يتعاظم حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين – حفظهما الله – على العدل والمساواة وحقوق الإنسان، ولكي تكون الأنظمة الجزائية والحقوقية واضحة ومنصفة وعادلة وإجراءاتها واضحة أمام الجميع يحرصون على كل ما فيه تطوير للأنظمة، وما فيه إصلاح جوهري لجميع القطاعات والأنظمة في الدولة حتى يتم تحقيق رؤية المملكة، ومن هذا المنطلق حرصت الحكومة -أيدها الله – على أهمية وجود نظام مستقل للأحداث كنقلة نوعية في التشريع، تضمن الحقوق وتحدد العقوبات، وقد صدر مرسوم ملكي في التاسع عشر من ذي القعدة العام 1439، بالموافقة على نظام الأحداث، والذي سبق أن عرض على مجلس الشورى وأخرج قراره في 20 رجب العام الماضي بالموافقة على اللائحة التنظيمية لدور الأحداث، والتي أعطت الضوء لإيجاد عقوبات بديلة للحدث وحددت في المادة (15) الفقرة الثانية أن الحدث لا تطبق عليه عقوبة السجن بل يودع في الدار مدة لا تتجاوز نصف مدة العقوبة القصوى المقررة وفي حال كانت الجريمة قتلاً فلا تزيد مدة الإيداع على عشر سنوات.

الهدف الأساس لنظام الأحداث تعديل السلوك والإصلاح.. وإلغاء الإعدام يعطي فرصة لتأهيل الفرد

ويقول الدكتور عبدالله عايد البلوي رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب بمجلس الشورى رداً على أسئلة “الرياض”: وولاة الأمر – يحفظهم الله – يخطون خطوات لسد كل فراغ تشريعي، وتطوير مرفق القضاء، وتطوير الأنظمة القائمة وفق المبادئ الثابتة للمملكة والمستمدة من كتاب الله والسنة النبوية مراعية ما يضمن العدل والمساواة وحماية حقوق الإنسان، والتطوير يصب في الرؤية، والوصول إلى حكومة فاعلة تنتهج الشفافية والمساءلة، وعن الأثر المرجو من إلغاء عقوبة الإعدام لمرتكب جريمة تستوجب عقوبتها القتل قبل تمام الثامنة عشرة وما مدى انعكاسها على المجتمع والإصلاحات التي تباشرها قيادة المملكة، تطرق الدكتور البلوي إلى فوائد وانعكاس وجود نظام للأحداث نظراً لطبيعة هذه الفئة، وقال: إن الهدف الأساسي من النظام هو تعديل السلوك والإصلاح، وقد حدد عقوبات بحسب سن الحدث فلا يسجن إذا كان لم يتم الخامسة عشرة، وأبدلت بعقوبات أخرى، ومن المتوقع أن تحتوي اللائحة التنفيذية التي ستصدرها وزارة الموارد البشرية والتنمية على عقوبات بديلة، وكلها تهدف إلى تعديل السلوك، فإذا كان هناك خطأ يحدث من فرد بسبب سلوك معين فتقوم الأسرة بتعديل ذلك السلوك بشكل يضمن عدم تكراره وهذه هي التربية الحقيقية،

المملكة ملتزمة بالقوانين الدولية التي تجرم عقوبة الإعدام دون الـ18 ومتقدمة في حقوق الإنسان

فالنظام أعد بعين حفظ الحقوق وتعديل السلوك، والأثر يعود على المجتمع عامة، فمعروف أن في هذا السن يتصف الحدث بالاندفاعية وعدم التروي في سلوكه، وعدم القدرة على قياس التصرفات، وعدم النضج الكامل، وهو ما يؤثر على وعيهم وطريقة تفكيرهم وتناولهم كثيراً من أمور حياتهم مما ينتج عنه بعض السلوكيات التي قد تضعهم تحت طائلة قانون الجزاءات ومن ثم الحكم عليهم بأحكام تعزيرية أقصاها هو الحكم بالإعدام.

وأكد رئيس لجنة الأسرة والشباب أن إلغاء الإعدام يعطي فرصة الإصلاح والتأهيل وتعديل السلوك على الفرد، مما يجعل لديه شعوراً بالأمل في تجاوز تلك المحنة، ويجعله مقبلاً على الحياة مستوعباً ومستجيباً لكل أشكال تعديل السلوك التي يخضع لها من قبل دار الرعاية الاجتماعية الملحق بها ويعود على أسرته بمعرفتهم لأهمية التربية الصحيحة والمتابعة لأطفالهم، ومحاولة التغيير إلى الأفضل، وكذلك تخلق في المجتمع مبادئ إسلامية مهمة مثل الصبر، والتسامح والعفو عند المقدرة، ولفت الدكتور البلوي إلى أن المملكة ملتزمة بالقوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان التي تجرم عقوبة الإعدام على من هم دون الثامنة عشرة، كما أنها ملتزمة ومتقدمة خطوات كبيرة في حقوق الإنسان، والتزامها بحقوق الإنسان ركن أساسي في النظام الأساسي للحكم في مادته (26): تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية.

