عائشة الفيفي - جريدة عكاظ

عدد القراءات: 2237

هل أصبح العنف الأسري ظاهرة تستحق الوقوف والتأمل والدراسة؟. الأرقام والإحصائيات، تؤكد ذلك. غير أن السؤال الذي يبرز إذا ما عرفنا إجابة السؤال الأول. هل العنف الأسري، كان من السلوكيات المسكوت عنها، وساهمت وسائل الإعلام في إبرازه والتحدث عنه، أم أن الضغوط الاجتماعية والمادية هي التي أفرزت كل ذلك؟. في كل الأحوال، الواقع المجتمعي الذي يعطي الرجل الحق المطلق في التعامل مع النساء والأطفال، كرس هذه السلوكيات وعزز حضورها، وهو ما يؤكده مختصون، درسوا العنف الأسري أخيرا. شريحة واسعة في الأطفال والنساء، باتوا يفضلون العيش في دور الرعاية الأسرية والاجتماعية، محتضنين آلامهم وأحزانهم، وأصبحت صدورهم تخفق بالحقد والكراهية لكل من يعيش خارج هذه الدور، بعد أن أصبحت ملاذهم الآمن وبيتهم الكبير.

ذكريات العذاب والحرمان الجسدي والعاطفي، الذي لم تتورع بعض الأسر في تلقينها لأبنائها كلما وجدت المبرر مهما كان تافها، وفي معظم الأحيان مختلقا لا أساس له من الصحة، جعلت المعنفين يضلون طريق الحب، ويعيشون في مفترض يحلمون به وواقع جلد كل مافيهم من أحاسيس إنسانية، جعلهم ينتظرون التشفي في أفراد مجتمع صد عن شكواهم السمع وأشاح عنهم بالنظر.

صور متعددة تقدمها الصحف يوما بعد آخر لأطفال ونساء رمتهم أقدارهم أمام أيدي باطشة وقلوب لاتعرف الرحمة، اتخذت عدة أشكال لإيذاء وتعنيف الحلقة الأضعف، بشكل تعدى حدود المعقول يستدعي تدخل الجهات المختصة لإحداث برامج وقوانين حازمة للحد من هذه الظاهرة التي تهدد بتفكيك الروابط الأسرية وانعدام الثقة وتلاشي الشعور بالأمان.

وفقا لإحصائيات وزارة الداخلية، فإن حالات العنف الأسري شكلت 82 في المائة من حوادث عام 1418هـ في منطقة الرياض فقط أي بما يعادل 1406 حالات إعتداء، وخلال السبع سنوات الماضية من عام 1415هـ بلغت حالات العنف 4528 حالة بزيادة 400 في المائة، فيما بلغت الحالات التي استقبلتها مدينة الملك عبد العزيز الطبية العام الماضي 46 حالة تضررت من العنف الأسري.   وأوضحت مديرة الإشراف الطبي الدكتورة عذراء العقيل، أن الأطفال من أكثر الفئات تعرضا للعنف الأسري والإهمال، لاسيما العنف العاطفي، الذي يتعرض له 33 في المائة من الفتيات و67 في المائة من الأولاد خلال مرحلة رياض الأطفال، كما أن 22 في المائة من الأطفال يتعرضون للتحقير في المدارس. وأشار استطلاع حول تحقير الطالبات في المدارس إلى قيام بعض المعلمات بتصرفات لاتليق بمكانتهن التربوية، كإجبار الطالبة على تعليق ورقة تحقيرية على مريولها خلال وقت الفسحة ليراها بقية الطالبات، فضلا عن خلع أحذية الطالبات وإلزامهن بتنظيف جدران المدرسة. وحملت الدكتورة العقيل، المعلمات مسؤولية التبليغ عن حالات العنف التي يصردنها في المدارس، أو تلك التي تظهر آثارها على الطالبة.

 وخلال العام الماضي فقط، استقبلت مدينة الملك عبد العزيز الطبية، 64 حالة عنف أسري، أحيل منها 18 حالة للخدمات القانونية، وأثبتت 40 حالة عنف، شكل منها العنف الجسدي 19 حالة أي ما يعادل 47 في المائة، وبلغت حالات الاعتداء الجنسي خمس حالات بنسبة 13 في المائة، وحالات الإهمال 13 حالة مثلت 32 في المائة من الحالات، فضلا عن الإيذاء العاطفي الذي بلغ  ثلاث حالات بمايعادل 8 في المائة.

