ماجد محمد قاروب - جريدة الوطن

عدد القراءات: 1690

اهتمت الشعوب والمجتمعات والأمم بحقوق الأفراد والأسرة للحفاظ على حق الجميع في العيش بهدوء وسكينة وسلام يساعدها على الرقي والنمو والتطوير فكان اهتمامها بحقوق جميع أفراد الأسرة الطفل والمرأة والوالدين، ونظمت الأمم المتحدة العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل وحقوق المرأة واعتبرت أنها جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان التي ترعاها هيئات حقوق الإنسان العالمية والوطنية.

وقد كان السبق للشريعة الإسلامية الغراء التي نظمت منذ أكثر من أربعة عشر قرنا هذه الحقوق فكانت أقدم التشريعات المطبقة في العالم اليوم وستظل صالحة لكل زمان ومكان تحكم تصرفات الإنسان المسلم وتحفظ حقوق أفراد الأسرة لكي تحمي حقوق المجتمع.

وقد أكد النظام الأساسي للحكم في مادته التاسعة على أن الأسرة هي نواة المجتمع السعودي ويربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر، واحترام النظام وتنفيذه، والاعتزاز به وبتاريخه المجيد. كما أكد في مادته العاشرة على أن تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة، والحفاظ على قيمها العربية الإسلامية، ورعاية جميع أفرادها، وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم. وأكد النظام في مادته السادسة والعشرين على أن تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية. والعنف الأسري بكل أشكاله وأنواعه هو جريمة محرمة عالمياً وإن اختلفت مظاهرها وطبيعتها بين الشعوب والمجتمعات وفق ديانتها وعاداتها وتقاليدها بما في ذلك أنظمتها الأمنية والقضائية والاجتماعية.

وتعددت تعريفات العنف الأسري وفق الثقافات والقوانين من دولة إلى أخرى ومن منظمة دولية إلى أخرى، ولكن أساس التعريف هو إساءة استخدام القوة المادية أو المعنوية من شخص داخل الأسرة تجاه شخص آخر داخل نفس الأسرة، والأسرة تمتد لتشمل بالمفهوم الواسع الآباء والأبناء والأحفاد والأعمام والأخوال وأبناءهم وبناتهم وزوجاتهم وصولاً للقرابة من الدرجة الرابعة، ولعلي بكل أسف أضيف خدم المنازل من سائقين وعاملات ومن في حكمهم إذ لا أعتقد بوجود عائلة ليس فيها عضو أجنبي عنها من تلك الفئات التي تعيش بين ظهرانيهم. ولعل في قضايا السحر والشعوذة وقضايا السفاح والزنا بل والقتل وتعاطي المخدرات والمشروبات المحرمة دليلا مؤسفا على ذلك.

وأنواع ومظاهر العنف متعددة ومتنوعة منها ما هو مادي كالقتل والضرب والتعذيب واغتصاب المحارم والحبس وانتقاص الحريات، ومنها ما هو معنوي وعاطفي بين الزوجين أو مع الأبناء أو الآباء وصولاً للأحفاد.

وتتعدد دوافع العنف من ذاتية إلى اقتصادية إلى اجتماعية وأخطرها العادات والتقاليد التي تتقوى على القانون، ولعلها من وجهة نظري من الدوافع الهامة التي تدفع إلى خلق المناخ والبيئة الخصبة للعنف الاجتماعي ولعل منها غياب وسائل الترفيه العائلية والأندية الرياضية العائلية وعزل الشباب في بيئة منفصلة عن الأسرة والمجتمع وغياب الأنشطة والفعاليات المدرسية والتعليمية وضعف الثقافة العائلية والأسرية والاجتماعية، وزاد الأمر بلة الانفتاح الإعلامي الذي يعرض قضايا اللواط والسحاق وزنا المحارم في بعد كبير من ثقافتنا وتعاليمنا الإسلامية وعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية.

