بين الحين والآخر تبرز مشكلة جديدة للعمالة المنزلية في المملكة، ولعل آخرها أزمة العمالة الإندونيسية التي أصابت هذا السوق بما يشبه الركود الشديد، وأصابت بالتالي الأسر السعودية بمعاناة الاحتياج إلى هذا النوع من العمالة، نظرا لارتفاع الطلب في الآونة الأخيرة على المعاونين المنزليين، بعد أن تحولت غالبية الأسر السعودية إلى أسر عاملة بكامل أفرادها، وبالتالي زادت احتياجاتها للمساعدين، وهو ما رفع أسعار السوق من ناحية، وفاقم أزمة العمالة المنزلية من ناحية أخرى، حيث لا يزال الطلب أعلى بكثير من العرض المتاح من جنسيات محددة، وربما تكون غير مهيأة للعمل، وهو ما خلق انطباعًا سلبيًا لدى الأسر السعودية التي تبحث عن حلول نظامية.

ومن الواضح أن أزمة العمالة المنزلية تتحمل مسؤوليتها عدة جهات؛ سواء أكانت حكومية أو جهات أهلية معنية بتوفير العمالة المنزلية، أو حتى من العمالة نفسها وطبيعة عملها، وكذلك من أصحاب العمل والأسرة التي تستقدم تلك العمالة.
«المدينة» حاولت الوقوف على الأزمة وسبل حلها، من أجل تشخيص المشكلة والوصول إلى علاج ناجع لها، عبر هذا التحقيق.
وزارة العمل: ليس هناك أي رضوخ لطلبات الدول المصدرة للعمالة
أكد الدكتور أحمد الفهيد وكيل وزارة العمل للشؤون الدولية أن الجانب الاندونيسي المفاوض لعودة العمالة المنزلية طلب مزيدا من الوقت للرد على شروط المملكة بشأن عودة إرسال العمالة الاندونيسية للمملكة من جديد، مضيفا أن الجانبين السعودي والاندونيسي لم يتفقا على تحديد وقت معين لعودة إرسال العمالة إلى المملكة.
وقال الفهيد: إن هناك نقاط اختلاف مع جاكرتا في إجراءات الاستقدام لا تشمل الرواتب وتدريب العمالة المنزلية والتي سيتم الاتفاق عليها لاحقا بعد توقيع الاتفاقية الإطارية، مشيرا بأن وزارة العمل تحرص على حفظ حقوق المواطن بعدم وجود أية أعباء إضافية تتضمنها الاتفاقية الإطارية مثل إلزام المواطن بمراجعة سفارات البلدان المستقدم منها وعدم وجود ضمانات إضافية تثقل كاهله بإلزام الكفيل بكشف حساب مصرفي وغيرها من الشروط غير المقبولة.
ونفى وكيل وزارة العمل للشؤون الدولية أن يكون هناك رضوخ لطلبات الدول المصدرة للعمالة فيما يخص السماح بخروج العاملات المنزليات لدى الأسر السعودية بمفردهن نهاية الأسبوع، موضحا بان ذلك يخالف أنظمة ولوائح البلاد وبالتالي فان هناك أعرافا دولية متعارف عليها باحترام الأنظمة المحلية. حيث إن خصوصية المواطن خط احمر في جميع الاتفاقيات التي سيتم توقيعها لاحقا.
ودأبت مؤخرا وزارة العمل على تضمين الاتفاقيات التي توقعها بشأن استقدام العمالة المنزلية، بأن تكون العاملة المنزلية مدربة في مراكز تدريب معتمدة ومتخصصة، وألا تكون من أصحاب المخالفات الجنائية، وأن تتوافر فيها الشروط الصحية التي تثبت خلوها من الأمراض المعدية من خلال فحص طبي في مراكز معتمدة في البلدان المستقدمة، وفتح حساب مصرفي للعاملة عند قدومها للمملكة.
