سالم بن أحمد سحاب - جريدة المدينة

عدد القراءات: 1454

تناول الأستاذ محمد صلاح الدين قبل أيام مضت الدراسة التي أعدتها (الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان) بعنوان (مدى انسجام الأنظمة السعودية مع اتفاقيات حقوق الإنسان الرئيسية). وقد ألقى الضوء في تلك المقالة القيّمة على عناصر الدراسة، وأشار أبو عمرو إلى ما ذكرته الدراسة من أوجه اختلاف بين بعض الاتفاقيات التي وقّعت عليها المملكة، والأنظمة السائدة، وكيفية تلافي تلك الاختلافات.

الدراسة بالغة الأهمية، وعظيمة المحتوى، ولا ينبغي أن تظل حبيسة الرفوف والأدراج، وإنما لا بد أن تصل لكل من يهمه الأمر من أصحاب القرارات التنفيذية المرتبطة بمصالح الناس، بما فيهم القضاة الذين يصدرون الأحكام الشرعية في حق عموم الناس عند وقوفهم أمام القضاء.

وهنا لا بد من وقفة مع المفهوم الذي يتلبس بعض أصحاب القرارات الذين يظنون في هذه الاتفاقيات كل ظنون السوء، ويعدونها (دون دراسة ولا دليل) مخالفة لشرع الله ونهجه، مع أن الدولة عادة ما تستشير كل الجهات المعنية ذات العلاقة. باختصار لا يجوز أن تكون هناك ازدواجية في المعايير، ولا في آليات التطبيق، فهذه الاتفاقيات ملزمة، وهي لا تخرج في روحها عموماً عن شرائع السماء التي نصّت على تكريم الإنسان، وحفظ حقوقه، وعدم التمييز بين الناس علماً بأن المملكة لم تقر البنود المخالفة صراحة لشرع الله المطهّر مثل الحرية، أو الفوضى الجنسية، وزواج المثليين وغيرها.

وفي نظري إن لتوقيع المملكة على معظم هذه الاتفاقيات حسنات كثيرة جدًا، لعلّ من أهمها تحريك المياه الراكدة في منظومة الأنظمة الاجتماعية والقضائية في بلادنا. لقد اعتمدنا لأكثر من خمسة عقود على ما كتبه الأوائل لنا قبل عدة قرون، ومنحنا هذه المصادر أحيانًا مكانة هي أقرب إلى القدسية منها إلى الاجتهاد، مع أنها كُتبت لزمان غير زماننا، ولمجتمعات غير مجتمعاتنا، وأحوال غير أحوالنا.

لقد تعطلت أبواب الاجتهاد المبدع المتجدد لسنوات طويلة، مع أن المجتمع مرّ بمراحل متعددة، وشهد تقلبات مفزعة غير التي شهدتها المجتمعات من قبل. لقد تطوّرت أساليب الاحتيال والغش والتدليس، وأصبحت القاعدة عدم الثقة في الآخرين مع وجود استثناءات بلا شك. أصبح الكفيل الغارم مثلا عملة نادرة، فقُتلت المروءة، وتراجعت صور التضحية والشهامة. لقد كثرت المظالم، واشتد العنف، وازدادت حالات الطلاق، وتهدمت كثير من الروابط الأسرية والإنسانية.

وغدًا.. وبعد غدٍ.. أتناول بعض أوجه الاختلاف.

المصدر : جريدة المدينة -