حقوق الإنسان: المبادئ والممارسة
د. عبدالرحمن الطريري - جريدة الاقتصادية
كنت أشاهد برنامجاً تليفزيونياً على إحدى القنوات, والذي خصص للهنود الحمر في الولايات المتحدة, وحياتهم كيف هي, مع ربط ذلك بثقافتهم التي يعتدون بها, ويحافظون عليها, إضافة إلى كشف الأسباب الكامنة, وراء التخلف في حياتهم, وبساطة أوضاعهم الاقتصادية, والمعيشية بل ورداءة مستوى الحياة التي تفتقد أبسط المقومات اللائقة بالإنسان, ذلك أن البيئة العامة مزرية, والمنازل متهالكة, وملابس الناس تغلب عليها الرثة. ومن يشاهد هذا البرنامج يتساءل: هل هذا الواقع في الولايات المتحدة التي تتربع على عرش العالم في نفوذها وقوتها, واقتصادياتها المتنوعة؟!. الولايات المتحدة التي ترفع ورقة حقوق الإنسان الحمراء في وجه كثير من الدول في أنحاء العالم كافة, إذ كثيراً ما نسمع صدور قائمة الدول المخالفة لحقوق الإنسان من قبل إدارة الولايات المتحدة, خاصة الدول التي تعارض سياسات الولايات المتحدة, وتقف في وجه هيمنتها, وتسلطها.
حين دراستي في الولايات المتحدة سنحت لي الفرصة لزيارة أماكن استيطان الهنود الحمر, وأقول أماكن استيطان لأنه لا ينطبق عليها مفهوم المدن من حيث التخطيط, والتشجير, والإنارة, والنظافة بل هي أقرب ما تكون إلى التجمعات السكانية العشوائية خارج المدن, وعلى سفوح الجبال منعزلة بصورة تشعر من يراها أن سكان هذه التجمعات منبوذين, أو مصابين بأمراض معدية, ولذا لابد من عزلهم, وإبعادهم عن الناس الآخرين حتى لا يصابوا بالعدوى.
حقوق الإنسان – حسب أدبياتها – لا تقتصر على مسكن جيد, وحياة كريمة في المأكل, والمشرب, واللباس, بل تشمل حقه في التعليم, والعمل, والمشاركة الفاعلة في الحياة والنمو, والبناء. وحقوق الإنسان تشمل عنصراً مهماً ألا وهو حريته, وعدم تقييده, أو التضييق عليه في تجارته, أو في نموه الوظيفي, أو في حركته, أو في التعبير عن رأيه طالما أن هذه الأشياء لا تتعارض مع معتقد المجتمع وثوابته, وكما ورد في الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً «.
أما المساواة في تكافؤ الفرص, والندية القائمة على الكفاءة, والجدارة والعمل, والمثابرة دون الاعتماد على لون, أو عرق, أو جنس فقد أثبتها الرسول – صلى الله عليه وسلم – في قوله «لا فرق لعربي على عجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى». وحري القول إن العمل بمبدأ المساواة, وتكافؤ الفرص بين الناس في التعليم, والعمل, والحياة الكريمة من شأنه أن يحقق العدل الذي تستقيم به الحياة, ويحدث التوازن حتى ولو كان الفرد مختلفاً في دينه «ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى». وإذا كانت حقوق الإنسان بهذه الأهمية, وهذه القيمة في الدين الإسلامي حيث القواعد, والأسس الحاكمة لهذا المبدأ, فمن البديهي أن نسأل أنفسنا عن الدور الذي يفترض ممارسته من قبلنا بهذا الشأن سواء بالتعريف بعناية الإسلام بهذا الجانب, أو بابتكار الآليات, والأساليب التي تضمن المحافظة على هذه الحقوق من أن تمس, أو يتجاوز عليها سواء من الأفراد, أو الأنظمة والدول.
أعتقد, وأرجو أن أكون مخطئاً, أن دورنا لا يزال ضعيفاً سواء على مستوى المجتمعات المحلية في الأوطان الإسلامية, أو على مستوى العالم ذلك أن إسهام العالم الإسلامي في صياغة ميثاق حقوق الإنسان العالمي, أو في آليات الحد من الممارسات المخالفة لمبادئ حقوق الإنسان والتي نسمع عنها بين الفنية والأخرى في هذه الزاوية أو تلك من زوايا العالم الإسلامي. ترى كيف يكون دورنا في هذا المجال أكبر, وبما يتناسب مع حجمنا المفترض وليس الواقعي؟.
التربية تمثل إحدى القنوات الأساسية لزرع, وخلق ثقافة, ولبنات تفكير في هذا المجال إضافة إلى إحداث الممارسات, والسلوكيات القائمة على ثقافة حقوق الإنسان, فالفرد الذي يعلم ما له وما عليه, ويعرف حقوق الآخرين, وما عليهم من دون شك سيسعى للمحافظة على هذه الحقوق, واحترامها خاصة إذا أصبحت هذه الحقوق جزءاً من تفكيره, ومشاعره, ووجدانياته. وإذا كانت التربية, سواء كانت منزلية, أو رسمية من خلال المدرسة, والجامعة, والمعهد تمثل المصدر الأساسي فإن وسائل الإعلام بجميع أنواعها تعتبر رافداً أساسياً لهذا المجال من حيث بث الوعي, ونقد الواقع, وطرح ما يجب أن يكون عليه الوضع.
ما من شك أن حقوق الإنسان تواجه تحديات جمة أولها جهل الناس بهذا المبدأ من الأساس, ومن ثم جهلهم بحقوقهم, وواجباتهم, فالحقوق, والواجبات جناحان متكاملان, فمن يرغب في أن يحترم لابد له من احترام الآخرين, وحقوقهم, والمحافظة عليها وإلا ساد مفهوم الغاب, وضاعت الحقوق, وضاع معها مبدأ حقوق الإنسان, كما أن من التحديات هو حالة الانفصام التي يعيشها الأفراد, والمجتمعات بين المبادئ, والممارسات, ذلك أن هذه الحالة تمثل أحد أهم أسباب ضياع حقوق الإنسان, إذ قد توجد المبادئ, والمفاهيم نظرياً, لكن وجودها على أرض الواقع منعدم, وهذا ما يفسر لنا تصرفات كثير من الناس, أو الدول سواء في العالم الإسلامي الذي يعتدى فيه على حقوق الإنسان بشكل صارخ, أو في العالم الغربي الذي يكيل بمكيالين مكيال الإنسان الغربي, وآخر لغير الغربي, كما أنه يكيف حقوق الإنسان لمصلحته فالدول التي لا تتماهى مع سياساته, ومع مصالحه يسلط عليها الضوء في هذا الشأن بينما دول أخرى مكنته من مواردها, ووقفت معه في ظلمه, وعدوانه يغض الطرف عنها.
إن تجاوز إشكالية الاعتداء على حقوق الإنسان تتطلب معايير واضحة, ومحددة يتم الاتفاق عليها بعد الاتفاق على مبادئ حقوق الإنسان دونما فرض من جهة قوية ذات قوة عسكرية, وسياسية, كما يحدث في عالم اليوم, ودونما شعور بالفوقية, ومثل هذه المعايير إن وجدت ستكفل رصد التطور الذي يحدث بشأن حقوق الإنسان, وتكشف المخالفات سواء من الأفراد, أو الدول, أو الحكومات.
المصدر : جريدة الاقتصادية -