د.طلال البكري: أنظمة الاستقدام الجديدة تتغاضى عن بعض حقوق المواطنين
يقول الدكتور طلال بن حسن البكري عضو مجلس الشورى الأسبق نحن من أكثر الشعوب التي ليس لديها الرغبة في فهم الأنظمة، ولدينا الكثير منها متعلقة بشؤون المواطنين، لكننا للأسف نميل إلى تطبيق الأعراف والتقاليد بشكل أكبر من ميلنا إلى تطبيق الأنظمة، معتقدًا أنَّ أنظمة استقدام العمالة في ثوبها الجديد لا تبعد كثيرًا عن فهمنا لبقية الأنظمة، مضيفًا أنَّ مما يعيب أنظمة الاستقدام الجديدة أنَّها تقف في صف العمالة وتتغاضى عن بعض حقوق المواطنين. وأضاف أنَّ ذلك يعني أنَّ العمالة الوافدة ستحصل على حقوقها، بينما ستضيع حقوق المواطنين، في ظل عدم فهم المواطن لحقوقه وعدم وضوح الجهة الحكومية التي ستنصفه في حال تمَّ الإخلال ببنود العقد من قبل العامل أو العاملة، موضحًا أنَّ من حق العاملة المنزلية الاستمتاع بيوم إجازتها، وأين ستقضيه؟، متسائلًا: هل إن بقيت داخل المنزل يوم إجازتها، فهل يجب على رب العمل أن يعاملها بالمثل، ويمنعها مثلًا من استخدام مرافق البيت، ولا يقدم لها الوجبات الثلاث، أم ماذا؟
د.الأبادي: كثير من الأسر يهتم بالحصول
على العمالة ولا يهتم بالعقود
وأكَّد الدكتور إبراهيم الأبادي المستشار القانوني وعضو هيئة التحقيق والادعاء العام سابقا على أنَّ كثيرا من اﻷسر السعودية ليست واعية ومدركة للعقود القانونية الجديدة للاستقدام، موضحًا أنَّ هذا ليس مستغربًا؛ ﻷنَّ الغالبية العظمى من المواطنين ﻻ يهتمون باﻷنظمة القانونية لمعاملاتهم الشخصية بحكم أنَّ الصفة الاستهلاكية تنسحب على معظم أمورهم وتعاملاتهم، بل حتى على حياتهم اليومية، دون التركيز على التفاصيل الدقيقة لتلك المعاملات.
وأشار إلى أنه رغم معاناة العديد من اﻷسر السعودية في هذا اﻷمر، إلا أن تركيزهم سينصب على إشباع رغباتهم الاستهلاكية فيما يتعلق باستقدام العمالة المنزلية، متجاهلين القوانين واﻷنظمة التي تنظم مثل هذه العقود، وبالتالي تترسخ ثقافة اللامبالاة ببنود هذه العقود، التي ربما كانت تدين بعض تصرفاتهم، بل وتعرضهم للمساءلة القانونية في أحيانٍ كثيرة، مُرجعًا ذلك لعدة أسباب، ومنها: القصور اﻹعلامي في معالجة هذه القضايا، إلى جانب الكماليات وضغوط المجتمع، التي تتعرض لها ثقافة المواطن السعودي البسيط.
وأضاف أن ذلك يؤدي إلى اهتمام كثير من اﻷسر بالظهور أمام المجتمع بمظهر اﻷسرة ميسورة الحال، مبينا ان من بين الأسباب أيضًا ضعف الجانب التوعوي من قبل وزارة العمل في تثقيف اﻷسر بهذا الشأن، إلى جانب عدم توفير البدائل للأسر السعودية كالمؤسسات وشركات اﻻستقدام.
سفارة إندونيسيا: نسعى لإنجاز اتفاق يضمن حقوق الطرفين
أكد القائم بأعمال سفير جمهورية إندونيسيا بالمملكة «عيدي باسوكي» أن هناك اجتماعات عديدة عقدت لحل مشكلة استقدام العمالة المنزلية إلى المملكة، وأنه تم توقيع اتفاق بين الجانبين لعودة العمالة إلى المملكة، ولم يتبق سوى إنجاز بعض الترتيبات والإجراءات الخاصة بالاتفاقية، بحيث تضمن حقوق أصحاب العمل والعامل دون ضر أو ضرار، مبينآ أن العمالة الإندونيسية تحظى بالاحترام والمعاملة الحسنة من الحكومة والشعب السعودي. في حين أكد «باسوكي» أن العلاقات التجارية بين البلدين شهدت تطورا ملحوظا ونموا مطردا خلال السنوات العشر الماضية، وأن حجم التبادل التجاري بين المملكة وإندونيسيا خلال العام الماضي 2013م بلغ نحو 8 مليارات دولار أمريكي، وفي الجانب الاستثماري بلغ 12 مليارا، مبينا أن عدد العمالة الإندونيسية بالمملكة يبلغ قرابة مليون عامل وعاملة في عدد من المهن والاختصاصات.
