سعود بن هاشم جليدان

تفاوت دول العالم كثيراً في مستويات الفساد (الإداري والمالي)، فهناك دول تنخفض فيها مستويات الفساد إلى مستويات متدنية وهناك دول ترتفع فيها مستويات الفساد إلى أن يصبح جزءًا من الممارسات اليومية لسكانها. وتأتي الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا الشمالية وشرق آسيا على قائمة الدول الأقل فساداً في العالم بينما تأتي الدول غير المستقرة أو ذات الأنظمة غريبة الأطوار مثل العراق والصومال وأفغانستان وسورية وكوريا الشمالية في ذيل قائمة الفساد الدولي. وتقع الدول النامية في وسط قائمة الفساد الدولي التي توجد ما بينها تباينات كبيرة، حيث تقع الصين والهند في مراتب متأخرة. ويبدو من ترتيب مؤشرات الفساد أن هناك علاقة إيجابية بين نوعية النظام السياسي وحالة الاستقرار في البلدان ومستويات الفساد، ولكنها ليست المحدد الوحيد حيث توجد عوامل أخرى مؤثرة في مستويات الفساد التي من أهمها:

1 – المرحلة الأولية أو نقطة البداية، فإذا كان الفساد متأصلاً لفترة طويلة في أي بلد يصبح جزءا من الممارسة اليومية ومقبولاً اجتماعيا ومن الصعب اجتثاثه. وقد باءت محاولات الكثير من الدول في خفض مستويات الفساد بالفشل بسبب تفشيه لفترة طويلة وتعود المجتمع على هذه الممارسات. ويرفع انتشار بعض ممارسات الفساد من قبول المجتمع لها وتغاضيه عنها، ويشجع على ارتكابها. لهذا فإن شيوع الفساد يشجع على عمل المزيد منه وعلى عدم تطبيق الروادع القانونية التي تحد من بعض الممارسات الفاسدة مما يعقد من عمليات التصدي لهذه الممارسات.

2 – تولد كثرة الأنظمة وتعارضها وغياب اللوائح التفسيرية بيئة مناسبة للفساد. وتعزز صعوبة فهم الأنظمة وعدم وضوحها أو صياغتها بأساليب معينة مستويات الفساد. وقد يقود الفساد السياسي وتأثير جماعات الضغط إلى صياغة الأنظمة بصور جميلة، ولكن تطبيقها على الواقع يسير لخدمة بعض الأشخاص والمؤسسات المنتقاة. ويؤدي استخدام غطاء السرية ببعض الأنظمة أو لوائحها التفسيرية إلى إيجاد بيئة مناسبة للفساد. وكلما ارتفعت مستويات البيروقراطية وتعقدت إجراءاتها تكونت بيئة منمية للفساد.

3 – تساعد تعقيدات أنظمة الضرائب والرسوم وارتفاع مقدارها في رفع مستويات الفساد، فكلما ارتفعت الضرائب والرسوم وتعقدت أنظمتها وكثرت فيها الاستثناءات والإعفاءات غير الواضحة أو المعلقة بصلاحيات ممنوحة لأفراد أو موظفين، كثرت إمكانية مساهمتها في نشر الفساد والتهرب الضريبي.

4 – تولد الصلاحيات الممنوحة لبعض موظفي الحكومة (أو القطاع الخاص) في اتخاذ القرارات الاقتصادية فرصاً للفساد, ولهذا تكتسب أهمية تولي الشخصيات المشهود لها بالأمانة لهذه المناصب أهمية قصوى، كما ينبغي وضع الضوابط التي تمكن من مراقبة ثروات كبار المسؤولين والتعرف على مصادر نموها. فمثلاً قد يتمتع بعض المسئولين بصلاحيات محددة عند طرح المناقصات أو شراء السلع والخدمات، أو تحديد التطوير الحضري والنطاق العمراني والذي يمكن من إعادة رسم معالم المراكز الحضرية أو تحويل الأراضي الزراعية إلى أراضي سكنية، أو زيادة أدوار البناء في مناطق معينة مما يوجد بيئة مُنمية للفساد.