ونظرياً يدرك رجل الأمن بشكل عام العنف الأسري ويشاهد ويتعامل مع بعض الحالات من العنف الجسدي المتمثل في القتل أو الضرب أو الاعتداء الجنسي. ولكن يشوب هذا الإدراك ضعف التعامل، ومن خلال محاضرات دور الجهات الأمنية والقضائية في مكافحة العنف الأسري ومن خلال ملتقيات الخبراء في مكافحة العنف الأسري وإحصاءات شرط المناطق وما يعلن ويرصد من قبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ثَبَتَ أنه يشوب التعامل مع قضايا العنف عنف مؤسساتي وأمني يتحكم فيه فكر العادات والتقاليد على سلامة الإجراءات من ناحية وضعف التعامل من ناحية أخرى وتفصيل ذلك أنه:

1) تبين أن هناك ضعفا شديدا في تعامل الجهات الأمنية مع بلاغات الاستغاثة من العنف سواء كان ذلك في تلقي الشكوى هاتفياً أو حضورياً.

2) تأخر قضايا العنف الأسري من حيث الأولوية لصالح قضايا القتل والسرقة ومبرر ذلك قلة الإمكانيات وضعف الثقافة الحقوقية والاجتماعية بما يؤثر سلباً على تعاطي رجل الأمن من هذا النوع من القضايا.

3) تعامل الجهات الأمنية مع قضايا العنف الأسري تحكمه العقلية الذكورية الخاطئة عن الولاية القوامة وكذلك العادات والتقاليد والقيود الاجتماعية حيث يتم إغلاق العديد من محاضر الشكاوى بالتنازل الذي تسبب فيه ضعف المعتدي عليه من النساء أو الأطفال لعدم وجود بدائل للحماية والإعالة.

وعطفاً على ذلك وقبل الخوض في الخلاصة والتوجيهات يجب أن نوضح أن الإسلام كقانون حاكم على المسلمين قد حفظ حقوق الطفل والمرأة والزوج عندما أوضح للرجل كيفية اختيار الزوجة مؤكداً على أن يكون اختياره على أساس المعيار الأهم وهو الدين أي التقوى والصلاح، وطلب من أهل المرأة تزويجها ممن ترضى بدينه وخلقه وهما أساس بناء الأسرة مع مطلب التخير للنطفة لإنجاب الذرية الصالحة وكذلك المعاشرة بالمعروف، وأمر الإسلام بالتعامل مع الوالدين بالإحسان، وحرم قطيعة الرحم، وأمر الزوجة بطاعة الزوج الذي يجب أن يكون خيّراً مع أهله من زوجة وأبناء ووالدين، وفي هذا درء للمفاسد وتحقيق للمصالح وحماية للمجتمع وأمنه. وهو ما يعني أنه لا تنقصنا ولله الحمد التعليمات والأوامر والتوجيهات الدينية ولا حتى التشريعات والقوانين الجنائية والجزائية ولكن عدم ترجمة تلك التوجيهات الربانية والقوانين الجنائية إلى واقع نعيشه هو السبب الأول والرئيسي لكل مظاهر العنف والفساد الأخلاقي التي حولت مشروعية التعدد في الزوجات إلى أداة من أدوات قهر الزوجات والنساء والأبناء.

كما أن تقييد بعض الحريات للمرأة فيه نوع من عنف المجتمع المؤسسي ضد المرأة ومن مظاهره المنع من السفر إلا بإذن ولي الأمر لأن هذا المنع لم يمنع المفاسد في الداخل وحتى في الخارج ولم يحقق المصالح وشواهد ذلك كثيرة ومتنوعة في المجتمع وداخله، كما أن عدم اعتراف الكثير من الجهات الرسمية بالبطاقة الشخصية للمرأة رغم صدورها من الجهة المختصة ومطالبتها بإيجاد من يُعَرف بها نوع من العنف المعنوي ضدها يساهم في ترسيخ مفاهيم تسلط الرجل على المرأة والتعدي على حقوقها المشروعة في كثير من مناحي الحياة. بما فيها الحق في العمل وكسب الرزق والعيش الشريف، وللحديث بقية.

المصدر : جريدة الوطن -