لجنة الاستقدام: أنجزنا 70% من الترتيبات مع إندونيسيا.. وضوابط الفلبين صعبة
يوضح رئيس لجنة الاستقدام بالغرفة التجارية الصناعية بجدة يحيى ال مقبول في حديثه لـ»المدينة» أن ملف استقدام العمالة المنزلية يمر بمرحلة انتقالية حيث ان الكثير من التنظيمات اختلفت عن السابق والمرحلة الحالية تعد مرحلة طبيعية وسوف يتم تجاوزها، حيث ان استقدام العمالة المنزلية من إندونيسيا كأحد أكثر أنواع العمالة المنزلية رغبة من قبل المواطنين تم توقيع الاتفاق بين الجانب السعودي والاندونيسي لنقل العمالة الاندونيسية الى السعودية، وما تبقى الآن هو بعض الاجراءات الخاصة بالاتفاقية تتم بين الاتحادات العمالية هناك وبين اللجنة الوطنية للاستقدام وتم إنجاز مايقارب الـ70% من الترتيبات الخاصة بنقل العمالة من الجانب الاندونيسي، في حين رفض «ال مقبول» بعض مطالبات الجانب الاندونيسي حيث ان الجانب الاندونيسي يطالب بربط مسألة التفاوض ونقل العمالة المنزلية لشركات الاستقدام مباشرة، وهذا مايراه «ال مقبول» تهميشا لدور المكاتب وتأخير موضوع استقدام العمالة، حيث ان مكاتب الاستقدام تعد أكثر خبرة وتمرس في مجال الاستقدام بالاضافة الى ان هناك اكثر من 338 مكتبا على مستوى المملكة هي اقرب للمواطن من الشركات، ويجب ان تكون شاملة للجميع وليست مقتصرة على الشركات فقط. وهذا حسب توجه وزارة العمل، حيث تسمح وزارة العمل بأن يكون الاستقدام من خلال مكاتب الاستقدام والشركات.

صعوبات على الجانب الفلبيني
وعلى الجانب الفلبيني يرى «ال مقبول» ان الشروط والضوابط التى وضعت من قبلهم هي أصعب من التنظيمات السابقة، حيث ان العقد يحدد باسم العاملة في حين سابقا كان مفتوحا ويتيح لك امكانية استقدام اي خادمة في حال تعذر استقدام الخادمة الاولى لاي سبب كان، حيث ان فترة التجهيز اليوم تستغرق فقط لكي تجهز اجراءات عاملة منزلية واحدة من شهرين الى ثلاث اشهر في الجانب الفلبيني ويكون محددا باسمها، ولكن قد تحدث اي مشكلة تمنع قدوم العاملة المحددة سنكون اضعنا هذه الفترة دون أن تأتي العاملة ويترتب على ذلك ايضا خسائر مادية على المكتب المستقدم، وهناك عقبات أخرى في الضوابط والعقود التي تم فرضها من الجانب الفلبيني وهذا ما يجعل من الاستقدام من الفلبين صعبا ونوعا ما الا انه ليس مغلقا.
وأضاف «ال مقبول» ان المملكة تتعرض لحملة تشويه إعلامية من قبل جهات اعلامية خارجية تهدف الى ايقاع صعوبات في الاستقدام للمملكة، ودائما ما تضخم قضايا المملكة مع العمال في الاعلام الخارجى.
مكاتب الاستقدام: هناك دول تفرض شروطا مجحفة لاستقدام عمالتها
من جهته قال محمد سالم، أحد مديري مكاتب الاستقدام، لـ»المدينة»: أن هناك بعض الدول تفرض علينا شروطا مجحفة لاستقدام العمالة منها، وذكر مثالا على ذلك، حيث قال: إنه استقدم عاملة فيليبينية بجدة لأحد الكفلاء، وحصلت لها قضية جنائية في منزل كفيلها من دون علم المكتب، وقامت السفارة الفيليبينية بإلزامه بتسديد جميع مستحقاتها وتسفيرها على حساب المكتب، ونتيجة لعدم حماية المكتب في الاتفاقات خضعت للأمر الواقع، مؤكدًا أن مكتبه أوقف عمل مكتبه بالفيليبين وتعطلت عقود عملائه وتحمل غرامات ليس له ذنب فيها.
وقال المستثمر في قطاع الاستقدام بجدة أحمد شكري: إن ما يمارس علينا وما يتم من تدخل من السفارة الفيليبينية أمر مخزٍ، إذ هربت إحدى العاملات التي استقدمناها من طريق مكتبنا من منزل كفيلها وتم التبليغ عنها، وبعد سبعة أشهر تقوم السفارة بإيقاف عمل المكتب وتطالب بإحضار تذكرة سفر ورواتب العاملة الهاربة.
وأكد أنه لا يوجد نظام يحمي مكاتب الاستقدام من تلك الممارسات، فالسفارة الفيليبينية تمارس على مكاتب الاستقدام السعودية ضغوطًا وتخترق الأنظمة وتتجاهل حقوقنا، وللأسف وزارة العمل تتفرج علينًا، مشيرًا إلى أن اللجنة كتبت للوزارة عن تلك الممارسات ولكن لا حياة لمن تنادي ولم يعدل الأمر، لذلك فإن المكاتب كافة تفكر بالتوقف عن الاستقدام من الفيليبين، إذ خسروا الكثير من المال والجهد، واستغل الفيليبينيون الوضع في ظل عدم تحرك الجهات المختصة.
