-

عدد القراءات: 1361
محمد بن سعود الجذلاني – جريدة الرياض
 

 إن من حق المواطن في هذه الدولة المباركة أن يطرح تساؤلاته المشروعة حول ما تحقق من خطوات عملية في مشروع خادم الحرمين الشريفين – أيده الله – لتطوير القضاء ، ومن حق ولي الأمر – أيده الله – وحق الناس علينا – نحن الكتّابَ المتخصصين – أن ننقل إليهم الصورة َ واضحة ً دون تزييف ولا تدليس

من مبادئ الشريعة الإسلامية في الحكم على الرجال وأعمالهم وآرائهم واجتهاداتهم (أن الرجال يُعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال) وهو ما أشار إليه حرفياً الأمر السامي الكريم المتضمن تعديل نظام المطبوعات والنشر إذ جاء في مقدمته جملة من الأسس والمبادئ والمضامين الجليلة.

ففي سياق تنظيمه للنقد الإعلامي الموجه لأجهزة الدولة ورجالها أكد عدم جواز التعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى مفتي عام المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء، أو رجال الدولة . وفي ذات الوقت أكد بقوله الكريم :(إن اختلاف الآراء وتنوع الاجتهادات مصدر إثراء يضاف لرصيدنا العلمي وأفقنا المعرفي على ضوء ما أرشد إليه سلفنا الصالح من اعتبار الاختلاف العلمي الرصين من سعة الشريعة ورحمتها بالأمة، وأن الرجال يعرفون بالحق والحق لا يعرف بالرجال، مع إدراكنا لحقيقة النقد البناء الذي لا يستهدف الأشخاص والتنقص من أقدارهم أو الإساءة إليهم تصريحاً أو تلويحاً) .

لذا فإن من أغرب الأخطاء التي نقع فيها الخلط بين شخصية المسؤول، وبين الجهة الحكومية التي يرأسها، وظن البعض منا أن الكاتب حين ينتقد أداء أي جهة حكومية أو يبدي ملاحظات على عملها ، أنه يسيء شخصياً، ويخل ّ بالاحترام الواجب للمسؤول الأول في تلك الجهة.

لقد كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم أن الولايات العامة المرتبطة بمصالح الناس لا يكفي فيها الديانة والفضل والخلق ، إنما هي أمانات لا تعطى إلا لمن يقدر على القيام بأعبائها ، فلم يكن فضل أبي ذر رضي الله عنه الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر:”ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر” لم يعتبر كافياً لأن يوليه النبي عليه الصلاة والسلام أياً من الولايات ففي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم وأحمد عن أبي ذرٍ قال: قلت: يَا رسول الله أَلاَ تستعملني؟ قَالَ: فضرب بيده على منكبي. ثم قَال: يا أَبا ذر إنك ضعيف وإنهَا أَمَانة، وإنها يوم القِيامة خزي وندامَة، إلا من أخذها بِحقها وأدى الذي عليه فيهَا.. ومعنى الضعف الوارد في الحديث هو العجز عن القيام بوظائف الولاية. قال النووي رحمه الله: هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية.

لقد كانت وجهات النظر التي سبق لي طرحها في شؤون العدالة، بحكم خبرتي القضائية السابقة وارتباطي الوثيق حالياً بالمحاكم كأحد أعوان القضاء – المحامي – واجباً وطنياً لابد أن يؤدى.

ومن ذلك حديث لي سابق عن المجلس الأعلى للقضاء الذي هو في سويداء القلب محبة وتقديراً رئيساً وأعضاء، وهو بأدائه المؤسسي لا يجوز أبداً أن يُختزل بالكامل في شخص رئيسه.

إن من حق المواطن في هذه الدولة المباركة أن يطرح تساؤلاته المشروعة حول ما تحقق من خطوات عملية في مشروع خادم الحرمين الشريفين – أيده الله – لتطوير القضاء ، ومن حق ولي الأمر – أيده الله – وحق الناس علينا – نحن الكتّابَ المتخصصين – أن ننقل إليهم الصورة َ واضحة ً دون تزييف ولا تدليس، وقد سبق لي في أحد اللقاءات التلفزيونية أن أكدت أن المؤشر الحقيقي للإنجاز في أي جهة حكومية هو آراء الناس ِ وملاحظاتهم وشكاواهم ، وأنه لايمكن للباحث عن الحقيقة أن يستقيها من تصريحات المسؤولين فقط، ولا من مدائح منسوبي الجهاز لقياداتهم . والمسؤول الأمين الصادق يفرح بالنقد الموضوعي ويفيد منه أكثر من فرحه بالمدح المفرغ من المحتوى سيما إذا كان مجرد مدح لجوانب شخصية في ذلك المسؤول .

