محمد بن عبدالرزاق القشعمي

طالعتنا مجلة (الفنون) في عددها (68) لشهر جمادى الأولى 1434هـ الموافق شهر مارس 2013م، والذي يضم ملفا بعنوان: (إبداع ضد المستحيل) احتوى على مقابلات وصور لأعمال تشكيلية رائعة نسجتها أنامل أبنائنا من ذوي الاحتياجات الخاصة وما تحمله من أبعاد جمالية وحرفية وأسلوب فني جميل.

أختار من هذا الملف مقال الأستاذ عبدالهادي القرني (تساؤلات ينتظر المبدعون المعاقون الإجابة عنها!)، وهو أن مثل هذه الموهبة التي منحها الله لهذه الفئة تتم الاستفادة منها خارج الوطن العربي وليس عندنا. وتساءل: من المسؤول عن تنمية ورعاية مثل هذه المواهب وغيرها من ذوي الاحتياجات الخاصة؟، فهم ثروة في المجتمع وتربة خصبة، وطالب بتلمس مواطن القوة والإبداع والموهبة لديهم، وألا نجعل هاجس القصور والعجز لديهم هو المسيطر على تفكيرنا عند الحديث والتعامل معهم.

ونجد ممن ينسب لهذه الفئة (يحيى الزهراني) يكتب تحت عنوان: (لكل نجاح قصة..)، وهو في الحقيقة يحكي قصته بالذات: ففي عام 1410هـ وهو في الصف الثاني ثانوي علمي وقع له حادث أفقده قدميه، فانقطع عن الدراسة لعامين كاملين، ولولا دعم أسرته ورعاية والدته وتشجيعها له لما واصل الدراسة في القسم الأدبي حتى تخرج من جامعة الملك سعود محاسبا بتقدير ممتاز وبنسبة تفوق 98%، ورغم ما تلقاه من جحود المجتمع ونكرانه وصدوده بكل مؤسساته الحكومية والخاصة عن قبول المعاقين في الوظائف، إلا أن ثقته بالله وإصراره ودفع أسرته له تغلب على هذه المصاعب واتخذ منها سلما للنجاح.. وتكللت محاولاته المتكررة بالحصول على عمل في مستشفى الحرس الوطني بالرياض، وبساعات عمل تمتد من الساعة الثامنة صباحا حتى السادسة مساء. وقد أثبت جدارته، وقال: إن الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الشخص عن العطاء وليست إعاقة الجسد، انتقل عمله بعد ذلك إلى صندوق التنمية الصناعية، وقد صنعت منه تلك المعاناة التي مر بها شخصا لا يعرف المستحيل، فقد قرر أن يكون سفيرا لقضية المعاقين لدى الإعلام بكل مؤسساته، سواء بالكتابة في الصحف أو بالمقابلات التلفزيونية وغيرها، حتى وصل إلى قناة الإخبارية مذيعا وتقديمه لبرنامج (منارات) الذي يعنى بقضايا المعاقين.

وهكذا، فكما يقول المثل: من سار على الدرب وصل، فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، مما خلق لدى كثير ممن يعاني من هذه الفئة الأمل والتفاؤل وحرك لديهم الإحساس بالمسؤولية ودفع أصحاب القرار لتمكين المعاقين من نيل حقوقهم المشروعة وإثبات وجودهم بين فئات المجتمع الفاعلة.

وهكذا واصل ــ يحيى الزهراني ــ دراسته العليا ليحصل على درجة الماجستير من جامعة الملك سعود في مجال الإعلام بتقدير امتياز، وأسس مع غيره جمعية (حركية) تعنى بالمعاقين حركيا، وأصبح عضوا في مجلس إدارتها للفترة الثانية، وشارك في المهرجان الوطني للتراث والثقافة في العمل المسرحي (مثلي مثلك)، كما شارك في المسلسل التلفزيوني (أنا آسف)، وبلغ به الطموح والتحدي أن يرشح نفسه كأول معاق حركي للمجلس البلدي في مدينة الرياض، فقضية الإعاقة ــ كما يقول ــ لا تملك كل حياته، فهو يعيش الحياة بكل مراحلها وتنوعها أسوة بغيره.

أما حياته الشخصية، فهو متزوج ولديه ابنتان (روان ورنا)، ويعيش ــ بحمد الله ــ حياة مستقرة ملؤها الحب والتضحيات المتبادلة بينه وبين شريكة حياته.. وهكذا يختتم مقاله بقوله: إن الحياة باقية ما بقي الأمل.

كما تضمنت المجلة (الفنون) مواضيع ونماذج من ذوي الإعاقة تستحق أن تروى مثل: (الإعاقة كانت سببا في إظهار إبداعاتنا) لعبدالهادي القرني، وهو يستعرض أوراق الكاتبة مضاوي القويضي وعليان آل منصور ونجد رديني الثبيتي وغيرهم و(إبداع ضد المستحيل) لهاني الحجي، و(العظمة شيء آخر) لعلي الصويلح. ويروي حامد العوينان قصة أكرم العيد الفنان الذي تحدى الإعاقة والذي يرسم برأسه.

وهكذا فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.

تحية تقدير لرئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للثقافة والفنون الأستاذ سلطان البازعي، وللأستاذ عبدالحفيظ الشمري رئيس تحرير المجلة، وإلى المزيد من تسليط الضوء على فئة غالية على نفوسنا، وذلك لتوعية المجتمع أولا وإشعارهم بكيفية التعامل معهم ولرفع معنوياتهم وسمو التعامل معهم كأنداد وليس كمعاقين.

المصدر : صحيفة عكاظ