قرأت مؤخراً عن تورط طبيب عيون عربي في إصابة ستة أشخاص بالعمى، وكان ذلك بعد عملية سحب للمياه البيضاء، والطبيب متعاقد مع مستشفى خاص بمدينة بريدة السعودية، والأرجح أنه مازال على رأس العمل، وقد صدرت أحكام بتعويض بعض من تسبب في إعاقتهم، وجاء في التفاصيل أن العملية روتينية وبسيطة ولا تأخذ أكثر من نصف ساعة، ولكن الطبيب، الذي وصف سلوكه بالخطأ الطبي، أبقى مرضاه في غرفة العمليات لساعات طويلة، وهو تصرف غير مفهوم، ويطرح تساؤلات كثيرة حول أهليته ومؤهلاته كطبيب.

ما قيل ليس جديداً، فالأخطاء الطبية تشكل ما نسبته 10 % من إجمالي الحالات في المملكة، والنسبة تتوافق مع المتوسط العالمي الذي يتراوح ما بين 8 % و12 %، وأقل الدول أخطاء لا تتجاوز ما نسبته 5 %، علاوة على أن التقارير السعودية الرسمية تشير إلى وقوع ثلاثة آلاف وست مئة خطأ طبي خلال الفترة ما بين عامي 2012 و2015، أدين فيها قرابة 450 طبيباً سعودياً، وما يزيد على 2600 طبيب وافد، أو ما يعادل طبيب سعودي واحد في مقابل كل خمسة أطباء غير سعوديين.

معظم الأخطاء الطبية تحصل في أقسام الطوارئ بالمنشآت الطبية، وقد سجلت وزارة الصحة السعودية اعترافاً منشوراً قبل فترة، وفيه أن 70 % من العاملين في الطوارئ غير متخصصين، وليسوا مؤهلين للتعامل مع الحالات الحرجة بالدقة والسرعة المطلوبة، ويحدث هذا مع وجود عاطلين سعوديين من أطباء الطوارئ، وارتفعت الأخطاء الطبية بنسبة 40 % في الأعوام القليلة الماضية، بسبب تواضع قيمة الغرامات المفروضة على الأطباء والمنشآت الصحية، و75 % من قضاياها لا يدان فيها الطيب أو الممارس الصحي المسؤول، ويتم إدخالها في دائرة المتكرر والمعتاد، واعتبارها جزءاً من العمل الطبي.

في الأول من شهر يناير الحالي بدأ تطبيق وثيقة التأمين ضد الأخطاء الطبية المهنية، والوثيقة أقرها البنك المركزي السعودي، وألزم بها كل الأطباء والممارسين الصحيين، وستعمل على تعويض المرضى المتضررين من هذه الأخطاء، وذلك بمعرفة شركات التأمين المحلية، وبمبالغ تصل إلى مليوني ريال، أو ما يعادل سبع مئة وخمسين ألف دولار، وأتصور أنها ستكون مدرجة ضمن عقود العمل في المنشآت الطبية، وعلى طريقة هيئة التأمين الصحي البريطانية، فالأخطاء الطبية تمثل سبباً لوفاة 20 ألف بريطاني في كل عام، وخسائرها تقدر بنحو مليار ونصف المليار جنيه إسترليني، وتعتبر السبب الثالث للوفاة في أميركا بعد أمراض القلب والسرطان، ويتعرض لها خمسة أشخاص حول العالم في كل دقيقة، والتطور الإجرائي جاء في وقته.

عقوبات الأخطاء الطبية تحتاج إلى تقنين يضبط حدودها، ويجعل الحكم فيها واحداً ومناسباً لكل خطأ طبي، وإلى تضمينها عقوبات تكميلية كتأمين وظيفة بديلة للموظف الذي يتعرض لإعاقة بسببها، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات مهنية تحيد من احتمالات وقوعها.