د. عبدالمجيد بن محمد الجَّلال - جريدة الجزيرة

عدد القراءات: 1308

في الكتاب الإحصائي السنوي الذي تصدره وزارة العدل، وفي نسخته الجديدة الثالثة والثلاثين لعام 1429هـ (2008م) وبما يخص إحصائية حالات الطلاق في المملكة، جاء ما يلي:

«بلغ إجمالي حالات الطلاق في المملكة (28867) صكاً بمعدل (79) صك طلاق يومياً. منها (24608) حالات طلاق بنسبة (85%). و(1344) حالة خلع بنسبة (5%). و(2915) حالة فسخ نكاح بنسبة (10%) من إجمالي حالات الطلاق. كما بلغ أعلى عدد لحالات الطلاق في منطقة الرياض (8274) صك طلاق بنسبة (28.7%) من إجمالي حالات الطلاق في المملكة. تليها منطقة مكة المكرمة (7677) صكاً بنسبة (26.6%) من الإجمالي في المملكة. في حين بلغ أدنى عددٍ لحالات الطلاق في منطقة الباحة (401) صك بنسبة (1.4%) من إجمالي حالات الطلاق في المملكة».وجاء في الإحصائية كذلك «أن إجمالي حالات الطلاق بين السعوديين بلغ (25874) صكاً بنسبة (89.5%) من إجمالي صكوك الطلاق في المملكة. منها (22142) حالة طلاق بنسبة (86%) من إجمالي طلاق السعوديين. و(990) حالة خلع بنسبة (4%) و(2715) حالة فسخ نكاح بنسبة (10%) من إجمالي طلاق السعوديين. من جهة أخرى بلغ إجمالي حالات الطلاق التي يكون فيها الطرفان أو أحدهما غير سعودي (3020) بنسبة (10.5%) من إجمالي حالات الطلاق في المملكة».

هذه البيانات الإحصائية هي نتاجٌ للتَّأزم الشديد نسبياً في العلاقة الزوجية الذي أفضى في نهاية الأمر إلى فصم عراها. ولكن مع الأسف الشديد فإنَّ دائرة التَّأزم هذه لا تنحصر في الحالات المنتهية بالطلاق. بلل يتسع قطرها لتستوطن بعض البيوت السعودية، وتُعشش في أركانها وزواياها، وإن ظلت العلاقة الزوجية قائمة بصفتها العقدية والشرعية، بضغط الأبناء والأهل والمجتمع. هذا التَّأزم الذي يظهر على سطح العلاقة الزوجية، بتداعياته وإسقاطاته على النظام الاجتماعي الأُسري، يعكس بطبيعة الحال افتقاد هذه العلاقة إلى وهج الحب والدفء والحنان، واستقرار حالة عدم التفاهم أو الانسجام العاطفي والنفسي بين الزوجين، وبما يدفع بالتالي إلى الخلاف والاختلاف، حتى حول المسائل والقضايا البسيطة. ومعه تفقد هذه العلاقة زخمها العاطفي، ويدبُ الفتور والبرود في محيطها، وتتباعد المسافات بين طرفيها، وتدخل في مسالك وطرق وأزقة ومتاهات تبعد الزوجين عن متطلبات السعادة الزوجية في أدناها.في كتابه «كيف تتمتع بالسعادة في حياتك» يرى المؤلف هادي المدرسي أنَّ السعادة إذا اعتبرناها راحة نسبية، ولَّذة متناسبة مع إمكانات هذه الحياة، وعيشاً بالحد الأدنى أو المتوسط من المتطلبات، فإنَّ السعادة ليست فقط ممكنة، وإنما هي متوفرة للجميع، وبإمكانهم الوصول إليها بشرط توفير أسبابها وعواملها».

