تحقيق – هتاف المحيميد
تشكل قضية التحرّش الجنسي بالأطفال «إلكترونيا» أحد التحديات الخطيرة التي تهدد الأسر في فلذات أكبادها حيث لم تعد القضية مقتصرة على التحرش في الشارع أو في بعض الأماكن التي يمكن تجنبها من خلال متابعة الأطفال أو منعهم من ارتيادها أو مرافقتهم عند الذهاب إليها، بل أصبح التحرش يهددهم ويغزوهم عن طريق الشبكه العنكبوتية ومواقع التواصل المختلفة وعبر أجهزتهم الإلكترونية التي بين أيديهم، الأمر الذي يشكل خطرا وعبئا جديدا على الأسرة والمجتمع في ظل صعوبة متابعة الابن في كل ما يشاهده ويتلقاه عبر هذه الأجهزة، ليبقى سلاح الوعي والردع الذاتي والتحصين هو المعول الأساسي في مواجهة هذا الخطر الذي يغزو بيوتنا ويهددنا في أبنائنا.
مشكلة معقدة
التحرّش الجنسي بالأطفال مشكلة عالمية معقدة لا تكاد دولة أو مجتمع يخلو منها حيث إن أكثر من يتعرّض للتحرّش الجنسي من الأطفال لا يبيحون بما تعرّضوا له من تحرّش جنسي، ويؤكد مختصون في هذ المجال أن محاولات استغلال الأطفال جنسيا عبر الإنترنت تمثّل تحديًا جديدًا يضاف إلى التحديات التي تواجه المجتمع والجهات الأمنية، لا سيما وسط تسجيل العديد من القضايا ومطالبة الإنتربول بملاحقة مستخدمين غالبية قضاياهم تتعلق بجرائم استغلال الأطفال جنسيًّا.
ووفقًا للمتحدث الأمني بوزارة الداخلية اللواء منصور التركي، في مؤتمر صحفي عن مستويات الجريمة في السعودية، تلقّت الوزارة كثيرًا من البلاغات عن طريق الإنتربول لرصدها مواقع ومعرفات تنشر مواد جنسية موجهة للأطفال، وكل تلك البلاغات يجري التحقيق فيها، ويتم ضبطها، وتحديد المعرفات التي استخدمت في نشرها، مشيرا الى أن جرائم استغلال الأطفال عبر الإنترنت تعد من الجرائم العابرة للقارات..
“الرياض” تفتح ملف التحرش بالأطفال عبر المواقع الإليكترونية وشبكات التواصل لمعرفة واقعها وسبل الحد منها ودور الأسرة والمجتمع في مواجهتها.
التوعية مطلوبة
يقول د.فهد الغفيلي -الخبير المختص بالأمن الفكري-: إن تأمين الشبكة العنكبوتية ليست كسابق عهدها، كوضع جهاز الكمبيوتر في غرفة المعيشة أو المشاركة العامة بين أفراد الأسرة لجهاز الكمبيوتر، بل باتت التكنولوجيا في أيديهم وقادرة أن تصل بهم إلى أي مكان، لكن الجانب التوعوي هو من ينتصر في الآخر، فإذا لم تحصن طفلك فكريا وأعني بذلك من طفولته بمعدل يومي وبربط التحصين باللذة، بخلاف ما هو معروف ربط اللذة بالمشاهدة فيجب أن يربط الوالدين إنجاز عدم المشاهدة للطفل بقوة شخصيته وامتلاكه للزمام الأمور وتحكمه بنفسه الأمارة وعدم وقوعه تحت تصرف ورغبات وأهواء الأخرين، ويغفل العديد منا للأسف إلى التنبيه من الأفعال إلا بعد حدوثها، والأفضل هو توقع هذه الأفعال بسبب سرعة تطور التكنولوجيا ودخولها في حياتنا رغما عنا، وهو إشكالية بعض الأباء وعدم إدراكه أن طفله ذو الخمسة أعوام لديه من الفهم فوق المتوقع والرغبة للمشاهدة، ليروي حكايته الخاصة للأطفال الآخرين.
