د. سليمان بن علي العريني - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1164

يحتاج الإنسان، طفلاً أو بالغاً، امرأة أو رجلا، إلى التغذية الروحية والعقلية والصحية والغذائية والبدنية والترفيهية على حد سواء، فالعقل السليم في الجسم السليم. نحن أمة مسلمة، أمرنا الله بعبادته وعمارة أرضه، وحثنا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم على فعل كل ما من شأنه تحقيق هذه الأهداف، منها الترغيب في الأكل الصحي والتربية البدنية ”وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة في الرمي”، ”المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف”، ”ما رأيت أحداً أسرع من رسول الله”، ”وكان إذا مشى تقلع (أي ارتفع من الأرض)”، ”الصحة في أطراف الجوع”، ”علموا أبناءكم الرماية والسباحة”، وتقول عائشة ”سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته”، وحث الرسول على الرمي بالقوس والسهم والسباق بأنواعه سواءً الجري أو سباق الخيل والسباحة ، وغيرها من الأحاديث والآثار النبوية والإسلامية الغنية والحاثة على تغذية الجسم بما يحتاج إليه، أحدها الرياضة والغذاء.

في ظل هذه التعاليم الصريحة والموجبة لتطوير الذات بدنياً وصحياً، وفي ظل ما يعانيه أبناء وبنات هذا البلد من مشاكل صحية وخصوصاً السمنة والسكر وفقر الدم، حيث بلغت نسب انتشارها في بلادنا أرقاماً عالية وخطيرة، يكفي أن نشير إلى أن هناك أكثر من 25 في المائة من طلبتنا مصابون بالسمنة المفرطة، وهي نسبة متحفظة، نسب وأرقام تنذر بمشاكل مستقبلية للوضع الصحي في المملكة، وقد تكلفنا المال والنفس. في ظل هذه المعطيات قد يكون من المناسب إلقاء الضوء وتقييم الوسائل والطرق المتبعة في تقديم وتعليم وتدريب التغذية والتربية البدنية في مدارسنا ومنازلنا وأحيائنا وأعمالنا ومجتمعنا، كما أنه من المناسب الحديث عما تقوم به الجهات المسؤولة عن التغذية والدواء والتربية البدنية مثل وزارة التربية والتعليم ورعاية الشباب وهيئة الغذاء والدواء ووزارة التجارة ــ حماية المستهلك ــ والجامعات والبلديات وحقوق الإنسان.

ما يحصل في مجتمعنا من انتشار للسمنة والسكري وفقر الدم والضغط نتاج وامتداد طبيعي لواقع مدارسنا من ضعف في تقديم وممارسة التربية البدنية بين الطلاب والمعلمين وهو أمر لا يمكن إنكاره أو التغاضي عنه، فحصة التربية البدنية لا تتعدى كونها تجميع الطلبة للعب الكرة (القدم) مرة واحدة في الأسبوع، فهل هذه التربية البدنية المطلوبة؟ حصة التربية البدنية يتم اختزالها في لعب الكرة في الساحة أو الملعب بدلاً من تعليم وتدريب الطلاب على فنون القتال والدفاع عن النفس والشجاعة والتمارين البدنية المفيدة. لا ضير إذاً بأن يعتقد أبناؤنا فعلياً بأن الرياضة لا تتعدى كونها مشاهدة دوري كرة قدم هنا وهناك، مع ممارسة بعضهم الألعاب الرياضية الإلكترونية، بعضها على أجهزة الحاسب وبعضها على الإنترنت، دون بذل أي مجهود بدني أو عقلي (حقيقي). ومع انتشار هذا النوع من الرياضة السيئة على الدين والعقل والبدن، لنا أننتساءل، هل هذا النوع من التربية البدنية يتيح لأبنائنا أن يبنوا ويتعلموا ويمارسوا عادات وطرقا وممارسات بدنية ورياضية جيدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، الدفاع عن النفس، السباحة، المشي والجري الصحيح، والرماية، مع توفير جو من اللهو والترفيه البريء؟

ومع غياب دور المدرسة في تأصيل علوم الرياضة الصحية وغرسها في أبنائنا انتقلت العدوى إلى المجتمع بجميع فئاته، حيث يعاني أغلب الناس الكسل والعادات الغذائية والرياضية السيئة، إضافة إلى قسوتهم على أبدانهم بشكل كبير، فالبعض يعمل (24/7) دون كلل أو ملل ودون راحة أو نوم كاف أو رياضة ممتعة ومفيدة، والبعض ينغمس في أكل ما لذ وما طاب من الطعام غير الصحي مثل الوجبات السريعة والمشروبات الغازية، وغيرها من العادات والسلوكيات غير الصحية.

أما التغذية في المدارس فأقل ما يقال عنها إنها غير صحية، هذا إن وجدت، فالمقصف المدرسي هو عبارة عن ”بقالة” أو ”بوفيه”، يركز على الكسب المادي، بينما يبيع طعاما غير صحي مثل الشوكلاته والحلوى والعصائر، مع غياب تام للغذاء الصحي الذي يفترض أن يحتوي، بحد أدنى، على الحليب وفطائر خالية من الزبدة والعصائر الصحية الطازجة والفواكه. كما أن مشكلة وخطورة هذه المقاصف على تغذية وصحة الأطفال في المدارس لا تقتصر فقط على نوعية الطعام والمواد الغذائية المقدمة، بل تتعداها إلى نوعية العمالة المسؤولة عن إدارة هذه المقاصف، مجموعة من العمالة غير المؤهلة علمياً وصحياً، إضافة إلى عدم التزامها وإلمامها بوسائل الصحة والسلامة، مع عدم توافر عنصر النظافة الداخلية في هذه المقاصف، فليس من الغريب انتشار القوارض في بعض هذه المقاصف. في مثل هذه البيئة لا تنتشر السمنة فقط بين الأطفال، بل قد تنتشر الأمراض بدءا بتسمم الأطفال.

أما نوعية الغذاء في الأسواق والمطاعم فحدث ولا حرج، بين الطعام والمواد الغذائية الرديئة والقليلة الفائدة وبين التسمم المتكرر وبيئات عمل غير صالحة. كما أن استمرار ظاهرة التدخين في الأماكن العامة، رغم التعليمات الصريحة بمنعه، لا يؤثر سلباً فقط في المدخنين ولكن في القريبين من هؤلاء المدخنين بشكل أكبر، وهي مرض أخطر وأكثر تكلفة على المجتمع من تجاوز السرعة أو الإشارة المرورية. في ظل عدم الاهتمام بالتربية البدنية والتغذية العلمية السليمة في مدارسنا وبيوتنا لا عجب أن نرى انتشار السمنة وفقر الدم والسكري بين الأطفال وبنسب غير مقبولة.

أما الجهات الحكومية المسؤولة مباشرة عن حماية المستهلك ومنها وزارة التربية والتعليم ورعاية الشباب وهيئة الغذاء والدواء ووزارة التجارة ــ حماية المستهلك ــ والجامعات والبلديات وحقوق الإنسان فما زالت غائبة نسبياً، أو حتى كلياً، عن مواجهة مسؤولياتها، وكل يلقي باللائمة على الآخرين أو حتى على المواطن. التغذية الصحية والرياضة السليمة والبيئة النظيفة هي أقل الحقوق التي يجب أن يحرص عليها المجتمعوينبغي لهيئة وجمعية حقوق الإنسان العمل على تحقيقها، مع عدم قبول أي عذر من أي جهة عن عدم قيامها بواجباتها، عذر يراد به التهرب من المسؤولية.

وللحديث بقية ..

المصدر : جريدة الاقتصادية -