د. عبدالله محمد السهلي - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1179

يأتي اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يوافق العاشر من كانون الأول (ديسمبر) للاحتفال والتذكير بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر يوم العاشر من كانون الأول (ديسمبر) 1948 حول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يأتي وقد أرهق البشرية الظلم والتعدي وصناعة بؤر الصراع التي لا تكاد بؤرةٌ منها تنطفئ إلا وتشتعل أخرى، لا سيما ونحن نعيش عصر الإمبريالية الأمريكية، وحسبكم أفغانستان والعراق، وما تقارير ويكيليكس إلا كجبل الجليد الذي لم تظهر منه سوى قمته و(الخافي أعظم) كما تقول العامة!

إن حالة الإمبراطورية التي تعيشها الغرب عامة وأمريكا خاصة، والتي تقابلها حالة الأفول والانزواء الإسلامي المخجل، أورثت بالفعل تشرذم الإنسان المسلم وضياع حقوقه، بل ضياع حقوق الإنسان والبشرية، دعوني أعرج على صفحات مشرقة من الفتح الإسلامي عبر التاريخ، لنرى مدى إنسانية الإسلام ورحمته بالبشرية كافة على اختلاف أجناسهم وأعراقهم، يذكر البلاذري في تاريخه (فتوح البلدان) أنه لما ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز، وفد إليه قوم من أهل سمرقند، فرفعوا إليه أن قتيبة قائد الجيش الإسلامي فيها دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين غدرا بغير حق. فكتب عمر إلى عامله هناك أن ينصب لهم قاضيا ينظر فيما ذكروا، فإن قضى بإخراج المسلمين من سمرقند أخرجوا. فنصب لهم الوالي (جميع بن حاضر الباجي) قاضيا ينظر في شكواهم، فحكم القاضي وهو مسلم، بإخراج المسلمين! على أن ينذرهم قائد الجيش الإسلامي بعد ذلك، وينابذهم وفقاً لمبادئ الحرب الإسلامية، حتى يكون أهل سمرقند على استعداد لقتال المسلمين فلا يؤخذوا بغتة. فبالله عليكم فتشوا في تاريخ الأمم والشعوب وانظروا هل تجدون أمة أرحم من أمة الإسلام عندما كان الإسلام حياً في قلوبهم.

حكمنا فكان العدل منا سجية

فلما حكمتم سال بالدم أبطح

وحسبكُمُ هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالذي فيه ينضح

كما تذكر كتب التاريخ أن الفتح الإسلامي لما تمكن من دمشق وحمص وبقية المدن السورية، وأخذوا من أهلها مبالغ من المال صلحا لقاء حمايتهم والدفاع عنهم، وبعد أن جمع هرقل لهم الجموع لينازلهم في معركة فاصلة، رأى قادة المسلمين أن يخلوا المدن المفتوحة، وأن يتجمعوا في مكان واحد ينازلون فيه الروم، وخرج جيش المسلمين من حمص ودمشق والمدن الأخرى، فجمع خالد أهل حمص وأبو عبيدة أهل دمشق، وغيرهما من القادة أهل المدن الأخرى وقالوا لهم: إنا كنا قد أخذنا منكم أموالا على أن نحميكم وندافع عنكم، ونحن الآن خارجون عنكم لا نملك حمايتكم، فهذه أموالكم نردها إليكم! فقال أهل المدن: ردكم الله ونصركم، والله لحكمكم وعدلكم أحب إلينا من جور الروم وظلمهم. والله لو كانوا مكانكم لما دفعوا إلينا شيئا أخذوه، بل كانوا يأخذون معهم كل شيء يستطيعون حمله!

وفي حروب التتار في بلاد الشام، وقع في أيديهم كثير من أسرى المسلمين والنصارى واليهود، ثم تدخل شيخ الإسلام ابن تيمية مع أمير التتار في أمر الأسرى وفكّ أسرهم، فأجابه الأمير إلى فك أسرى المسلمين فقط دون النصارى واليهود، فأبى شيخ الإسلام ذلك وقال له: لا بد من افتكاك جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيرا لا من أهل الملة ولا من أهل الذمة. (روائع حضارتنا).

وها هو أحد المنصفين الغربيين هنري دي شامبون مدير مجلة ”ريفي بارلمنتير” الفرنسية يشهد برحمة الإسلام وإنسانيته التي عمت كل البشرية؛ حيث يقول: لولا انتصار جيش شارل مارتل الهمجي على العرب المسلمين في فرنسا لما وقعت بلادنا في ظلمات القرون الوسطى، ولما أصيبت بفظائعها ولا كابدت المذابح الأهلية التي دفع إليها التعصب الديني المذهبي، لولا ذلك الانتصار الوحشي على المسلمين في بواتييه لظلت إسبانيا تنعم بسماحة الإسلام، ولنجت من وصمة محاكم التفتيش، ولما تأخر سير المدنية ثمانية قرون, ومهما اختلفت المشاعر والآراء حول انتصارنا ذاك، فنحن مدينون للمسلمين بكل محامد حضارتنا في العلم والفن والصناعة، مدعوون لأن نعترف بأنهم كانوا مثال الكمال البشري في الوقت الذي كنا فيه مثال الهمجية”.

إن الأفول الحضاري الذي يعيشه المسلمون قد حرم البشرية من العدل والرحمة وحفظ حقوق الإنسان

المصدر : جريدة الاقتصادية -