الجريمة الجنسية
من جانبها قالت هدى السيلان -أخصائية نفسية وباحثة في شئون الطفل-: إن الجريمة الجنسية المتمثلة بعدة صور منها الابتزاز الإلكتروني الجنسي وهو أحد أنواع التحرش الجنسي ويتمثل في عرض جنسي غير مرغوب فيه وطلب خدمة جنسية أو أي تصرف آخر له طبيعة جنسية، وشرط الابتزاز التهديد للضحية بكشف معلومات عن الضحية أو فعل شيء لتدمير الضحية إن لم تنفذ طلباته سواء كانت شفوية أو جسدية موجه نحو فرد بسبب نوعه (ذكر أو أنثى)، والابتزاز درجات يبدأ من التلميح الجنسي بكلمات وألفاظ جنسية إلى الوصول إلى طلب الممارسة والتصريح بالفعل ويتم الابتزاز الإلكتروني عن طريق استخدام الأجهزة الإلكترونية الموصولة بشبكة الإنترنت وقد تتعرض الضحية للابتزاز من معارفها أو من مجهولي الهوية وقد أشارت العديد من القصص المنشورة عبر الإعلام وعبر الوسائط الاجتماعية تعرض النساء للابتزاز الجنسي عن طريق إرسال صورهن بالبريد الإلكتروني أو الحفظ للصور في الأجهزة وبيعها وبذلك يتم ابتزازهن ويعمد بعد ذلك المبتز إلى الضغط على الضحية وطلب المقابل منها.
دراسات وأرقام
وكشفت السيلان عن نتائج دراسة أمريكية شملت الدراسة 503 مستخدم مراهق من عمر 13 عاما الى 17 عاما من الجنسين في الولايات المتحدة بأن (41%) من العينة تعرضوا للتحرش الإلكتروني، والتحرش هو استخدام الوسائل الإلكترونية وشبكة الإنترنت في إيذاء الآخرين في شكل متعمد ومحاولة استثارة فرد سواء كان رجل أو امرأة أو طفل جنسيا من خلال تلقي رسائل جنسية عبر البريد الالكتروني أو أحد وسائل التعارف أو رسائل تحمل مواد جنسية وهذه المواد تتضمن التلميح بأهداف جنسية أو صور أو مشاهد فيديو ولا يقتصر الأمر على الكبار بل يتعداه للأطفال عن طريق الألعاب والأفلام المعدة خصيصا لإغرائهم وإدراجهم ضمن قوائم عديدة تعرضت للتحرش وانتهكت براءتهم عن طريق إيحاءات جنسية مباشرة وغير مباشرة ويسيطر بذلك على تفكيره ومشاعره وجميع حواسه وينعكس ذلك جليا على سلوكياته، ويعاني من عدم الشعور بالأمان وفقدان احترام الذات وقد تظهر بعض الأعراض تستطيع الأسرة ملاحظتها كالتوتر ومشاعر الإحباط والتدني التحصيلي في التعليم والتغيرات السلوكية المختلفة كاللجوء للعزلة أو التعاطي وتدمير الذات.
إجراءات الحماية
وحول الإجراءات المتبعة لحماية الأطفال من التحرشات الإلكترونية، يؤكد الغفيلي أنها لا تكفي، مضيفاً أن لموقع يوتيوب خاصية الأمان كما يوجد طرق أخرى كمواقع وبرامج أمنة خاصة بالأطفال، لكن كل ذلك يعتمد على الأطفال أنفسهم ومراحلهم العمرية وهل يستطيع الآباء التحكم بهم أو لا، فحتى عمر عشر سنوات تستطيع التحكم به وما أعلى من ذلك سنجد صعوبة في التحكم بمشاهداته الإلكترونية، وكل ذلك هي إجراءات احترازية تؤدي فقط إلى (25%) من منع الطفل وهي أشبه ما تكون بوسيلة نجاة، فعلى سبيل المثال تزويده بعومات للسباحة لا تعني أنها ستقيه من الغرق، ففي حال دخوله للماء لا تجزم بمهارة الطفل في السباحة إلا أنه من دون هذه العوامات سيغرق، لذلك فالأمثل هو تعليمه السباحة من غير وسائل أخرى لتضمن عدم غرقه، كذلك الأمر الشبكة العنكبوتية وتجنب دخول الطفل إلى مواقع إباحية أو تعرضه لمضايقات جنسية، فمنعه من السباحة في بحر الشبكة العنكبوتية ومنعه باستخدام برامج معينة للدخول سيكون نهايته الغرق، لذلك نعود إلى نقطة أهمية التوعية اليومية للطفل، ومتى تعلم أن توعيتك المستمرة أتت بثمارها، حينما يختلط بمن هم في سنه وعرض عليه بعض من هذه المقاطع أو التعليقات الجنسية، هل سيكون لديه رادع أم لا، وفي حال تحدثه لك عن ما حدث فاعلم بنجاح توعيتك، أما إذا قام بردع أقرانه فاعلم أنك خلقت شخصية قوية مؤثرة.
