محمد أبا الخيل
استرعى اهتمامي تلك الأخبار التي تحدَّثت عن هروب فتاة أو أكثر من ذويها أثناء قضاء إجازاتهم في خارج البلاد، فأردت البحث في هذا الموضوع الذي يقل الاهتمام به مع أنه على درجة عالية من الخطورة والأهمية، بدأت البحث هنا في أمريكا حيث أقضي الإجازة الصيفية، فذهبت لموقع المركز الوطني للأطفال المفقودين والمشردين (NCMEC). وهدفي من البحث كان للإجابة على سؤال ملح (لماذا يهرب الأطفال من ذويهم؟)، قد يتبادر للبعض أن سوء المعاملة هو الدافع الأول للهروب، ولكن الأحصاءات تقول غير ذلك، معظم الأطفال الذين يهربون من ذويهم في أمريكا لثلاثة أسباب رئيسة: 1- التحرش الجنسي داخل المنزل. 2- الإهمال النفسي. 3- العنف بين الوالدين. مؤسسة طريق الأمان الوطنية للهاربين (National Runaway safeline)، تقدر عدد الأطفال الذين يهربون من ذويهم سنويًا (1.6) مليون طفل في أمريكا معظمهم تحت سن (14) سنة، ومعظمهم يعود لذوية من خلال السلطات أو بواسطة جهود خيرية.
وضعت بعض التغريدات في تويتر حول هذا الموضوع لاستثارة اهتمام المتابعين، فاتصل بي أحد المهتمين وقال: إن الهاربين من ذويهم لدينا في المملكة يتصاعد كرقم وكنسبة مئوية بين الأطفال سنويًا، وقال: إن الأسباب نفسها التي تجعل الطفل في أمريكا يهرب من ذويه هي نفسها تقريبًا التي تجعله يهرب في مجتمعنا مع تغيير في الترتيب. حاولت البحث عن معلومات رسمية، لم استطع الحصول إلا على بعض الأخبار المتناثرة حول إحصاءات هروب الفتيات من ذويهن، قد يكون هروب الأطفال موضوع حساس اجتماعيًا، ولكنه واقع يجب أن يبين ليستشعر الناس أهميته.
الاحصاءات التي توضح أين يذهب الأطفال الفارين من ذويهم في أمريكا تشير إلى أن معظم الفارين يذهب لأقرباء أو أصدقاء والقليل الذي يلقي بنفسه بين أيدي الغرباء، ولكن من يلقي نفسه بين الغرباء إن لم يكن محظوظًا بمن يتلقاه بعطف إنساني ينتهى به الأمر بين أيدي المجرمين، الفتيان يصبحون بائعي مخدرات وبضاعة للشذوذ والفتيات للدعارة وصناعة أفلام الجنس وقليلي الحظ يهربون لبلاد أخرى حيث يستفاد من أعضائهم في تجارة زراعة الأعضاء غير القانونية.
في بلادنا أعتقد أن الهاربين من ذويهم يتجنبون الذهاب للأقارب أو الأصدقاء لعلمهم أن ذلك سيقودهم مرة أخرى لذويهم وبمعاناة أكثر ألمًا من السابق، وكذلك لن يذهبوا للشرطة أو أي جهة رسمية فهي ستعيدهم لما هربوا منه، لذا يصبح الغرباء هم الملجأ لمعظم الأطفال والفتيات الهاربين من ذويهم، والغرباء المجرمون في بلادنا لهم أهداف كثيرة من تلك الأهداف التجنيد للمنظمات الإرهابية والشذوذ الجنسي والدعارة وتهريب المخدرات.
يجادل بعض المتخصصين في علم نفس الأطفال أن الهروب من الأهل هو ظاهرة نفسية تنتشر بين الأطفال في المرحلة العمرية من 10 إلى 14 سنة وقد تمتد لما بعد 16 في حالات قليلة، وهي ناتجة عن شعور الطفل بثقة عظيمة في عدالة وإنسانية الواقع خارج نطاق أسرته مع عدم رضا عمّا يعايشه داخل الأسرة، ويرى المختصون أن الطفل يتعلق كثيرًا بما يعامله بلطف ولو للحظة واحدة في حين أن اللطف من الأهل هو بعض من محصلة التربية التي يراها الطفل غير عادلة وغير حميمية، لذا يرى هؤلاء المختصون وضع مكون في النظام التعليمي يجعل الطفل أكثر إلمامًا بوحشية المجتمع خارج الأسرة وأن ما يرى من لطف في الناس الغرباء هو لطف مصطنع.
موضوع هروب الفتيات من ذويهن خصوصًا في مجتمعنا أمر محرج لأسرهن، ويمثل عارًا يصعب إزالته وقد يقدم البعض على خيارات غير عادلة للخلاص من ذلك العار، لذا الأمر بات معتاد الحدوث، وعلى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وضع آلية وتنظيم يحدان من الظاهرة ويحميان الفتيات من غولة أهلهن، فليس كل الناس عادلاً مع نفسه أو ذويه.