فهد السلمان

رغم كل البحوث والدراسات التي تناولت العنف في المدارس، والذي لم يعد حكرا على مدارس البنين، بعد أن سجّل الجنس الذي كان ناعما حضورا لافتا في هذا الجانب، بلغتْ حدّ جزّ الشعر، وإراقة الدماء في مشاهد لا تحدث في الغالب إلا على حلبات المصارعة كما حدث مؤخرا في إحدى كليات البنات، وغيرها بالتأكيد سواء ما يصل منها إلى أقسام الشرط والادعاء والتحقيق، أو ما يتم احتواؤه بشيء من تقبيل الأنوف، أقول: رغم البحوث والدراسات التي تمت في هذا الصدد سواءً من الجهات الأمنية أو من هيئة حقوق الإنسان، والمؤسسات التربوية والنفسية، ورغم ما كشفتْ عنه احصائيات وزارة الداخلية من أن 82% من اجمالي الحوادث في المملكة عموما تتعلق بالعنف داخل البيئة المدرسية حيث تفاقمت خلال السبع السنوات الأخيرة بنسبة 400%، رغم كل هذه النذر إلا أن الملاحظ أن تعاطينا كمؤسسات وكمجتمع مع هذه الظاهرة الخطيرة لا يزال يقترب من حدود اللامبالاة، وفي أحسن الأحوال التعامل معها على أنها مجرد «هوشات» مشاجرات أولاد وحسب، وأنا على يقين من أن شيئا لن يتغيّر حتى بعدما بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تنقل لنا ما يحدث بالصوت والصورة، وبعدما دخل الكلاشنكوف إلى الصفوف المدرسية كما في حادثة تثليث إن صحت الرواية.

قد يقول البعض إن هذه مجرد حوادث فردية، يمكن أن تحدث في أي مكان من العالم كأحد أساليب التبرير التي ألفناها كثيرا، والتي أسهمتْ بشكل أو بآخر في تفاقم هذه الظاهرة، وخروجها عن العناوين والمعرّفات القديمة إلى ما يشبه ظاهرة «الدرباوية» التي تسلّلتْ فيما يبدو إلى بعض المدارس، دون أن يثير هذا الأمر حفيظة المسؤولين عن التعليم، أو يتستفزهم لإعادة النظر في البيئة المدرسية التي أصبحتْ هي من يُفرّخ العنف وبمنتهى الكفاءة بدلا من أن يُنجز العلم والإبداع والمهارة، أو يحثّهم على التلاقي مع الجهات الأمنية في منتصف الطريق لاقتراح الحلول الموضوعية والنظامية الكافية لردع هذا الحماقات التي لن تقف عند حدّ طالما أننا نتعامل معها كحوادث مجردة.

وزارة التعليم حتما ليستْ هي وحدها الجهة المعنية بالأمر، ولا الداخلية وحدها، ولا المجتمع وحده، القضية عبارة عن مولود شيطاني لشبكة هائلة من التعقيدات التي لم نحسن التعامل معها، ولن أدّعي أنني أملك حلا سحريا بوسعه أن يطهر مدارسنا في اليوم التالي من كل أنواع وألوان العنف لفظيا ومعنويا وجنسيا ونفسيا وجسديا، لكني فقط أتساءل: إلى متى سنظلّ نشاهد هذه الفيديوهات التي لا تليق بأبناء الشوارع، وفي أهمّ معاقل التربية؟. هذي مصيبة طالما أن الجامعات نفسها لم تتنبه إلى مسؤوليتها في قراءة هذه الظاهرة ومعالجتها، ابتداءً مما أشار له أحد الإخوة من إتاحة بيع السلاح الأبيض بمختلف أنواعه، وتخصيص فاترينات له في واجهة تموينات الطرق، وكأنها دعوة علنية للشباب لاقتناء هذه الأسلحة، إلى غياب أوعية تفريغ الطاقة الشبابية بالترفيه، والإصرار على تبني العبوس. أنا أطالب الجامعات كل الجامعات أن تتداعى لعقد مؤتمر بحثي علمي تربوي نفسي على أن تستقطب الجهات ذات العلاقات للخروج بتوصيات حازمة يمكن تحويلها إلى نظام لضبط البيئة المدرسية، وتطهيرها من هذا العنف الخطير.