علي الجحلي

استفزني عنوان الخبر المنشور في صحيفة “مكة” عن نتائج استبيان وجه للمحاكم في مناطق المملكة عن المبلغ المناسب نفقةً للمطلقة. كانت المعلومات حول التقديرات متفاوتةً جداً. فمن قائل إن المطلقة تستحق ثلاثة آلاف ريال، إلى من رأى أنها لا تستحق أكثر من 50 ريالاً في الشهر.

أتحفظ بدءاً على إعطاء المحاكم صلاحية تقرير النفقة لأسباب عدة. أهمها أن مسؤولية النواحي الاجتماعية والأسرية وتحديد احتياج الأسر وتقرير حدود الضمان الاجتماعي تقع ضمن مسؤوليات وزارة الشؤون الاجتماعية. مهم جداً أن تصدر التقديرات من جهة مختصة مطلعة على الحالة وتعرف الاستحقاق الفعلي بناء على مؤشرات معتمدة، وهو السائد في أغلبية دول العالم.

يتبع ذلك أن المحاكم ليست متفرغة لأمور مثل إجراء البحوث الأسرية والمتابعة لأحوال المجتمع، التي تنبع منها تقديرات مثل هذه. إن كانت المحاكم فعلت ذلك من قبيل الاجتهاد في محاولة المساواة بين المتقاضين، فليتها استنارت برأي إدارات الشؤون الاجتماعية في المناطق.

يستعصي على ذي اللب أن يفهم كيف يمكن أن تعيش امرأة على مبلغ 50 ريالاً لمدة شهر كامل مهما انخفض مستوى التزامها تجاه طليقها وأطفالها. أبسط شيء يمكن بحثه في المجال هو أسعار المواد التي تستخدمها المطلقة يومياً لرعاية الأطفال.

إن المبلغ الذي حددته إحدى المحاكم لا يكفي لشراء علبة حليب واحدة، واحتياج طفل لمدة شهر فقط يتجاوز ثلاث علب حليب، دع عنك المستلزمات الأخرى كالملابس والحفاظات وتكاليف العلاج والتعليم، بل إن بعض المطلقات تدفع إيجاراً لشقة تعيش فيها مع أطفالها.

لعل المستغرب أكثر هنا هو التوجه نحو تحديد النفقة بما تشتريه الأم لطفلها، والشرع يعطيها الحق حتى في مقابل رضاعة الطفل وهو من لحمها ودمها. أظن أن هذا يدعو إلى توقع أن تكون تقديرات المحاكم أعلى من تقديرات مكاتب الشؤون الاجتماعية.

إن خفض التزامات الأزواج بهذا الشكل محرض على انتشار الطلاق، ونحن نعاني ارتفاعا كبيرا في نسب الطلاق. أدعو من هنا إلى الدفع نحو المزيد من الالتزام من قبل الزوج تجاه مطلقته، خصوصاً ما يتعلق بالتهرب من النفقة تحت ذرائع غير منطقية، لعل ذلك يسهم في حماية الأسر من الطلاق وتبعاته.

المصدر: صحيفة الاقتصادية