وتساءل لماذا لم تلتزم الفيليبين بالاتفاق الذي ينص على أنه في حال حدوث مشكلة للعاملة فإن على السفارة التوجه إلى وزارة العمل لحل المشكلة؟ ولماذا السفارة تخالف العرف الديبلوماسي والاتفاق وتتجه للضغط على المكتب لتحل الخلاف بين العاملة والكفيل أو الإيقاف؟ ولماذا تترك المكاتب تواجه هذا الأمر بهذه الصورة وأضاف: أصبحنا مهددين بقطع أرزاقنا إذا استمر الاستقدام من الفيليبين بهذا الوضع.
وأكد أنه مع المطالبة بالتوقف عن الاستقدام من الفيليبين للعمالة الرجالية والنسائية، حتى تعمل الفيليبين على تعديل إجراءاتها التعسفية وتكون عادلة ومؤدية لحقوق البلد المضيف لعمالتها.
مواطنون: لابد من إيجاد بدائل لحل أزمة العمالة المنزلية
ومن جهة اخرى طرحت أم ناصر سؤالا لماذا التركيز على الفلبين واندونيسيا في عمليات الاستقدام في حين ان هناك عمالة منزلية اخرى اكثر قدرة على التحمل واكثر كفاءة، فأين البديل؟ وأضافت: لماذا لا تتعاون وزارة العمل مع وزارة التربية والتعليم بفتح حضانات في الاحياء او المدارس، مستشهدة على ذلك بأن أغلب العوائل تستقدم الخادمات من أجل البقاء مع أطفالها في المنازل، ولا نعلم ما يحدث لهم من تعذيب في ظل عدم توافر حضانات وعدم استشعار المسؤولين بذلك.
ويتحدث محمد النعمي أنه على الرغم من الشروط الصعبة والمجحفة من الجانب الفلبيني الا أننا كمواطنين قبلنا بهذه الشروط ولكن انفراج هذه الازمة لم يتم مثلما يقول المثل (رضينا بالهم…)، مضيفًا أنه وقع ضحية عدة مرات لمكاتب الاستقدام، حيث قادته الحاجة إلى استخراج تأشيرة عاملة منزلية لحاجته لها للعمل في المنزل، وقد توجه إلى إحد مكاتب الاستقدم في مدينة مكة وقام بدفع الرسوم المطلوبة وتسليم التأشيرة إلى مكتب الاستقدام، ولكن فوجئ بعد ذلك بأن المكتب غير مرخص وأن صاحبه غير سعودي حيث سرق أموال الزبائن واختفى، وعند مراجعة المكتب وجده مغلقًا، مضيفًا أنه فشل في تحصيل أمواله التي دفعها لصاحب المكتب والذي اختفى عن الأنظار.. وتساءل عن كيفية معرفة المواطن بمكاتب الاستقدام المرخصة من المكاتب الوهمية، والتي تستغل الناس وتستولى على أموالهم بالباطل وكيف يستطيع تحصيل أمواله.
ويبين فيصل مسفر أن موضوع الاستقدام من عمل العمالة المنزلية الفلبين واندونيسيا أخذ أكبر من حجمه وكأن ليس في العالم دولة تصدر العمالة المنزلية مثل هذه الدولة فالعالم يعج بالكثير من العمالة المتميزة والتي تعاني من البطالة وتبحث عن حل ومخرج لأزماتها وزيادة دخلها وإنتاجها السنوي.. ويكمل أن الاستقدام يحتاج منذ سنوات طويلة إلى تطوير وتنظيم لحل المشاكل المتكررة التي تحدث من كل الأطراف سواء مكاتب الاستقدام، أو الدول المصدرة للعمالة المنزلية، أو الكفيل، أو العاملة المنزلية مضيفًا أن «عدم وضع ضوابط وحلول لذلك ساهم في أن تتدخل الفلبين واندونيسيا في وضع شروط جديدة وصعبة وذلك لحماية حقوق العمالة لديها حتى ولو كان ذلك على حساب المواطن والذي تضرر من هذه الشروط والتي تطالب بتوضيح عدد أفراد الأسرة وكروكي للمنزل وتوضيح الراتب الشهري، إضافة إلى عدد من الشروط التي تصعب على العديد من الأسر السعودية قبولها وتحمل تبعاتها».
وتتحدث أم أحمد عن تجربتها في هروب العاملة المنزلية، وتطالب بضمان حق الكفيل السعودي في حال هروب الخادمة بعد فترة من عملها، وتقول: الخادمة تقضي فترة بسيطة في بيت مكفولها تعمل بجد واهتمام، ثم يظهر الوجه الآخر لهن، لذلك يجب وضع حد لهذا الأمر قبل وصول الخادمة للسعودية عن طريق فرض عقوبة عليها، وتبليغها بذلك قبل وصولها للمملكة.

 

المصدر : صحيفة عكاظ