عبدالوهاب الفايز

 في يوم الأربعاء قبل الماضي وجدت الفرصة لزيارة الأخ العزيز الاستاذ محمد الشريف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) في مكتبه. هذه المرة تختلف عن أول زيارة قمت بها لمعاليه في الشهر الأول في مكتبه، قبل بضع سنوات. يومئذ كان المبنى شبه خالٍ، وعدد الموظفين قليلا، وكان أبو هشام غارقا في بدايات المهمة الصعبة، وهي تحديات تأسيس جهاز جديد يُعوّل عليه ولي الأمر الكثير ليقوم بمهامه، وينتظر منه الناس ما يستجيب لتطلعاتهم، ويواجه حداثة التجربة المفتوحة لكل الاحتمالات والتصورات.. ومن يوضع بمثل هذه المواقع، يستحق المؤازرة والدعم والدعاء، وحتى الشفقة.

عندما زرته هذه المرة وجدت جهازا يضج بالحيوية والحركة، والمبنى الكبير لم يعد كافيا للمئات من الكفاءات الوطنية الذين استقطبتهم (نزاهة)، ولديها العديد من البرامج والمشاريع، ولاحظت أن التجربة تأخذ منحى إيجابيا تصاعديا في التعلم، ووجدت الأخ العزيز الرئيس محاطا بمتخصصين وبقياديين يتمتعون بمزايا العلم والتواضع والسمعة العطرة وعمق التجربة يقف في مقدمتهم نائباه وهما الدكتور عبدالله العبد القادر، والأستاذ أسامة الربيعة.

الهيئة لديها العديد من الخطط والمشاريع التي تعمق دورها الوطني، وتكشف عن توجهها السليم لتكريس قيم النزاهة، وتعزيز الآليات التي تساعد على ترسيخها، ومن ذلك تفعيل قرار مجلس الوزراء الصادر في العام 1428هـ الذي وافق على اللائحة الموحدة لوحدات المراجعة الداخلية في الأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة.

تستهدف اللائحة في أحكامها حماية الأموال والممتلكات العامة، والحد من وقوع الغش والأخطاء واكتشافها فور وقوعها، وضمان دقة البيانات المالية والسجلات المحاسبية واكتمالها، وضمان فاعلية العمليات المالية والإدارية وكفايتها بما يؤدي الى الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وتحقيق التقيد بالأنظمة والتعليمات والسياسات والخطط الملزمة للجهة؛ لتحقيق أهدافها بكفاية وبطريقة منتظمة، وكذلك سلامة أنظمة الرقابة الداخلية وفاعليتها.

هذا الموضوع يستحوذ على جانب من اهتمام الهيئة، وترى أن المضي في تطبيق اللائحة والتزام الأجهزة الحكومية بها سوف يحدث نقلة نوعية في أداء الجهاز الحكومي، ومن تجربة السنوات الماضية يرى رئيس الهيئة أن الكثير من المسؤولين الحكوميين جادون وحريصون على النزاهة والعدالة في عملهم، ولكن تنقصهم الآليات والكفاءات البشرية التي تساعدهم، ومن هذه الآليات الضرورية المراجعة الداخلية.

وبالعودة إلى اللائحة التي أقرها مجلس الوزراء، بموادها الثماني والعشرين، تجد الأمور الأساسية المتعارف عليها في أدبيات المراجعة، بالذات رفع كفاءة الإدارة، فتفعيل المراجعة الداخلية والإيمان بها من قائد الجهاز الإداري، وتحري الأمانة والقوة العلمية في اختيار الكفاءات العاملة فيها، كل ذلك يأتي في صالح القائد الإداري، وفي صالح عمله، وفي صالح بلادنا وسلامة جبهتها الداخلية.

ومن الجوانب الهامة والضرورية لرفع مستوى النزاهة في عمل القطاع العام ضرورة رفع مستوى اداء الخدمات الالكترونية الحكومية. وعندما سألت الأستاذ محمد الشريف عن هذا الجانب وجدته أكثر حماسا وحرصا على المضي بهذا المشروع الحكومي، لأن فوائده العديدة ملموسة وتعطي نتائج إيجابية لإيمان الهيئة بانه كلما زادت نسبة التعامل الالكتروني، ضاق الخناق على ممارسة الفساد.

كذلك فإن الاستاذ محمد يجد أن مبادرة الأجهزة الحكومية، مثل الجهود التي تبذلها وزارة الداخلية وغيرها من الأجهزة الحكومية، تؤكد أن المؤسسات الحكومية تبذل جهودا إيجابية ناجحة لتطوير أدائها وتستحق الثناء، بعكس ما يحاول الإعلام تصويره وتقديمه للناس حول سلبية الأجهزة الحكومية وعدم فاعليتها، وعدم رغبتها في التطوير والإصلاح. هو محق في ذلك، فإذا كنا في السابق نلوم أجهزة الإعلام الدولي التي تكرس صورة نمطية سلبية عنا، ماذا نقول الآن عن الإعلام الممول بـ(فلوسنا). أخشى أن أقول: (حلل الله الاعلام الدولي مقارنة بهؤلاء المراهقين الجدد!).

رغم أن التجربة في بداياتها، إلا أن (نزاهة) تتجه إلى تشجيع دور مؤسسات المجتمع المدني ذات الاختصاص مثل مؤسسة سعفة القدوة الحسنة التي انطلقت منذ سنوات كمؤسسة مجتمع مدني تهتم بتعزيز النزاهة والشفافية. ولمست أن الأستاذ الشريف على قناعة تامة بدور هذه المؤسسات وأهميتها لدعم تجربة الدولة. كذلك لدى الهيئة خطة طموحة لتنمية مواردها البشرية عبر التأهيل والتدريب وإقامة الندوات وورش العمل.

كما تتطلع الى إنشاء مركز أبحاث متقدم يؤصل التجربة ويدعمها معرفيا على المدى البعيد، وأيضا تستعد الهيئة لإقامة المؤتمر الدولي لمكافحة الفساد في الرياض، والذي يستهدف استعراض التجارب العالمية في طرق ومكافحة الفساد فنيا وإداريا والاستفادة منها.

وبما أن محاربة الفساد هي بالدرجة الأولى نزعة أخلاقية وإنسانية، يرى رئيس الهيئة ضرورة إقامة الندوات وورش العمل التي تستهدف إحياء الوازع الديني والأخلاقي لدى الناس، ويعمل مع هيئة كبار العلماء، وهيئة الإفتاء على إيضاح موقف الشريعة من الممارسات الشائعة لدى الموظفين والتي قد لا يدركون تكييفها الفقهي، ويعطي مثالا على ذلك من تقارير المرضى المزيفة، وضرورة محاصرة هذه الظاهرة نظاميا، كما يرى أهمية إيضاح الموقف الديني من هذا الجانب، وبالفعل جاءت الفتوى الدينية التي تحرم اللجوء إلى التقارير الطبية المزيفة لتبرير الغياب عن العمل.

الأمر المهم الذي يؤكده الأستاذ الشريف في أكثر من مناسبة، هو الدعم الذي تجده الهيئة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، يحفظه الله، فالهيئة لديها الاستقلال التام، ولا تخضع لرقابة أي جهاز في الدولة، وهذا يعطيها الفرصة لكي تبني كوادرها وآليات عملها لتكون ضمن المؤسسات الراعية لاستقرارنا الوطني.

المصدر : صحيفة اليوم