وأشارت مديرة البرنامج الأسري الوطني الدكتورة مها المنيف، إلى ارتفاع حالات العنف الأسري خلال السنوات الماضية، حيث تجاوزت في العام الواحد ثمانين حالة بينما لم تتجاوز في السابق الحالتين فقط.

وأضافت أن الوعي الحقوقي وعدم الصمت على حالات العنف الأسري ساهمت في مساعدة وإنقاذ الكثير من المعنفين أسريا.

و أفادت أن البرنامج الأسري الوطني يهدف إلى تفعيل التواصل بين الجهات الأمنية والقضائية، لاسيما أننا نواجه صعوبة في متابعة بعض الحالات، ونسعى لجعل البرنامج مرجعا لكافة قضايا العنف الأسري من خلال توفير المعلومات عن الحالات المحالة للقضاء.

ولفتت إلى أن البرنامج يحيل الحالات المعنفة إلى الجهات الأمنية التي تحولها إلى هيئة التحقيق والإدعاء العام لتوجيهها للقضاء للبت فيها، وبالرغم من أن البرنامج يعد الحلقة الأولى في إحالة الحالات إلا أنه لايعلم عن حيثيات القضية عن الحالة المحالة للقضاء.

واعتبرت فصل الشتاء من أكثر الأوقات التي يتلقى فيها البرنامج بلاغات عن العنف الأسري، لتجمع العائلة بشكل دائم تحت سقف واحد مما يخلق حالة من الضغط على أفرادها فتقع حالات العنف.

وأشارت إلى أن البرنامج يلزم الشخص المعنف بعقوبة، تتضمن الالتزام بالعلاج النفسي والتأهيل العلاجي النفسي، وفي حالة عدم تجاوبه يرفع بأمره إلى الجهات الأمنية لكتابة تعهد والالتزام بتنفيذ العقوبة 100 في المائة.

من جانبها أوضحت رئيسة قسم الخدمة الاجتماعية في الرياض بداء العليان، أن سكن النهضة الخيري الإيوائي يتكون من عدة شقق مهيأة لاحتضان بعض الحالات المعنفة أسريا فقط، وذلك بعدما لاحضنا أن الشرطة تحيل للسكن أي امرأة تدعي تعرضها للعنف دون التحقيق معها، فضلا عن قيام بعضهن بضرب أجسادهن لدخول الدار رغبة في الخروج من منزل عائلتها، لذلك اشترطنا إحضار تقرير طبي يثبت الإيذاء الجسدي على الحالات التي تدعي تعرضها للعنف ليكون الوضع في الدار أكثر تنظيما.

وعن دور دار الإيواء التابع للشؤون الاجتماعية في احتضان المعنفين أسريا، أشارت إلى أن سكن النهضة يستقبل حتى حالات العنف التابعة للشؤون الاجتماعية على مدى 24 ساعة.

وأضافت أن السكن يستقبل الحالات المعنفة المحولة من مراكز وأقسام الشرطة، وإمارة المنطقة، والجهات الحكومية التي يتم استقبال حالاتها بخطاب رسمي موجه لإدارة الجمعية، وتعبئة النموذج المخصص لذلك.

وقالت «إن الجمعية تحصر حالات العنف الأسري التي يتم إيوائها في الإسكان لإيجاد قاعدة بيانات لكل مشكلة وعمل الدراسات الاجتماعية لكل حالة على حدة وفتح ملف اجتماعي لكل حالة، وإخضاع المعنفين إلى الفحص الطبي لإثبات العنف والإيذاء من خلال التقارير الطبية، وبعد تأهيل الحالات يتم تسليمها لأسرها بعد توقيعها على محاضر استلام والتعهد بتقديم الرعاية الاجتماعية والنفسية للمعنفين، كما تقدم الرعاية الاجتماعية من خلال الفرق المشكلة الدعم المعنوي والنفسي والصحي للحالات المعنفة، ومتابعة أوضاعها بشكل دوري، وتقديم الاستشارات القانونية والتشريعية التي تساهم في حل مشاكلها، وتسهيل إجراءات الأوراق الثبوتية لها.

محاميات للعنف الأسري

الظاهرة التي تفشت في مجتمعنا بشكل مخيف، أوجدت محاميات مختصات للترافع عن المعنفين أسريا.

وأوضحت رئيسة جمعية حماية في محافظة جدة الدكتورة إنعام ربوعي، أن العديد من المحاميات ترافعن في 40 قضية عنف أسري، وكسبن 60 قضية.

المصدر : جريدة عكاظ -