وفي موضع آخر يقول المؤلف «تسري السعادة في خط دائري.. وليس في خط مستقيم، وهذا يعني أنك لا تستطيع أن تحصل على السعادة إلا إذا أعطيتها لغيرك. فالسعادة كالحب لا تأخذه إلا إذا أعطيته.. فأنت لا يمكنك أن تحب من يبغضك، كما لا يمكنك أن تبغض من يحبك، فلا يمكنك أن تصبح سعيداً إن لم تسعد الآخرين».إذن السعادة الزوجية ليست ممكنة فحسب، بل ويمكن بلوغ ذروة سنامها، دون جهود مضنية، أو أعمالٍ مرهقة، وذلك حين يتحاكم الزوجان إلى عناصر هذا الميثاق الغليظ في السكن والمودة والمحبة بمحتوى متوازن ومتبادل، مصداقاً لقول الرحمن الرحيم {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

من ثمرات هذا التحاكم القدرة والإيجابية على معالجة المشكلات القائمة والمحتملة، عبر السَّير على هدى هذه القاعدة الإيمانية، وسبر أغوارها، لصالح الوفاق والاتفاق. فذاك هو مفتاح السعادة الزوجية بكل عنفوانها ومتعتها الحسية والمعنوية.

على صعيد الحراك المجتمعي تنهض مؤسسات اجتماعية ونفسية وأُسرية بعمليات رصدٍ للمشكلات الأُسرية، وآثارها النفسية والاجتماعية على هذه الوحدات المجتمعية الصغيرة، عبر إجراء الدراسات والمسوحات البيانية، وتنفيذ مشاريع للإصلاح والتأهيل، والمقاربة، لتوفير متطلبات الحياة الأُسرية المستقرة، أو على الأقل أدنى متطلباتها.

ومن الدراسات الحديثة الصادرة في هذا العام الهجري 1431هـ (2010م) في إطار عمليات الرصد لهذه الظاهرة أو الإشكالية، إصدار مجموعة من الباحثين والباحثات الجزء الرابع من سلسلة دليل الإرشاد الأُسري، عن مشكلة الطلاق، وحجمها، وخصائصها، والنظريات المفسرة لها، وكيف يتعامل معها المرشد الأُسري.

على أيَّة حال، نوافذ التَّأزم في العلاقة الزوجية متعددة، ومتشعبة، وذات طبيعة تربوية واجتماعية واقتصادية وبيئية. ولكن -ووفق قراءتي المبدئية- تبدو أبرز مواطن الإشكال والتَّأزم، والتي تعمل على تعكير صفو العلاقة الزوجية، وتُرسِّخ لوضعية عدم التفاهم والانسجام بين الزوجين، وتُضعفُ من الزخم العاطفي والوجداني بينهما إشكالية الثقافة الذكورية المتسلطة، والتعسف غير المبرر في التعاطي مع حق القوامة. إذ من خلال هذه الثقافة، يمارس بعض الأزواج، وبدرجات متفاوتة، الكثير من التصرفات والسلوكيات المشينة، التي تلحق -في الغالب- الأذى النفسي والبدني بزوجاتهم، دون احترام، أو اعتبار، لمشاعرهنَّ، أو حقوقهنَّ، بلْ وخلافاً للقاعدة الشرعية المعتبرة «إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» . وأمثال هؤلاء الأزواج يحيلون بيوتهم الزوجية إلى بؤر للتوتر والقلق، والريبة والشك. وتغدو علاقاتهم الزوجية أشبه بالخيط الرفيع الذي قد ينقطع في أي وقتٍ، أو لحظة زمنية مباغتة.

ومن ثمَّ فإنَّ الأمر يستدعي القيام بمبادرات إيجابية، بشراكة مجتمعية فاعلة، تهدف بشكلٍ أساس إلى التعريف بثقافة احترام الزوجة، كإنسانة، وشريكة، وحبيبة، وراعية بيت وأبناء، وحافظة شرف وعرض، وأهمية احترام أفكارها ورؤاها، والعناية بمشاعرها، وتقدير ظروفها، ورعاية حقوقها ومصالحها. فهذا مدخلٌ أساس لبناء حياة أُسرية مستقرة، والتمتع بنفحات ظلالها الوارفة، وثمراتها اليانعة، ونسماتها العليلة، وطاقاتها الكامنة للنهوض بأدوارها في التنشئة والتربية والتعليم، بإيجابية وفاعلية أكبر، وصناعة أجيال تمتلك مقومات الإيمان، والعلم، والإبداع، وتطوير الذات، والثقة بالنفس، وتستشرف آفاق المستقبل بكل أريحية واقتدار.

كلمة:

بعض الزوجات يدفعنَّ من حياتهنَّ النفسية والاجتماعية ثمن ثقافة ذكورية متسلطة، وإرهاصات التباين المعرفي والإدراكي والأخلاقي لدى الأزواج.

المصدر : جريدة الجزيرة -