وحول أهداف نظام الأحداث الأبرز وما مدى واقعيتها والنتائج المأمولة منها على أرض الواقع، أجاب الدكتور عبدالله البلوي بقوله: إن النظام يهدف تفصيلياً إلى تنظيم إجراءات التقاضي والاتهام، والاحتجاز، وحفظ حقوق الحدث، ويحدد مكان وطريقة المحاكمة، ويحدد الإجراءات والعقوبات التفصيلية، وقد راعى نظام الأحداث سرعة الفصل في قضايا الأحداث ومنحها أولوية كبيرة، وأكد النظام أن توقيف الأحداث لا يتجاوز خمسة أيام، ولا يزيد على 15 يوماً للضرورة، وجل ما ورد في النظام يصب في حفظ حقوق الحدث، وعدم تعدد جهات الإيداع في الدار وحصر الحق للنيابة العامة، والمساهمة في تعديل سلوك الحدث من خلال عقوبات متوازنة وإتاحة مجال العقوبات البديلة بالإضافة إلى التأهيل، ومن فوائد النظام أنه سيعمل على تقليل عدد المحتجزين في الدور، وعلى التوجيه الاجتماعي والسلوكي لهم، وعلى متابعة ولي الأمر لأبنه في إجراءات القضية كافة.

ومن منطلق مسؤولية لجنة الشؤون الاجتماعية ولتلمس الأثر الفعلي للنظام على أرض الواقع قامت بزيارات ميدانية إحداها كان إلى دار الملاحظة الاجتماعية بالرياض، وتبين للجنة عدد من الأمور التي تصب في الأثر الإيجابي لنظام الأحداث ومن أهمها حسب حديث رئيس اللجنة لــ”الرياض” قلة عدد النزلاء في مدينة الرياض، والسبب في ذلك حصر الإذن في الإيداع في الدار على النيابة العامة ولمدة محددة لا تتجاوز خمسة أيام، وتمدد في حال الضرورة لمدة أقصاها في المجمل 15 يوماً، وهذا أدى إلى عدم أحقية أي جهة غير النيابة بالإيداع، فالإيداع بموجب اتهام، وقد كان العدد في وقت الزيارة حوالي (150) حدثاً، بينما في العادة يتجاوز 400 حدث، يمثل السعوديين منهم ما نسبته 40 %، وهذا أثر إيجابي مهم.

ومن الإيجابيات التي وقفت عليها لجنة الشورى وجود القاضي والمحاكمة داخل الدار، وكذلك وجود ممثل النيابة في الدار والتحقيق فيها بحضور ولي الأمر والحرص على إطلاعه على كل التفاصيل، إضافة إلى الاهتمام بالبرامج التأهيلية والإصلاحية، مثل مبادرة (إحنا.. نقدر) التي أطلقتها الدار، وتشتمل على مجموعة من البرامج المتنوعة تتضمن برامج تعليمية و توجيهية وإرشادية ورياضية ومهنية، بمشاركة مجموعة من المتخصصين في كل مجال، كما أكد الدكتور البلوي اهتمام الدار بالموهوبين من الأحداث، ودعم تطوير مهاراتهم، وقال: “وكل ذلك آثار إيجابية مهمة للنظام الجديد”، وأضاف: من وجهة نظري حتى يعظم الأثر الإيجابي للنظام وتعديل سلوك تلك الفئة فإنه من الأهمية بمكان عمل خطوات منها إسراع وزارة الموارد البشرية والتنمية في إصدار اللائحة التنفيذية لنظام الأحداث المشتملة على تنظيم العقوبات البديلة، والجهات الملزمة بتنفيذ هذه العقوبات، ودعم الدار بوسائل النقل المناسبة التي تساعده في تطبيق العقوبات البديلة التي سوف يكون لها دور في تقليل عدد الأحداث بالدار، وتجنب الحدث الإقامة في الدار، إضافة إلى ضرورة عقد الموارد البشرية والتنمية شراكة مع المؤسسة العامة للتدريب الفني والمهني لعمل ورش عمل وتنمية مهارات الأحداث الفنية والمهنية وإكسابهم مهنة، وحصولهم على مؤهل معتمد.

