عمر المطيري- جدة

تفاقمت مشكلة المجتمع مع غلاء المهور والإسراف والبذخ في حفلات الزواج مما حول حفلات الزواج لنوع من «المهايطة» والمفاخرة رغم الأضرار الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية بعد أن يصبح الكثير من قام بهذه الأعمال مهددا بالسجن لما تحمله من ديوان.

فيما ارتفع معدل نسبة الطلاق بسبب تعرض الكثير لحالات نفسية مما وقع فيه من ازمات اقتصادية سببها الزواج، فهذه المشكلة التي تعتبر شاملة على جميع مناطق المملكة رغم أن الكثير من القبائل والعوائل والأسر حاولوا أن يضعوا ضوابط وتحديد قيمة المهور، إلا أن الوضع ما زال قائما. وفي هذا الصدد تحدث مختصون شرعيون لـ«اليوم» ضمن الملف الشهري السابع عشر «الزواجات.. والتكاليف الخفية»، حيث قال الدكتور محمد بن يحيى النجيمي، عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي بجدة، وعضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، أستاذ الفقه والأنظمة في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وأستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بالرياض، إن التبذير محرم شرعا.

تدخل ولي الأمر

وذكر الدكتور النجيمي، أنه يجب على ولي الأمر أن يردعهم، فالآثار الاجتماعية بسبب هذه الظاهرة آثار وخيمة ينتج عنها إما السجن عندما يجد المبذر أن الديون التي تحملها من أجل إقامة حفلها فيها نوع من التهويل أو المفاخرة نتيجتها العجز عن تسديد الديون وآخرها دخوله السجن.

وأضاف: «البعض يجد أنه لا بد أن يقلل المصروف على أسرته، وفيما هناك من يحدث عنده رد فعل ويطلق زوجته لأن أسباب مشاكله ناتجة من هياطه في الزواج، وهذه القضايا شاهدناها ونظرناها، وكل الأسباب المؤدية بصاحبها إلى السجن أو الطلاق أو عدم التمكن من الصرف على الأسرة ناتج عن التباهي في حفلات الزواج».

واستطرد بقوله: «عادة من يقوم بالتبذير والتباهي والهياط هم من متوسطي الدخل، وعادة من يقوم بالهياط من يعمل في أمور محرمة مثل المخدرات أو غيرها، كما أن بعض من يتعرض للأزمات المالية بسبب الهياط والتباهي ربما ينحرف للبحث عن أعمال محرمة مثل المخدرات وغيرها، فالأمر يتطلب أن تتم مواجهته من جميع القنوات والمؤسسات ومن قبل أئمة المساجد لتوضيح أن هذه الأعمال تعتبر من كبائر الذنوب.

العقوبة التأديبية

كما يجب على المؤسسات التعليمية والجامعات القيام بالتوعية ويجب على ولي الأمر انزال العقوبة التأديبية والشرعية على هؤلاء، فالحرية لها حدود شرعية وقانونية وفي جميع الأديان لها حدود، فحرية التبذير والهياط لها آثار اجتماعية واقتصادية مضرة على الفرد وعلى المجتمع، فالتبذير يستوجب العقوبة التعزيرية من قبل ولي الأمر أو من قبل المحاكم الشرعية لأنه لا يوجد حرية مطلقة.

كما أن التنافس في الخير عمل محبوب، أما التنافس في الشر المؤدي إلى التبذير والمفاخرة فعمل محرم وقد صدرت عدة فتاوى في ذلك، فعلى جميع فئات المجتمع أن ينظروا للنعمة التي هم فيها، وينظروا إلى الفقراء من حولهم وإلى البلدان والمجتمعات التي تعاني من الكوارث وفقدان النعمة والأمن في وقت نجد من يتفاخر ويهايط في المناسبات ويبذر في النعمة.

واستشهد الدكتور النجيمي، بقوله تعالى:((يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ))، فيما يخص التبذير، حيث وصفه بكبائر الذنوب، وقوله تعالى: ((إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا))، وقد نهى رسول الله عن التبذير ولو على نهر جارٍ فالمبذرون استوجبوا العقوبة في الآخرة.

المفاخرة والتبذير

من جهته، أكد الدكتور صالح اللحيدان، المستشار القضائي الخاص والمستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية لدول الخليج والشرق الأوسط، أن غلاء المهور والاشتراطات التي تطلبها بعض الأسر من طلبات أو احتفال في قاعات معينة وإقامة احتفال فيه نوع من المفاخرة والتبذير، وهنا نجد أن غلاء المهور يرتبط ارتباطا مع الاحتفال بالزواج.

وأضاف: في الواقع وليمة الزواج سنة مؤكدة لما ثبت في الصحيح: «أولم ولو بشاة»، لدعوة الأقارب والجيران، كما أن أصل الزواج لا يقوم على الوليمة، فالوليمة ليست أصلا في الزواج، ولكن جرى الأمر على ذلك إلى وقت قريب، وبعد ذلك تحول الوضع إلى نوع من الاحتفالات الباذخة، وأصبح الكثير من المجتمع يقيم الاحتفالات في قاعات الفنادق الفاخرة.

وما يصاحب ذلك من تجاوز المعقول إلى حدود المنهي عنه للإسراف في ما يقدم من وجبات وعملية إسراف عند انتهاء الحفل، حيث يتم رمي الأطعمة في النفايات، وهذا نوع من التبذير والإسراف المحرم شرعا، والله وصف المبذرين بإخوان الشياطين، وهذا عمل آثم، والإثم في الإسراف يتحمله أهل الزوج والزوجة، معتبرا أن هذه العادة انتشرت بين المجتمع الغني والفقير وأصبح فيه نوع من المباهاة الزائدة، ولم يقتصر ذلك على الأطعمة بل حتى في الملابس.

