الاتجار بالبشر
د. جاسم بن محمد الياقـوت - جريدة اليوم
نعـم إنه قرار حكيم من ملك الإنسانية بتشكيل لجنة خاصة لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر من ممثلين من وزارة الداخلية الخارجية والعدل والشؤون الاجتماعية والعمل والثقافة والإعلام وهيئة حقوق الإنسان لحماية مملكتنا من هذه الآفة التي أصبحت تهدد العالم بعد المخدرات ، وباعتبار أن إقرار المملكة لنظام مكافحة الاتجار بالبشر ضمانة إضافية لحقوق الإنسان وخطوة مهمة مكملة للأنظمة التي تعمل بها المملكة للحد من الممارسات الفردية لضعفاء النفوس من التعدي على الغير .
حيث تقوم هذه اللجنة بمتابعة أوضاع ضحايا الاتجار بالأشخاص لضمان عدم معاودة إيذائهم والتنسيق مع السلطات المختصة لإعادة المجني عليه إلى موطنه الأصلي في الدولة التي ينتمي إليها لجنسيته أو إلى مكان إقامته في أي دولة أخرى متى طلب ذلك ، والتوصية بإبقاء المجني عليه في المملكة وتوفيق أوضاعه النظامية بما يمكنه من العمل إذا اقتضى الأمر ذلك .
ومن أبرز ملامح النظام هو حظر الاتجار بأي شخص بأي شكل من الأشكال بما في ذلك إكراهه أو تهديـده أو الاحتيـال عليه أو خداعه أو خطفه أو استغلال الوظيفة أو النفوذ أو إساءة استعمال سلطة ما عليه أو استغلال ضعفه أو إعطاء مبالغ أو مزايا أو تلقيها لنيـل موافقة شخص له سيطرة على آخر من الاعتداء الجنسي أو العمل أو الخدمة قسراً أو التسول أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستبعاد أو نزع الأعضاء أو استئجار الأرحام أو إجراء تجارب طبية عليه .
ويعاقب كل من ارتكب جريمة الاتجار بالأشخاص بالسجن مدة لا تزيد على 15 سنـة أو بغرامـة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معاً ، وتشدد العقوبات المنصوص عليها في هذا النظام في عدد من الحالات منها : « إذا ارتكبت ضد امرأة أو أحد من ذوي الاحتياجات الخاصة ، وإذا ارتكبت ضد طفل حتى ولو لم يكن الجاني عالماً يكون المجني عليه طفلاً ، وإذا كـان مرتكبها زوجاً للمجني عليه أو أحد أصوله أو فروعه أو وليه أو كانت له سلطة عليا ، وإذا كان مرتكبها موظفاً من موظفي إنفاذ الأنظمة .
علينا أن نعرف ما معنى الاتجار بالبشر؟ . . الاتجـار بالبشـر هـو عملية توظيف انتقال ونقل أو تقديم ملاذ لأناس بغرض استغلالهم ، وعملية الاتجار تتضمن أعمالا غير مشروعة كالتهديد أو استخدام القوة وغيرها من أشكال الإكراه أو الغش . هذا الاستغلال يتم من خلال إجبار الضحية على البقاء أو على أي شكل من أشكال الاستغلال الجنسي ، عبودية أو غيرها من الممارسات المقاربة للعبودية .
يجب علينا أن ندرك بأن شريعتنا الإسلامية تنادي برفاهية وسعادة كل البشرية بما يتفق مع مبادئ العدل والرحمة وتدعو لإلغاء العبودية ومنع جميع أشكال انتهاك الحقوق الإنسانية ورفض الظلم والمعاناة والدعوة إلى الحسنى والنهي عن المنكر .
وإذا نظرنا جلياً ما يحدث في هذه الأيام من الأزمات وبالأخص الأزمة المالية التي تعاني منها جميع دول العالم فقد أدت إلى زيادة عدد المعرضين للخطر ، وتزايد الاتجار في البشر في جميع أرجاء العالم حيث ظهر نتيجة هذه الأزمة اتجاهان متلازمان ، تتناقض الطلب العالمي على العمالة وتزايد المعروض من العمال الراغبين في تحمل أقصى درجات المخاطرة من أجل الحصول على الفرص الاقتصادية المتاحة ، ومثل هذان الاتجاهان العنصرين الرئيسيين لحدوث مزيد من حالات العمل الجبري للعمال المهاجرين واستغلال النساء في اللا أخلاقية .
من الصعب جداً قياس عمليات الاتجار بالبشر ، ولكن الأمم المتحدة تقول: إن صورة وسائل النقل الرخيصة والاتصالات الفورية ساهمت في نمو هذه التجارة على نطاق واسع خلال السنوات العشر الماضية ، وتفيد أن الأرباح من الاتجار بالبشر تزيد عن 30 مليار دولار نتيجة خداع نحو 5ر2 مليون نسمة لإجبارهم على أعمال قسرية بما في ذلك الاستغلال الجنسي والزيجات القسرية أو دفعهـم لتقديـم أعضاء أو الاتجار في الأعضاء في السوق السوداء .
وأشارت الجهات القانونية ووكالات مراقبة الهجرة أن تهريب البشر أصبح هو النشاط التجاري المفضل للعصابات الإجرامية الناشطة عبر آسيا والشرق الأوسط وأوروبا ، وأن هذه الشبكات أصبحت أكثر تنظيماً وأكثر مقدرةً على تحريك أعداد أكبر من البشر والحصول على أرباح لا مثيل لها في التاريخ ، كما ازدادت هذه العصابات جرأةً بازدياد الطلب على خدماتها خاصةً أنها تمارس نشاطها في ظل قوانين ضعيفة مما يمكنها من العمل دون رقيب .وأشار التقريـر الأخير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية حول الاتجار بالبشر إلى أن إسرائيل لا تزال تشكل وجهة لتهريب النساء والرجال من ضحايا الاتجار بهدف الاستغلال الجنسي حيث ما تزال بعض الجماعات الإجرامية المنظمة تهرب النساء من الاتحاد السوفيتي السابق والصين إلى إسرائيل عبر الحدود مع مصر وتجبرهن على العمل اللا أخلاقي .
وختاماً على الحكومات أن تبادر بالاعتراف بحجم هذه المشكلة ومحاولة إيجاد طرق لعلاجها قبل أن تستفحل . .
المصدر : جريدة اليوم -