ويشيد الدكتور فيصل بن منصور الفاضل رئيس لجنة الاقتصاد في الشورى والمختص بالقانون بصدور الأمر الملكي الكريم الصادر بوقف أحكام القتل تعزيراً، لمن هم دون سن الـ18 دون الإخلال بالإجراءات المنصوص عليها في أحكام نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، والمهمات المنوطة باللجنة الشرعية في ما يتعلق بالتدابير الاحترازية اللازمة لحالات المتهمين في قضايا جرائم الإرهاب، وكذلك الأمر الملكي الذي صدر بناء عليه قرار الهيئة العامة بالمحكمة العليا، بعدم إصدار أحكام بالجلد في العقوبات التعزيرية، والاكتفاء بعقوبة السجن والغرامة والعقوبات البديلة وفق الأنظمة.

وقال الدكتور الفاضل: إن هذه التوجيهات العليا، تأتي انطلاقاً من المبادئ التي قامت عليها المملكة والمستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية وما قضى به النظام الأساسي للحكم في المملكة من تحقيق العدل والمساواة وحماية حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية، وتأتي أيضاً امتدادًا للقرارات والخطوات التي اتخذتها الدولة في سبيل حماية وتعزيز حقوق الإنسان خلال السنوات الماضية، والتي شهدت تحولات نوعية وإصلاحات جذرية، عبر منظومة من الأنظمة والأوامر والقرارات، وتصب بشكل قوي في تفعيل الأحكام الواردة في نظام الأحداث والتي حددت التدابير والإجراءات التي يمكن اتخاذها في قضايا الأحداث وفتحت الباب للعقوبات البديلة وحددت حداً أقصى للعقوبات إذا كانت الجريمة مما يعاقب عليه بالقتل، فيعاقب بالإيداع في الدار مدة لا تتجاوز عشر سنوات وذلك دون الإخلال بالأحكام المقررة شرعاً فيما يتعلق بجرائم الحدود والقصاص.

ووصف رئيس لجنة الاقتصاد هذه التوجيهات بأنها تعتبر نقلة نوعية وخطوة مهمة في تطوير المرفق العدلي بصفة عامة وتطوير القضاء الجزائي والادعاء العام بصفة خاصة، كما ستسهم في تحسين نمط حياة الفرد والأسرة وبناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن، كما أنها ستسهم إيجابياً بشكل غير مباشر في تعزيز الاستثمارات الأجنبية في المملكة من خلال تعزيز ثقة المستثمرين في الأنظمة السعودية والجهات المعنية بتطبيقها، وستسهم كذلك في تحسين الصورة الذهنية للمملكة وتصنيفها في سجل حقوق الإنسان وتعزيز جسور التواصل مع دول العالم والمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، وتعزز مكانة المملكة على مستوى العالم وتواكب رئاستها لمجموعة العشرين.

إلى ذلك، صدر الأمر الملكي بنهاية شهر رجب الماضي بتوجيه وزارة الداخلية ورئاسة أمن الدولة بحصر جميع الأحكام النهائية الصادرة بالقتل تعزيراً على الأشخاص الذين لم يتموا 18 سنة من عمرهم وقت ارتكابهم الفعل المعاقب عليه، وإيقاف تنفيذ تلك الأحكام، و توجيه النيابة العامة بتقديم طلب إعادة النظر في الأحكام المشار إليها، وأن تضمن لوائح الدعوى طلب تطبيق العقوبات الواردة في نظام الأحداث على من لم يكمل المدة المقررة للعقوبة (عشر سنوات)، وشمل الأمر الملكي توجيه النيابة العامة بتضمين أو تعديل جميع لوائح الدعوى المرفوعة على المتهمين (الأحداث)، والمطالبة بتطبيق العقوبات الواردة في نظام الأحداث على جميع الجرائم دون استثناء، وفي أي مرحلة من مراحل المحاكمة، وإذا كان الحكم نهائياً ولم يتم المحكوم عليه (18) سنة من عمره وقت ارتكاب الجريمة، يكتفي بالسجن عشر سنوات لمن تجاوزت محكومية سجنه تلك المدة، مع إيقاف تنفيذ الحكم إذا كان السجين قد نفذ من محكوميته أكثر من عشر سنوات، وتضمن الأمر الملكي التأكيد على الجهات القضائية بألا تزيد عقوبة السجن المقررة على الأفعال المجرمة المرتكبة من الأحداث على عشر سنوات في جميع الأحوال، سواء كانت الأفعال مجرمة بنظام واحد أو أكثر من نظام، وسواء أقيمت الدعوى على الجرائم المتعددة في دعوى واحدة أو تمت تجزئتها، وأن يطبق نظام الأحداث في الدعاوى المنظورة متى كان هذا النظام في صالح الحدث ولو كانت الجريمة واقعة قبل صدوره، ونبه الأمر على ألا تخل الأحكام الواردة بالإجراءات المنصوص عليها في أحكام نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، والمهمات المنوطة باللجنة الشرعية فيما يتعلق بالتدابير الاحترازية اللازمة لحالات المتهمين بقضايا جرائم الإرهاب الصادر بشأنها الأمر السامي في السابع من ربيع الأول العام الماضي.