فهد عامر الأحمدي - جريدة الرياض

عدد القراءات: 1421

قبل خمس سنوات كنت أعمل في إمارة المدينة المنورة مديرا للشؤون الإعلامية . وفي أحد الأيام ذهبت للعمل حزينا مكتئبا بسبب قصة سمعتها في الليلة السابقة من زوجتي الدكتورة نجاة .. فهي كما يعرف بعضكم طبيبة أطفال وكل يوم تخبرني قصصا لايصدقها العقل عن أطفال تعرضوا للعنف أو التعذيب أو حتى التحرش الجنسي من أحد أقربائهم .. وأكثر ما يغضبني في نهاية كل قصة هو (عودة الطفل الى جلاديه رغم أنف الأطباء وعجز السلطات التنفيذية) !؟

وحينها لا أدري أيهما أكثر جرما مايفعله البعض بأبنائهم أم سماحنا بإعادتهم الى قاعات التعذيب. وفي تلك الليلة بالذات سمعت قصة أبكتني بمعنى الكلمة عن طفل في الخامسة من عمره ربطه والده بالحبال ثم ضربه ب”كيبل” حتى أغمي عليه . وبعد أن انتهى دخل في خصام مع زوجته التي حاولت تهدئته فازداد غضبا وعنادا وعاد الى الطفل مجددا وأخذ يضربه وهو مغمى عليه حتى فارق الحياة .. الجريمة الأفظع من هذه ؛ أن هذا الطفل بالذات دخل المستشفى عدة مرات لنفس السبب وفي كل مرة تعيد الشرطة تسليمه للأب رغم أنف الأطباء ولسان حالهم يقول (ماذا نفعل ؛ الوالد أحق بولده) !!

.. وكنت قبلها قد سمعت قصة فتاة في التاسعة حضرت الى المستشفى ولاتكاد بقعة من جسمها تخلو من كية نار أو عضة أسنان (حتى على أعضائها التناسلية) . ليس هذا فحسب بل اكتشف الأطباء كسورا في الذراعين والساقين بعضها التحم منذ فترة طويلة . وبعد تحويلها لقسم النساء وجدت الطبيبة مقعدها متسلخا (وذائبا) بسبب إجلاسها على الجمر عدة مرات !!

وهناك قصة ثالثة , ورابعة , وخامسة ,حشرتها كلها في مقال واحد كتبته أثناء دوامي في الإمارة. وحين انتهيت خطر ببالي تسليم نسخة منه لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز وكتبت أسفله الجملة التالية :

إن رغب سموكم بسماع شهادة عدد من الأطباء فيسعدني تنظيم لقاء كهذا على أمل أن تكون أول خطوة لإنشاء جمعية لحقوق الأطفال في المدينة المنورة..

.. وبالفعل طبعت منه نسخة سريعة وسلمتها لسموه أثناء خروجه من الإمارة .. وفي اليوم التالي استدعاني فور وصوله لمكتبه وتأكد من بعض العناصر الواردة في المقال وطلب اجتماعا سريعا ضم رئيس المحاكم ووكيل الإمارة ومدير الشرطة والادعاء العام ومدير التعليم والشؤون الصحية والاجتماعية في منطقة المدينة ، كما طلب مني دعوة الأطباء الذين اقترحت دعوتهم لسماع شهاداتهم بهذا الخصوص….

ومن هذا الاجتماع المبارك انبثقت أول لجنة وطنية لحماية الطفل من العنف تحت مسمى “فريق رعاية حقوق الأطفال” ارتبط مباشرة بصاحب السمو الملكي الأمير مقرن (بموجب خطاب رقم 49142/4 بتاريخ 12/3/1425ه) …

واليوم يبدو أننا قطعنا شوطا كبيرا في هذا الاتجاه حيث شكلت لجان مشابهة في مختلف مناطق المملكة لحماية المرأة والطفل تحظى برعاية وزارة الداخلية والشؤون الاجتماعية .. كما نشهد هذه الأيام بالذات تتويجا لهذه الجهود من خلال رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لفعاليات المؤتمر الإقليمي الثالث لحماية الطفل (تحت شعار نعمل معا من أجل طفولة آمنة) والذي ينظمه برنامج الأمان الأسري الوطني بالتعاون مع الجمعية الدولية لحماية الأطفال (ISPCAN).

… وبطبيعة الحال لا يمكن لهذه الجهود أن تكتمل دون متابعة ومساعدة المواطنين أنفسهم .. فحالات الإساءة للأطفال مستترة بطبيعتها (وخافية عن الأعين) ناهيك عن أنها موجهة لضحية بريئة لا تعرف لمن تلتجئ .. وهذه الحقيقة تفرض على كل مواطن سواء كان جارا أو قريبا أو معلما عدم التردد في الإبلاغ عن أي حالات يراها أو يشتبه بحدوثها .. فالجهود الرسمية مهما عظمت تظل قاصرة عن معرفة ما يجري داخل البيوت والأمل بعد الله في دقة ملاحظتك (وقناعتك) بأن الاساءة للطفل جريمة تستحق الابلاغ عنها …

المصدر : جريدة الرياض -