وزاد بقوله: «ربما تجد أن الزوجة تلبس فستانا قيمته تفوق الخمسة آلاف ريال، وهذا الفستان يُلبس لمرة واحدة، أو مرتين فقط، وبسبب تلك الأمور أصبح الزواج مكلفا اقتصاديا على الزوج، ونتج عن ذلك الكثير من السلبيات الاجتماعية منها: كثرة حالات الطلاق، أيضاً ارتفاع معدل العنوسة لأن الكثير من الشباب يرفض الزواج لعدم مقدرته على تحمل التكاليف الزائدة.

منوهاً بأن ارتفاع غلاء المهور والإسراف في الاحتفالات الباذخة والتبذير يستوجب العقوبة الشرعية والتعزير لمن يقوم بالتبذير، ومن يقوم بذلك أعتقد أنه يعاني من شعور النقص ويحاول من خلال هذا العمل التغطية على النقص لديه، فالأمر يتطلب معالجة هذا الموضوع على جميع مستويات مؤسسات الدولة، والكثير من الشباب الذي حاول أن يجاري كل من يتفاخر بمثل هذه الاحتفالات أصبح مهددا بالسجن لعدم تمكنه من تسديد ما تحمله من ديون.

وفي ذات السياق، أكد الدكتور عبدالله المعطاني، عضو مجلس الشورى، ورئيس هيئة حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة سابقاً، أن هذه الظاهرة من العادات السيئة التي بحاجة إلى توعية المجتمع عن خطورتها من أضرار اقتصادية على الفرد والمجتمع فعملية التبذير والمفاخرة في حفلات الزواج ما يقوم بها إلا من لديه شعور بالنقص.

وبين الدكتور المعطاني، أن الدين الإسلامي وصف المبذرين بإخوان الشياطين، معتبراً أن من يقوم بهذا الأعمال يحاول أن يظهر نفسه بأنه مهم، أو لديه القدرة على إقامة مثل هذه المناسبات التي تعتبر نوعا من البذخ والإسراف، فكم من شخص أصبح رهينة للديوان طول حياته بسبب مثل هذه الحفلات التي ضررها على المجتمع أكثر من فوائدها، والتي تحتاج إلى توعية اجتماعية من العقلاء والمؤسسات التربوية والمؤسسات الثقافية والاجتماعية ومن الجامعات ومن المساجد.

ظاهرة الطلاق والعنوسة

وأضاف: هناك حسب علمي أن بعض القبائل وضعت شروطا وضوابط لمثل هذه المناسبات، وحددت قيمة المهور، وهذا عمل جيد يجب أن يتم لدى جميع العوائل القبلية وغيرها، وأعتقد أن ظاهرة العنوسة أو ظاهرة كثرة حالات الطلاق لها علاقة بهذه العادات السيئة، كما أن هناك من يتجنب الزواج لعدم مقدرته على إقامة مثل هذه الاحتفالات الباذخة، وهناك من يجد نفسه في مأزق مادي بعد الزواج بسبب الخسائر المادية ووقوعه رهينة للديون مما يعرضه لحالة نفسية سيئة من ضغوط الحياة.

وعزا السبب الرئيسي فيها إلى الاحتفال الباذخ، وقال: كم من عريس وجد نفسه في مأزق بسبب المفاخرة في الاحتفالات، وحدث عنده رد فعل كانت الضحية فيها الزوجة عندما يدرك أن أسباب مشاكله ناتجة عن عملية البذخ والمفاخرة في حفل الزواج، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (زوجوا من ترضون دينه وخلقه)، ولم يقل من لديه مال أو غيره.

أما كلمة أن الأمر يحتاج إلى وضع قانون وعقوبات صارمة لمواجهة هذه الظاهرة هذا ليس علاجا صحيحا والدولة لا تتدخل في الأمور الشخصية لأنها تعتبر حرية للشخص، وإنما الأمر يتطلب توعية من جميع القنوات بما في ذلك وسائل الإعلام أن مثل هذه الاحتفالات الباذخة ليس لها صلة بالرجولة ولا تمثل مكانة الشخص أو قيمته.

وأضاف: «المجتمع يجب أن يواجه هذه الظاهرة لأن تأثيرها على الزوج وعلى الزوجة خطير»، معتبرا أن تدخل الجمعيات في توزيع الفائض من الأكل في مثل هذه المناسبات عمل جيد، بدلا من رمي الفائض النفايات، وهناك من يجد مبررا في عملية البذخ بحجة أنه كان يعتقد أن عدد الضيوف المشاركين في المناسبة عدد كبير وبعد خسائره يجد أن من حضر عدد قليل ويتورط في الفائض من الأكل.

وتطرق الدكتور المعطاني، إلى الأمر بتطلب توعية اجتماعية على جميع المستويات، وحول سؤال هل مجلس الشورى معني بمثل هذه الظاهرة لدراستها ومناقشتها، قال: «نعم مجلس الشورى معني بمثل هذه الأمور في حالة أن قدم له من قبل اللجنة المعنية لدراسة هذه الظاهرة، حيث اعتبرها من الأمور المهمة والتي يجب أن يتم دراستها من قبل المجلس».