وكما كنتُ في مقال سابق أثنيت على بعض أعمال المجلس الأعلى للقضاء وأوضحت ُ أثرها الإيجابي ، أنتقل اليوم للحديث ِ عن بعض الإيرادات التي أتمنى أن تجد لدى المجلس الموقر صدى وأن تكون له عوناً في سعيه للتطوير والبناء لأنه ليس من المقبول أن نغفل عن مثل هذه الملاحظات رغم أهميتها، ونجعل من إنجازات المجلس بأنه عقد أربعة عشر اجتماعاً ! بينما هذه الملفات المهمة جداً ما تزال معلقة تنتظر إنجازها من مجلسنا الموقر، وهناك الكثير من القرارات التي ألزم بها النظام لم تصدر إلى الآن لا يمكنني استقصاؤها في هذا المقام التي تعتبر في مقدمة تنفيذ مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء.

أعود لأقول إن من أهم الملاحظات على المجلس الموقر في تنفيذ مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء:

التأخر الكبير جداً في سلخ القضائين: الجزائي والتجاري من ديوان المظالم واستقلالهما في محاكم تجارية ومحاكم جزائية متخصصة ، وليس صحيحاً ما يقال بأن تأخر ذلك بسبب تأخر صدور تعديل نظاميْ المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية ، فالمحاكم التجارية في ديوان المظالم تطبق حالياً نظام المرافعات الشرعية الحالي، ولم يعد من المناسب استمرار تبعيتها للقضاء الإداري؛ لأن ذلك يؤخر خطوات إصلاح القضاء التجاري ، أما المحاكم الجزائية في ديوان المظالم فهي أيضاً تطبق أنظمة خاصة بها ولا مبرر لتأخر استقلالها، ولا أدل على ذلك من قيام المجلس الأعلى للقضاء بإصدار قرار قبل مدة طويلة بإنشاء محاكم تجارية في المناطق الرئيسية ثم تم السكوت عن هذا القرار ولم يطبق.

كذلك نص نظام القضاء المادة الثامنة فقرة (4) على أن يصدر المجلس لائحة داخلية تنظم أعماله ومهماته، ولم تصدر هذه اللائحة إلى اليوم رغم أنها تمثل الخارطة التي يجب أن يسير عليها في أعماله فكيف يستمر في العمل بدونها، وكان المفترض أن تكون أول لائحة ينهيها المجلس ؟.

ومن ذلك ما نصت عليه الفقرة (2) من القسم الثالث من آلية تنفيذ نظام القضاء بأن يقوم المجلس الأعلى للقضاء بعد مباشرة مهماته بإجراء دراسة شاملة لوضع اللجان المستثناة (البنوك، والسوق المالية، والقضايا الجمركية) المشار إليها في البند (عاشراً) من الترتيبات التنظيمية لأجهزة القضاء وفض المنازعات، ورفع ما يتم التوصل إليه خلال مدة لا تتجاوز سنة لاستكمال الإجراءات النظامية.

فولي الأمر – أيده الله – أفصح عبر إصداره لنظام القضاء الجديد عن إرادته الجازمة بأن يعالج أوضاع هذه اللجان التي تمارس أعمالاً من أعمال القضاء وهي تنطوي على انتهاك ٍ لكثير من مقومات القضاء الشرعي، حتى باتت توصف ب: (قضاء الظل) وهو ما جعل القانونيين قبل الشرعيين يطالبون بإلحاح بسرعة إخضاع هذه النزاعات لولاية القضاء الشرعي .

ومن الملفات التي تحتاج لوقفات أطول لعله يكون قريباً موضوعا: التفتيش والتدريب القضائي.

وأسأل الله أن يوفق أصحاب الفضيلة القائمين على (المؤسسات القضائية) لتحقيق ما أنيط َ بهم من تطوير القضاء وإصلاحه والحمد لله أولاً وآخراً .

*القاضي السابق في ديوان المظالم والمحامي حالياً

المصدر: جريدة الرياض  13 رجب 1432 هـ الموافق 15 يونيو 2011م

المصدر : -