صور التحرش
وتشير السيلان إلى كيفية ايقاع المتحرش الالكتروني بالطفل، وتقول: من صور التحرش ارسال كلمات خادشة ومكالمات صوتية أو تحرش بصري من أفلام إباحية تستثار من خلالها الغرائز وبعدها يتم تبادل الصور والمواقف وبذلك يستطيع المعتدي من إعادة الصورة للضحية، وهو في أوضاع مخلة بالأدب وبذلك يستطيع الانتقال من ممارسة الجنس في العالم الافتراضي الى الممارسة الفعلية بعد الضغط على الضحية وتهديدها وفي المقابل الاستسلام والإذعان بل قد يصل للانتحار وهذا ما حدث مع ابنة الخامسة عشر عندما تواصلت مع غرباء من خلال “الشات” وقدم لها المعتدي كلمات اطراء لفترة من الزمن وبعدها طلب كشف جسدها حتى استجابت له وبعد مرور عام استسلمت لتهديده وطلب التعري أمامه وجها لوجه وتحولت العلاقة من حلم وردي إلى كابوس المخدرات وإدمانها للهروب من الفضيحة والضغط المتوالي عليها وعلى أسرتها وفي نهاية المطاف الانتحار، وهذه القصة واحدة من مئات القصص المتداولة والمحفوظة في الأذهان وفي وسائط التواصل الاجتماعية، كما يجدر بنا هنا إعطاء فكرة بسيطة للخصائص النفسية للمتحرشين كما وردت في كتاب “سيكولوجية الجرائم” بأنهم يعانون من الوساوس القهرية فلا يمكنهم السيطرة على رغباتهم في ملاحقة الاخرين وإيذائهم كما أنهم مصابون باضطراب الشخصية النرجسية والمعاناة من تقدير ذات متدني ولا يملكون القدرة على ادارة العلاقات الصحية مع الاخرين.
ويتفق الغفيلي حول أساليب التحرش: الأساليب المتبعة من هؤلاء المتحرشين متغيرة ومتجددة، ولكن الطابع هو واحد وهو “جس النبض”، استقبالك لصورة عادية من غريب والتعليق عليها هي البداية، ثم يبدأ المتحرش بالزيادة في الصورة من ناحية إباحية المحتوى، أو إرسال روابط لمواقع تقود لمواقع إباحية أخرى، أما فيما يخص النماذج الإقليمية والدولية في هذا المجال، لا يوجد حقيقة قوانين دولية تمنع هذه المواقع بالرغم من اجتهادات الانتربول في ملاحقة المتحرشين، إلا أن حجب بعض المواقع أو طلب إثبات عمر المستخدم هي اجتهادات من بعض الشركات.
الدواعي والأسباب
وتختتم السيلان أسباب هذه الظاهرة وخوف الأطفال من التبليغ، قائلة: وفي استعراضنا لبعض الأسباب المتعلقة في الظاهرة نجد بعض الدراسات والأبحاث بررت أن عدم إدراك الطفل أو المراهق أن الممارسات الجنسية الالكترونية هي إنتهاك لكرامته وحقوقه وهي أحد اسباب تعرضه لها، وكذلك الخشية من الاسرة والعقاب الذي سيلحق به من حرمان من الانترنت ووسائل الاتصال التي اعتاد على التعامل معها، كما أن ضعف الرقابة الأسرية ونقص الوعي وغياب التوجيه وإعطاء الأبناء الصلاحيات المطلقة في استخدام الاجهزة بحجة إشباعهم ماديا ومعنويا ولعدم حرمانهم مما يتمتعون به أقرانهم اجتماعيا فهم ليسوا اقل من الآخرين، كما ان علماء التربية وخبراء التقنية يجمعون أن ما يحدث لأطفال العالم والانفتاح الالكتروني الضخم التي صدمت ثقافيا مستخدمي هذه الشبكات وصدمت العالم اجمع فقد نجد أن الاطفال يمارسون جزء من استخدام الوالدين للمواقع والانشغال عن الأبناء وذلك نتيجة للفراغ العاطفي والنفسي الذي يدفعهم لقضاء ساعات طويلة على شبكة الانترنت، بالإضافة إلى انتشار ثقافة الاستعراض من خلال نشر الصور والمعلومات الشخصية بحثا عن الاهتمام ولفت انتباه الاخرين، وأخيرا نعلم جميعنا ان حكومتنا الرشيدة ومن منطلق تحكيمها لكتاب الله وسنة نبيه تسعى جاهدة في الحفاظ على كرامة الفرد وكذلك الجماعات ونعلم جيدا مدى تكريمها وحرصها على الطفل وشمل ذلك ابنائها رعاية كريمة وحماية من خلال صدور نظام حماية الطفل والذي نص صريحا في جميع مواده بأهمية الحفاظ على سلامة الطفل من الإيذاء من كل أشكال الاستغلال وذلك تماشيا مع كتاب الله وسنة نبيه ومع الاتفاقات الدولية الناصة على ذلك، ولا يتبقى علينا كمربين وأسر إلا رعايتهم وحمايتهم واللجوء للقانون في حال تعرضهم لا سمح الله للإيذاء.