل من رعاية أمه وهو رضيع لم يفطم !! أين تلك التصرفات مما قاله محمد صلوات الله عليه لمن جاءته تشكو تجريدها من طفلها (أنت أحق به ما لم تنكحي)، كما أن الشرع لم يترك الأمر بعد زواجها معلقاً بانتظار من يفتي به بل جعل لتلك الحالات حلولاً كثيرة ليأخذ منها الناس ما يتناسب مع كل حالة دون جور وبهتان. وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعن الله من فرق بين الوالدة وولدها. من كل ذلك يتبين لنا أن الاصل في حضانة الأطفال حق للأم أولاً.

ولكن ما يحدث على أرض الواقع يخالف ذلك تماماً، فيالطفولة المستباحة التي تعرضت لأسوأ ما يمكن أن تتعرض اليه من العنف الجسدي والنفسي حتى وصل الأمر إلى الموت. ومازالت القضايا نفسها تتجدد وتتكرر في المحاكم! وكم من مرة سمعنا فيها عن نساء ساوموهن في أغلى ما وهبهن الله عندما يكون الطلاق مقابل التنازل عن الأبناء. فإما أن ترفض وتضطر للعودة إلى بيت الزوجية كارهة، أو أن تشتري حريتها بإسقاط حقها في أبنائها وهنا يتضاعف الألم بتضاعف الظلم. إن الطفل الذي يتعرض لمثل تلك القسوة غير القانونية بحاجة ماسة لمن ينصفه ويغلب مصلحته انطلاقاً من الوصايا الدينية الكثيرة التي تراعي طفولته وحاجته لأمه قبل حاجتها إليه. أما آن الأوان اليوم لتخضع حقوق الطفل لقوانين ثابتة وصارمة لا يسمح للرغبات الخاصة أن تخترقها وتعتدي عليها فتؤذي النفوس والأجساد ايذاء يبقى كوشم لا يزول في القلب والذاكرة.
أما آن أن تكفف دموع النساء وتعالج أفئدتهن الفارغة؟ بعد سنوات طويلة من المعاناة قضينها في أروقة المحاكم واستجداء القريب والبعيد لتسترد حقاً منحه لها رب الكون وانتزعه منها الإنسان.

المصدر: صحيفة اليوم