عبد العزيز الغدير - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1022

مجموعة من الطالبات في جامعة أهلية تقع شمال الرياض يعانين من سوء في جودة التعليم مقارنة بزملائهن الطلبة رغم أنهن يدفعن تكاليف الدراسة نفسها ”بالهللة”، حيث ينعم الطلاب بالتدريس المباشر الذي يمكنهم من الاستيعاب والفهم والتفاعل مع عضو هيئة التدريس، في حين أنهن وبعد مرحلة التعلم في الدور الثاني بينما يتعلم الطلبة في الدور الأول المباشر، أصبحن يتعلمن من خلال الدوائر التعليمية المغلقة وهو بكلما تعنيه الكلمة ”تعليم عن بعد” يستطعن أن يتلقينه في بيوتهن بتكاليف أقل بكثير بدل الذهاب للجامعة لمشاهدة هذه المحاضرات البائسة.

والد إحداهن يقول إن ابنته وهي متفوقة متذمرة جدا من هذا النوع من التعليم الذي لا يُمكِنها من فهم المواد خصوصا مواد التخرج الأكثر صعوبة، حيث يتطلب فهم هذه المواد واستيعابها بالشكل المنشود عضوة هيئة تدريس ذات كفاءة عالية تدرس المادة بشكل مباشر يُمكِن الطالبات من التفاعل معها والسؤال في حالة عدم الفهم أو للمزيد من الفهم والاستيعاب، وليس من خلال دوائر مغلقة رغم أن تكاليف دارسة الطالبات لا تقل عن تكاليف دراسة الطلبة، ويتساءل ما الحل أمام تعسف الجامعة والاستهتار بحقوق الطالبات.

الجامعة تعتذر للطالبات بأن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تمنع دراسة الطالبات مع الطلبة في صالة واحدة بحاجز يفصل بينهما أو بدورين منفصلين أسفل للطلبة وأعلى للطالبات، وهو عذر مقبول من جهة ضرورة فصل الدراسة بين الطلبة والطالبات تطبيقا لتعليمات الهيئة ولكنه غير مقبول بتاتا للتحول إلى التعليم من خلال الدوائر المغلقة، حيث يجب على الجامعة أن توفر ”عضوات هيئة تدريس” لتعليم الطالبات بشكل منفصل، خصوصا أن الجامعة رفعت تكاليف الدراسة للضعف من أكثر من ثلاث سنوات بعذر توفير أعضاء هيئة تدريس ذوي كفاءة للطلبة والطالبات.

نعم لا يجوز بتاتا التمييز في التعليم على أساس الجنس حيث ينعم الطالب الذكر بتعليم أعلى جودة من الطالبة الأنثى رغم تساوي التكاليف فهذا ظلم بواح لا يُرضي الله ولا يُرضي عباده، وهو تمييز حاصل في هذه الجامعة إذا عرفنا أن التمييز على أساس الجنس يحدث عندما يتم التعامل مع شخص ما أو مجموعة من الناس بطريقة غير عادلة على أساس الجنس، والتمييز في حالتنا هذه هو تمييز مباشر، حيث تقوم الجامعة بالتعامل بطريقة غير متساوية مع الطالبات على أساس الجنس الأمر الذي يترتب عليه ضرر على مستوى التعليم الذي يتلقينه مقارنة مع الطلبة، وهو تمييز يشكل انتهاكا لمبادئ المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة ،على قدم المساواة مع الرجل في حياة بلادنا بكل أبعادها، ويعوق نمو رخاء المجتمع والأسرة ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلادها من كل المواقع المتاحة لها بما في ذلك الموقع الأساسي وهو المنزل، حيث تقوم بإعداد وتنشئة الأجيال الواعية.

في أكثر من مقالة تطرقت إلى موضوع الدور التربوي للجامعات الذي يجب أن تلعبه، إضافة للدور التعليمي وبينت أن طلبة الجامعات هم مسؤولي المستقبل وعلينا أن نزرع في أنفسهم منظومة قيم ومفاهيم ومبادئ تجعلهم مسؤولين فاعلين يحترمون الآخر ويستمعون إليه ويقدرونه ويحترمون حقوقه وكرامته ومتطلبات نجاحه وإطلاق قدراته والتعبير عن جدارته، ولكن وبكل أسف ما زالت الجامعات خصوصا الأهلية التي لجأ إليها المقتدرون بحثا عن التعليم المتميز من باب الاستثمار في أبنائهم ليكونوا سواعد بناء مبدعة، أقول ما زالت تهمل الجانب التربوي بشكل كبير، بل إنها تفعل العكس تماما، حيث تزرع في نفوسهم ازدراء الآخر وحيل التلاعب عليه لسلب حقوقه أو انتقاصها لتحقيق مكاسبضيقة ومؤقتة.

أي مستقبل ينتظر بلادنا إذا كانت جامعاتنا تخرج طلبة يعانون من ضعف واختلال في منظومة القيم والمفاهيم والمبادئ الحاكمة لمواقفهم والحاكمة بالمحصلة لسلوكياتهم وتصرفاتهم تجاه الآخر وقضاياه، سواء كان رئيسا أو مرؤوساً أو زميلا أو مراجعا، نعم هناك أمل على من ابتعثوا للخارج أن تتطور ثقافتهم، ولكن هؤلاء لا يكفون فكل من ابتعث حتى الآن نحو 80 ألفا في حين يدرس في جامعاتنا الحكومية والأهلية مئات الآلاف سنويا.

أعتقد ولمعالجة موضوع التمييز الحاصل في هذه الجامعة في حال عدم معالجته فورا من قبل الجامعة بفتح فصول مخصصة لتعليم الطالبات من قبل عضوات هيئة تدريس بشكل مباشرة لا من خلال الدوائر الإلكترونية المغلقة أو تخفيض تكاليف دراسة الطالبات بما يتناسب وهذا النوع الرديء من التدريس، أعتقد أنه على الطالبات التوجه لوزارة التعليم العالي للتدخل في تحقيق العدل بين الطلبة والطالبات من جهة جودة التعليم المباشر ومن جهة تكاليف التعليم، وفي حال عدم الحصول على حل التوجه لهيئة أو جمعية حقوق الإنسان لمعالجة هذا الموضوع الذي لا يتخيله أحد من جامعة أهلية في القرن الحادي والعشرين.

أيضا أتوقع تحركا من وزارة التعليم العالي دون الحاجة لشكوى لمعالجة هذا التمييز في مستوى التعليم بين الطلبة والطالبات في الجامعات الأهلية وخصوصا في هذه الجامعة التي أحتفظ باسمها لتحقيق العدالة وترسيخها في نفوس أبنائنا الطلبة، كما أتوقع تحركا سريعا من الجامعة والجامعات التي تقوم بتدريس مماثل لطالباتنا أن تعالج هذه المشكلة بأسرع وقت ممكن.

ختاما، أود أن أؤكد أنه حان الوقت في ظل الوعي المتنامي بالحقوق وما يشهد العالم من تغيرات أن نسارع للتطور بمرونة عالية بما يتناسب وسقف التوقعات الناشئ عن درجات الوعي المتنامية كنتيجة حتمية لثورة تقنية المعلومات والمعرفة، وبكل تأكيد يجب أن تكون الجامعات وخصوصا الجامعات الأهلية الأكثر تطورا وبمرونة عالية لتلبية توقعات الطلبة بإعطائهم حقوقهم وتحقيق العدالة وتسليحهم بالعلم والقيم والمبادئ والمفاهيم على أكمل وجه دون تمييز بين طالب وطالبة.

المصدر : جريدة الاقتصادية -