5 – يُوجد انخفاض رواتب وأجور الموظفين الحكوميين والخاصين بيئة للفساد، ويعتبر بعض موظفي الدول الفقيرة الرشوة جزءا شرعياً من دخولهم المكتسبة. وتقود الفروق السلبية الكبيرة بين أجور موظفي الدولة والقطاع الخاص إلى هجرة الكفاءات وخصوصاً من المراكز القيادية، مما يمكن تجمعات الفساد من التسلل إلى كثير من المراكز الحساسة.

6 – يقود انخفاض الرقابة الداخلية والخارجية للمؤسسات العامة والخاصة إلى توليد بيئة مناسبة للفساد.

7 – تراجع مستويات المحاسبة على الفساد يمنحه بيئة جيدة للنمو, فكلما ازدادت ليونة أنظمة مكافحة الفساد وأنخفض تفعيلها على المخالفين من الموظفين وغيرهم ارتفعت مستويات الفساد.

8 – تؤثر أنظمة الوضوح والشفافية ومستوياتها بفعالية على الفساد، وفي المقابل انخفضت مستويات الشفافية ارتفعت إمكانية انتشار الفساد.

9 – يساعد التزام القيادات الوطنية القضائية والتشريعية والإدارية والدينية والثقافية والسياسية ونظافتها من الفساد في خفض مستوياته، فكلما كانت القيادات ملتزمة بتجنب الفساد والتصدي له كلما قلت مستويات الفساد.

10 – قد تؤدي علاقات القربى أو الصداقة أو الكراهية إلى نفع أو الإضرار بالمتعاملين مع الحكومة والشركات مالياً، ويساعد تعيين مسئولين من خارج المنطقة في الحد من مستويات الفساد. وقد يقود بقاء المسئولين لفترات طويلة في مناصبهم إلى تكون علاقات مصالح ترفع من مستويات الفساد.

11 – يحد الالتزام الديني والأخلاقي من الفساد، فكلما ألتزم الموظف أخلاقياً ودينيا كلما تجنب المال الحرام وظلم الآخرين مما يساعد في التصدي للفساد وانحساره.

12 – تعزز قوة سيطرة الدولة على الوحدات الإدارية مكافحة الفساد، فكلما قويت سلطت الدولة على الوحدة الإدارية جرى الالتزام بأنظمة الدولة وتشريعاتها. وتضعف سلطة كثير من الدول عند الخروج من العاصمة أو من المدن الرئيسية. ويمكن ملاحظة أن التزام الفروع يضعف بعدت عن عين الرقابة المركزية. وتعاني معظم دول العالم وبدرجات متفاوتة من تضارب الصلاحيات المركزية مع صلاحية الأقاليم مما يضعف مستويات تطبيق القانون ويقود إلى إيجاد بيئة للفساد.

13 – تقل شفافية الحسابات الخاصة ببرامج معينة أو خارج الميزانية سواءً المخصصة للإيراد أو الإنفاق عن الحسابات الداخلة في الميزانية، مما قد يرفع مستويات الفساد المتصلة بهذه الحسابات، لهذا ينبغي التقليل من هذه الحسابات قدر الإمكان.

14 – قد يتولد عن المنح والسلع والخدمات الموفرة بأقل من تكاليف السوق مثل المحروقات والأغذية المدعومة والعقارات العامة والخدمات الصحية والتعليمية تنافساً بين فئات المجتمع للحصول عليها مما يضخم الطلب على هذه السلع ويدفع إلى إيجاد مناخ للفساد إذا لم تغطي حجم الطلب.

15 – قد يتولد عن قرارات منح الامتيازات في إنتاج بعض السلع بيئة للفساد.

16 – قد تولد المنافسة على استخدام الأراضي الحكومية والمنح بيئة للفساد.

17 – قد يتولد عن قرارات بيع الأصول الحكومية تدافع من قبل الفاسدين للحصول عليها بأرخص الأثمان كما حدث في دول المعسكر الاشتراكي.

18 – قد تتولد عن قرارات منح الاحتكار في إنتاج أو توزيع أو استيراد وتصدير بعض السلع والخدمات ممارسات فاسدة.

19 – المبالغة في تركز الثروة يولد بيئة منمية للفساد.

20 – سيطرة منظومات الفساد على الإعلام والقيود المفرطة عليه تحد من حريته وقدرته في كشف ممارسات الفساد والواقفين خلفها.

المصدر: صحيفة الاقتصادية